تشكّل للفن عصر جديد، عصر اتسعت فيه دائرة الآلي بضمّ الإبداعي إلى الآلي، فصارت فيه الكاميرا بديلا عن الفرشاة والقماش واللون، حوّل الصورة من قيمة جمالية إلى قيمة استعراضية ودعائية، ليتأسس بذلك نمط جديد لإدراك ورؤية العالم … فعصر الصناعة أحدث قرانا بين الفن والتقنية خلق طفرة من الصور، “إذ نعيش الآن في حضارة الصورة”، حيث لا يمكن التميز بين الحقيقي والمزيّف كما الأصيل عن الهجين، فكانت طفرة من الصور وإنتاجيتها.
و هو بالتالي إسقاط لطابع التفرد عن الفن المعاصر تطرّق له بعض الفنانين في عملهم بينهم آندي وارهول[1]، الذي يعتبر من أشهر فنّاني الولايات المتحدة الأمريكية ومن أكثر فنّاني البوب الأمريكيين إثارة للجدل، فقد اشتهر بتوظيف الصورة الفوتوغرافية في تجسيد الكثير من أعماله وباعتماده على عناصر من الموروث الثّقافي الشعبيّ الأمريكيّ … و أيضا على العناصر الشّائعة في مجتمعه التّي قام باستعارتها ليعيد تركيبها على قوالب صاغ من خلالها أعماله الّتي حمّلها رؤى جديدة، تقوم على مركزيّة المفاهيم في بناء العمل التشكيلي.
حاول وارهول توظيف عنصر التكرار جماليّا ليصوّر هوية المجتمع الأمريكي ثقافيّا واقتصاديا وحتّى سياسيّا. فقد ساهمت طبيعة المجتمع الصناعي في إنشاء سوق تتعدد فيها البضاعة وتتراكم كتعدد الصور وتراكمها ليتحوّل بها الفرد كيفما كانت الطبقة التي ينتمي إليها، إلى مستهلك. الشيء الّذي أثار الفنّان إلى اعتماد عنصر التكرار في لوحة مارلين مونرو مثلا، محيلا بذلك إلى آليّة الإنتاج وطفرة الصورة المتشابهة رغم اختلافها، وإلى الرّتابة والنمطية التي سادت المجتمع الاستهلاكي[2]. تبقى للصورة مخزوناتها الدلالية، التي تمكنها من أن تكون أداة اتصال عالية التأثير المعرفي والجمالي والثقافي، فتكون بذلك وسيطا حواريا ممتدا غزيرا بالمعاني.
وفي ظل العولمة منح التطور المذهل ـ في عالم التكنولوجيا ـ الصورة الرّقميّة فرصة الانتشار السريع، حتى أصبح الإنسان المعاصر في غابة من الصور عمت المشهد الثقافي والمعرفي وأصبحت الصورة طامسة لهوية المجتمعات المهيمن عليها و تتطلب الكثير من التأمل والتحليل لمقاومة تسلطها. فقد تعددت الوسائط والتقنيات التي توخاها صناع الصورة، لتشكيل صور متكاملة معبرة مستوفاة للمقومات والخصائص الفنية السليمة في التركيبة والألوان، يتم تحوير بنيتها الأصلية بإضفاء بنية جديدة قادرة أن تخترق بالمتلقي نحو معان ودلالات مخالفة للأصلية.
فقد استغل عديد الفنانين المعاصرين الصورة الرقمية لكسر الحاجز بين الحقيقة والخيال والمزج بينهما في أعمالهم الفنية، ويمكن أن نذكر منهم الفنانة الأمريكية أنني ليبو فيتز[3] AnnieLEIBOVITZ التي وظفت التكنولوجيا لتصميم صور الحملة الدعائية لـوالت ديزني WaltDISNEY : وهي مجموعة من الصور الفوتوغرافية للأطفال تحتوي على مجموعة من المشاهير أسسته بقصص أسطورية لابتكار عالم طفولي خيالي، يضفي على أبطال المشاهد قدرات خارقة أخلاقيا وجسمانيا.
في نفس هذا السياق تتعدد التجارب المعاصرة حيث يمكن أن نذكر المصور الفوتوغرافي البلجيكي كريستوف جيلبير[4]Christophe GILBERT والفنان التشكيلي المعاصر مارك ديبورد اللذين استعملا الصورة الفوتوغرافية لخلق وضعيات ولقاءات لم يشهدها الواقع … فقد قام جيلبير بإدخال عدة تحويرات على مستوى بنية الصور قصد إيهام المتلقي بأحداث أو قصص بطريقة حرفية لا ترتقي إلى شكلها. أما ديبورد فقد حول الصور الفوتوغرافية إلى رسوم رقمية بإضافة الحياكة والألوان والعلاقات الغريبة …