جور نار
التونسي ميّال تلقائيّا إلى الكُبّي وتثبيط العزائم
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri“الكآبة أو الشّجن هما أن تجد نوعا من السّعادة في أن تكون حزينا. ” فيكتور هوغو
أَجرت جامعة ميشيغان الأمريكية دراسة علمية ميدانية على نطاق عالمي بقيادة الجامعي باتريك فورنييه شارك فيها حوالي 1150 شخصا يمثلون القارات الخمس، كان موضوعها “حاجز السلبيّة المُتأصّل في سلوك الناس” أي محاولة الإجابة عن السؤال المُحيّر : هل صحيح أن الانسان أينما وُجد هو ميّال فطريّا إلى التفاعل بأكثر إيجابية مع الأنباء السلبيّة ولماذا لا يحصل العكس إلا نادرا ؟ ونُشرت نتائج هذه الدراسة في سبتمبر 2019.
تمثلت التجربة في أنه كان يُعرض على المشاركين صنفان من التحقيقات الصحفية القصيرة : صنف سلبي وصنف إيجابي وذلك على النحو التالي :
تحقيقات سلبية :
___ البيرو : المدينة البيروفية الصغيرة شمبوت تلتهمها نيران الحرائق
___ غرّة ماي : مظاهرات واسعة في ظل الانكماش الاقتصادي بأوروبا
___ النيجر : النّقص الشّامل في المواد الغذائية يُشعل فتيل الاحتجاجات الشعبية
___ سري لانكا : الأمم المتحدة تحقق في جرائم حرب
تحقيقات إيجابية :
___ قطيع من الغوريلا يقع إطلاقه في الطبيعة
___ سيارة كهربائية جديدة بحجم مرن قابل للتقليص في زحام الطرقات يتمّ تصنيعها في بولونيا
___ طفل لم يتجاوز 11 سنة يتوصّل إلى إخراج أفلام متحركة
___ طفل صغير يشفى تماما من مرض نادر أصابه في كبده.
وخلال مشاهدة التحقيقات الصحفيّة، كان المشاركون مَوْصولين بتجهيزات متطورة تسمح برصد ردود الفعل التفاعلية المزدوجة بين حساسية التوصيل عبر الغشاء الجلدي للمشارك والتغيرات المسجلة في نسق دقات القلب.
كان من النتائج الجزئية لهذه الدراسة (انطلاقا من الملاحظات المسجّلة خلال التجربة) أن الناس بصورة عامة يحتفظون بــــ :
الأنباء السلبية أكثر من الايجابية
الفشل أكثر من النجاح
الهِنات في سلوك الآخر أكثر من خِصاله
الانتقادات أكثر من الامتداح والثّناء
الكوارث أكثر من مُنجزات البشرية…
ما يُفسِّر إلى حدّ كبير كثافة الأخبار السلبية في مختلف وسائل الإعلام التي تنشُدُ الانتشار لأن هنالك لهفة كبيرة يُبديها المتلقّي إزاء الأنباء الكارثية. لكن عادة ما تكون لحاجز السلبية هذا انعكاسات على أفكار الناس في شكل أفكار مسبقة وأحكام جاهزة ومواقف تمييزيّة في حق الآخر المختلف أو في شكل مواقف يحدوها التطيّر والتوجّس.
من التفسيرات التي قدّمها فريق الباحثين بجامعة ميشيغان أن “نظرية الميْل إلى كل ما هو سلبي” مرتبطة بنظرية النشوء والتطور لأن الانسان البدائي ما كان ليستمر وجوده لولا ذلك “الحاجز البدائي” الذي يجعله يفرّ هاربا تلقائيا لمجرّد سماع أبسط صوت أو حركة مجاورة لغدير مّا كان يشرب منه، دون التساؤل إن كان مردّ تلك الأصوات حيوانات مفترسة أم كائنات أليفة”.
أمّا في سياقنا التونسي،
فيبدو أننا لا نُشكّل استثناءً لهذه القاعدة التي تأكّدت كونيّتها، بل لديّ انطباع أننا “لا نكتفي بمعرفة العلم وإنما نُضيف إليه ونُغْنيه” كما في كل شيء، فنحن لا نكتفي بالميل الطبيعي إلى تحبيذ ما هو سلبي والتلذّذ برفقته بل تأسّست لدينا ردّة الفعل السلبية كمنوال أساسي ثابت في التعامل بين الناس والتعاطي مع الأخبار الواردة من هنا وهناك. (حتى أن صانع مقهى أعرفه أضحى قِبلة العديدين من أهل الحي يأتونه خصّيصا للتزوّد الدّوري بما تيسّر من أخبار موغلة في الطعن والقتل وقطع الطرقات والسِّفاح واشراف الدولة على الإفلاس…).
وهذه بعض الأمثلة الحيّة التي تُجسّد حسب نظري هذا الاتجاه العام في سلوك التونسيين :
___ الخبر على صفحة رئيسة بلدية سيدي مرشد بسليانة الجنوبية : انطلاق التسجيل في برنامج تعليم الكبار والتعلّم مدى الحياة بكافة معتمديات ولاية سليانة… (تعليق أحد المٌتابعين : خرّف يالّي تخرّف، ولايات تجيب في المشاريع وسليانة باش اتقرّي واتعلّم الكبار، مقروش الصغار حتى باش يقرو الكبار…)
___ الخبر على صفحة إحدى الإذاعات : شاب تونسي قادم من بعيد يُعيد الأمل في صنع أمجاد الفريق الوطني لكرة القدم، إسمه حنبعل المجبري. (أحد المعلّقين : انتصارات كرة القدم لم تعد تستهوي الا السُذّج والمغفّلين من الناس، نحن بحاجة للانتصار على الفقر والتخلف والجهل…)
___ الخبر : الانطلاق في مساءلة الضّالعين في حملات تسفير آلاف الشباب التونسيين إلى بؤر الإرهاب. (أغلب المعلّقين : هذه مسرحية جديدة سيّئة الإخراج أو هذا حمّام أخضر لتبييض الحَمام الأزرق أو كذلك “في الحلقة الأخيرة سيكتشفون أن الشعب هو الذي قام بالتسفير إلى سوريا” …)
___ الخبر : بطلة التنس أنس جابر في نهائي دورة أمريكا المفتوحة. (بعض التعليقات : هنيئا للبرجوازيين ببطلتهم في رياضتهم المفضّلة أو مبروك عليها المليارات !)
___ الخبر : حصول تونس سنة 2008 على جائزة الأمم المتحدة لجودة الخدمات الإدارية (نجاح تجربة وضع كل خدمات التوجيه الجامعي في تونس على الخط آنذاك) وقد أسندت اللجان الأممية قرارها في ديسمبر 2007 بناءً على ملف مفصّل من مئات الصفحات سهرتُ شخصيا من أجله الليالي حتى أقدّم أفضل صورة حول مكسب حقيقي تحقّق بكفاءات تونسية خالصة، دون أدنى إشارة إلى السلطة السياسية ولو في جملة واحدة. (كثير من المعلقين وخاصة من الحقوقيين الثوريين : “هذه جائزة لا معنى لها، ومن المؤكّد أن بن علي صرف على نيْلها المليارات من أموال الشعب لتلميع صورته والتطبيل للتطور الزائف الحاصل في البلد.” )
___ الخبر : تنظم الجامعات خلال شهر مارس من كل سنة مناظرات بالاختبارات الكتابية لتعديل المسار الدراسي، ويُقبَل بصفة آلية في هذه المناظرات جميع المترشحين إذا كان عددهم لا يفوق عدد البقاع المفتوحة. (تعليق أغلب الكسالى و”الطايحين قبل الضّربة” : لا فائدة من المشاركة لأن نتائج المناظرات معروفة مسبّقا وقائمات الناجحين تكون جاهزة قبل اجتياز المناظرة أصلا ! )
___ الخبر : طالب بإحدى مؤسسات الجامعة التونسية (INSAT) يُدعى كريم الغرياني، 19 سنة توصّل الى ابتداع أداة جديدة في مجال البرهنة الرياضية وتمّ اعتمادها من لدن المنظمة العالمية LANL في جامعة كاليفورنيا وأطلق عليها إسم كاريماسيون Karimation (كان ذلك سنة 2009) متوصّلا إلى نفس النتيجة التي تم بلوغها سنة 1866، الشيء الذي يُعتبر علامة نبوغ كبير في حدّ ذاته. (أتذكّر جيدا أن تعليقات العديد من الجامعيين الرياضيين والفيزيائيين الذين أعرفهم آنذاك كانت من قبيل : “برافو عليه كريم آما راهو ما جابش فريمون حاجة جديدة خاطر ماناش قُدّام نتائج جديدة وإنما فقط طريقة جديدة تتميز بالبساطة وعدم التعقيد “).
أقول في النهاية بأن لحظة التحوّل في صباحات تونس (وربما في صباحات كامل المنطقة العربية)، اللحظة التي تخلّى فيها التونسي (مدفوعا إلى ذلك قسرا) عن تلك المُراوحة المتوازنة والمُمتعة صباحا بين بعض المدائح والأذكار البرّاقة بأصوات تونسية شجيّة ثم جُرعة من الفرح العارم والبهجة الساطعة بصوت فيروز الحريري”التي تجعل الصحراء أصغر وتجعل القمر أكبر” كما قال عنها درويش… كانت لحظة مُنبئة بحلول مزاج جديد من أهم ركائزه تمجيد البكاء وازدراء الحياة والاحتفاء بالممات. (ولهم في هذه المعاني نصوص وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان).
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 21 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 21 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 4 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟