جور نار
التَيمُّم … وسياسة ترشيد استهلاك الماء !
نشرت
قبل 11 شهرفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashكنت خارجا لتوي من حبث دفعت ما جاء في أثقل فاتورة استهلاك ماء غير صالح للشرب، عكس ما يقال … فالحقيقة هي أن اغلب المياه التي توزعها الدولة لم تعد صالحة للشرب كما كانت وكنّا نعرفها، هي فقط وفي بعض المدن والجهات بالذات صالحة للاستحمام وغسل الأواني ومآرب أخرى...
أقول كنت خارجا بعد أن دفعت “دمّ قلبي” كما يقال حين اعترضني أحد أصدقائي من الدُعاة المدافعين والمنظرين الشرسين لتحوّل الخامس والعشرين من شهر جويلية، وهو أمر لا يهمني كثيرا فانا مع حرية الانتماء والاختلاف والتصفيق… قصفني هذا الأخير قصفا عشوائيا بابتسامة عريضة ناسفة قبل أن يقترب منّي وكأنه يدعوني إلى جلسة حول فنجان قهوة يحاول خلالها تحويل وجهتي إلى فرقة “الله واحد الله واحد” التي يديرها صحبة بعض المصفقين…والمطبلين…الافذاذ…البررة…
اقترب منّي وفتح ذراعيه مرحّبا ومحتضنا وكأني غبت عنه لسنوات، وقال “ما بك وكأنك خارج من معركة اليرموك يا صديقي؟” نظرت إليه وقلت له “حياتنا كلها أصبحت معارك يا (سعيد الصحاف)…واليوم كانت لي مشاركة في معركة القادسية”
{أسميته بالصحّاف منذ عرفت أنه من المصفقين المطبلين المدافعين دون حجة ولا برهان وبكل الطرق عن التحوّل المبارك الثاني الموافق للخامس والعشرين من جويلية، فالصحاف كان يلمّع صورة صدام وجيشه ويبالغ في نشر الاخبار الزائفة عن هزائم الأمريكان والحقيقة أنه لا يعلم شيئا عما يحدث على بعد أمتار منه… }
قلت له: حياتنا أصبحت كلها معارك، ففي اليوم الواحد نقضي أكثر من ساعة ونصف ونحن في معارك رصّ الصفوف طمعا في الظفر والفوز برطل من السكر أو بعض المواد المفقودة التي أصبحت مواعيد وصولها وبيعها تُرصد برؤية الهلال كرمضان والعيد أو من خلال ردّ خبر من أحد الذين يعملون في الفضاءات الكبرى… وأضفت: كنت قبل قليل أدفع ما لم أدفعه منذ ولدت خلاصا لفاتورة استهلاك الماء فسعر المتر مكعب من الماء الآتي من الأرض والسماء ارتفع ولم ترتفع قوّة تدفقه، رغم أني ومنذ أكثر من شهر أعاني من قطع في التزويد لا أحد نبهني عن حدوثه مسبقا لمدّة تقارب الأربع ساعات يوميا، إضافة إلى ضعف قوة التدفّق التي نعانيها منذ اشهر الأمر الذي أعادنا إلى أكثر من أربعين سنة إلى الوراء فــ”الطنجرة” عادت للظهور في منازلنا لتسخين الماء للاستحمام وغيره…فضعف قوّة التدفق لا تسمح للسخان المنزلي بالعمل ويضطرنا للعودة إلى العادات التي تركناها حين تصورنا اننا ارتقينا وتطورنا وتقدمنا كبعض الدول الأخرى التي سبقتنا…
قال وهو يستعد لدخول المقهى “حكاية الصفّ يا صديقي هي منفعة لا مثيل لها لشعبنا اليوم…فالصفّ هو أفضل مكان لإعادة العلاقات والودّ بين الأصدقاء والأحباب، فالصفّ للظفر برطل من السكر يجمع الجميع رغم اختلافاتهم، وهو المكان الأنسب اليوم للالتقاء والتقارب وتبادل الآراء بعد أن تمّ القضاء على الأحزاب التي فرقتنا، وشتتت أهدافنا، فالهدف الذي يجمعنا أصبح واحدا وهو رطل السكر أو أي مادة ضرورية مفقودة…وحين نُوحّد أهدافنا ذلك هو الكسب الكبير لهذه البلاد…” كاد يغمى علي مما سمعته من “الصحّاف” والتزمت الصمت خوفا من أن أغضبه وأتسبب في خلاف لا موجب له…
جلس “الصحّاف” أمامي حول طاولة في مقهى “عمّ احمد العطشان” وقال وهو يبتسم ابتسامة لا أعرف معناها “ولكم في ذلك منافع كثيرة وأنتم لا تعلمون”، ضحكت ملء شدقي وقلت ” أأصبحت منظرا وتحاكي في قولك ما جاء بالقرآن الكريم يا صحّاف الكذّاب؟؟” قال”والله لا لكن سأكون واضحا معك فأنا أقرب منك فهما وتحليلا لما يريده الحكام بأمرهم في هذه البلاد وفي ما يفكرون …” قلت “وما هذه المنافع يا صحّاف…؟؟” قال “أولا لانقطاع وضعف تدفق الماء واضطراركم للعودة إلى عادة تسخين الماء في “الطنجرة” منفعتان أولاهما تعويض سياسة تحديد النسل التي نجحت تونس فيها وتركناها منذ سنوات، فحين تدرك انك لن تكون قادرا على الاستحمام بالماء الساخن دون ان ترهق نفسك بالتسخين وما إلى ذلك من معاناة ومشقّة “الطنجرة” ستضطرّ إلى النوم باكرا وستؤجل برنامج معاشرة زوجتك حتى اشعار آخر، وبذلك قد تنخفض نسبة الولادات بحوالي عشرة آلاف مولود سنويا وهو أمر قد يفيد الدولة والعائلات في إطار ترشيد مصاريف الدولة، وتحديد نسب الاستهلاك عموما…
كما يساهم ذلك في بلورة الميزانية العامة للدولة ومنوال تنموي جديد تؤخذ فيه بعين الاعتبار نسبة التطوّر السكاني السنوي في البلاد، وأنت تعلم جيدا حجم تكاليف مولود جديد ومصاريفه اليومية في زماننا هذا، وما ستدفعه الدولة غدا حين يصل إلى سن الدراسة وصولا إلى التخرّج من الجامعة…كما يساعد ذلك الأمر على استشراف سياسة التخفيض من نسب البطالة والحدّ منها في الأجيال القادمة…أما ثاني المنافع فهي العودة إلى وسيلة شرعية في الوضوء وهي “التيمّم” فالتيمّم من الوسائل الشرعية في ترشيد استهلاك الماء والحفاظ على الثروة المائية، كما أن التيمّم والتخفيض من عدد مرّات الاستحمام شهريا سيساعد على الحفاظ على مخزوننا من المياه في المائدة المائية وسيحدّ من أزمة الماء التي بدأت تلقي بظلالها على أغلب دول العالم… وفي كلتا المنفعتين قد توفّر الدولة لخزينتها سنويا حوالي مليار من الدنانير …أظنّك فهمت ما أقصد يا صديقي؟؟؟ “
استغربت قوله ولم أصدّق ما سمعته منه ونظرت إليه قائلا “لا تقل لي أيضا إن فقدان بعض المواد الأخرى له منافع بعدد شعر الرأس…؟؟” أجابني “لا…لا… تلك مسألة أخرى، مؤامرة خارجية من بعض الدول العظمى بمساعدة بعض العملاء من الداخل… فبعض الدول لا تريدنا أن ننعم بهذا الاستقرار وهذا التحديث الذي تعيشه اغلب مناحي الحياة في بلادنا، كما أن ديمقراطيتنا الاستثنائية التي أصبحت حديث الدنيا لم تعجب بعض الذين يريدون زرع الفتنة في صفوف هذا الشعب…” قلت “حديث الدنيا… دنيا اشكون؟ أهذه قراءتك لما يقع بالبلاد يا صحّاف ؟؟” قال “نعم طبعا وهي قراءة سليمة خالية من كل مغالاة ومن كل عاطفة، هي قراءة محايدة وعقلانية…يا صديقي” قلت “بكم كيلوغرام من العلف اليوم في سوق الأعلاف يا صحّاف؟؟” قال “سل الحمير فأنا لست منهم…”
نظرت إليه وغادرت المكان وأنا أقول في خاطري… أين النخبة المثقفة في هذه البلاد لماذا تركت مكانها لأمثال “الصحّاف” ليكذب على الشعب ويغالط أصحاب القرار ويهدم كل ما بنيناه سذاجة وحقدا وانتقاما؟؟ أليست النخبة هي من يتحمّل هموم المجتمع وتوجيهه الوجهة الصحيحة…أليست هي الاقدر على تسليط الضوء على ما هو كائن، وما يمكن أن يكون؟؟ أين إعلامنا الذي نعرفه سابقا ؟؟ ماذا يمكن أن نغيّر في ظل الصمت المُريب للمُثقف، وخوف السياسي الغريب، وواقع الإعلام المُفزع والمبكي والمخزي…
أليس الاعلام هو من ينير السبيل لمؤسسات الدولة لتعرف ما يجب ان تفعله لصالح هذا الشعب؟؟ لماذا نترك إعلام الباطل يُسكت إعلام الحقّ… لماذا فسحنا المجال ليتوهّم أصحاب الباطل انهم على حقّ؟؟ ماذا جلب لنا التصفيق والتأليه والتطبيل سابقا أأفادنا في إصلاح حالنا وأحوالنا وحال الوطن؟؟ لا… فلم يصرّ بعضنا على مواصلة التصفيق؟؟ لماذا يقبل بعضنا بأن يكبّل الباطل ألسنتهم ويلجم افواههم ويخدّر ضمائرهم؟؟ أين الأحزاب من كل هذا الذي يجري، لماذا أخفت رؤوسها في التراب؟؟ ألم يحن الوقت لتنظّم نفسها وتبتعد عن الانتهازية السياسية واغتيال الضمائر بمفاهيم ضيقة خانقة، ومدمرة لمستقبل البلاد والعباد…أليس هذا دورها التوعوي الذي كثيرا ما فاخرت به؟؟
ابتعدت عن المكان وأنا أقول “الله يرحمك يا بورقيبة…برنامجك للتنظيم العائلي يتواصل بالتيمّم وهجر زوجاتنا في الفراش بسبب انقطاع التزود بالماء الصالح للاستحمام وضعف تدفقه عبر الشبكة… فانقطاع الماء الصالح للاستحمام يعوّض وسائل منع الحمل الأخرى … نم هانئا… نم هانئا فنحن أصبحنا نعيش مهزلة ومأساة (الطنجرة) التي رافقتنا حين كنّا صغارا…مأساة تتكرر كل يوم في حياتنا ابتداء من لحظة قيامنا من النوم وخروجنا من المنزل إلى عودتنا إلى منزلنا وفراشنا للنوم ليلا…مع رفع زوجاتنا ليافطة كتب عليها “ممنوع الانتصاب…ولا تسألني عن الأسباب”…
فجأة شعرت بصوت يقول: “تي اشبيك دخت والا اشبيك…خلصت فاتورة الماء وإلا لا…” …كانت زوجتي، وجدتني نائما بعد أن أرهقني ثقل ما جاء في فاتورة استهلاك الماء… نظرت إليها وقلت “اشبيك يا صحّاف…اشبيك؟؟” قالت: “اشكون الصحّاف …؟؟؟ خلصت الماء وإلا لا…ترصيلناش يقصوه زادة …”…نظرت إليها وقلت: “الماء قوي زعمة…السخّان يمشي والا لا…”…ورويت لها كل ما وقع معي مع الصحّاف في حلم كنت اظنّه حقيقة…ضحكت وقالت: ” الماء ضعيف…يبطى شوية”…
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 3 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 3 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 14 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟