جور نار
الجزء الثاني من الجولة في أروقة وزارات التربية العربية (بعد المصطلحات… الدلالات)
نشرت
قبل 12 شهرفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriحاولت في الورقة الماضية تصيّد بعض الاختلافات الاصطلاحية التي تُسجل في مستوى الخطاب التربوي بين بلد عربي وآخر، وكان ذلك على نحو طريف لا يُعبّر عن موقف مُسبق يستهجن بعض الاستعمالات بقدر ما يعكس الامتداد الواسع للمنطقة العربية، وثراء اللسان العربي نفسه الذي يسمح بتطويعات وتوليدات زاخرة من رحم اللغة الأم.
وبينما كنت بصدد رصد أشكال التعبير المستخدمة هنا وهناك، تصوّرت أنه قد يكون من المفيد أيضا ضمّ الدال إلى المدلول ومحاولة التوقّف عند بعض التباينات الدالّة في التوجهات التربوية وإبراز القواسم المشتركة التي فرضتها روح العصر، ونزوع الجميع إلى تحقيق الغايات التي تنتظرها كل المجتمعات، وخاصة النامية منها، من قطاع التربية والتعليم.
أول الانطباعات الصّادمة التي عشتها وأنا أتصفّح ورقات التربية في مختلف البلدان العربية على الويب هي وجود بلدان محسوبة على المنتظم العربي لكن ليس لها من العروبة شيءٌ يذكر : لا لغة ولا مرجعيات ولا برامج دراسية ولا تأكيد على الانتماء إلى الجرجاني أو الريحاني.
فعلى سبيل المثال، في جزر القمر، باستثناء اسم وزير التربية “تقي الدين يوسف”، لا شيء مطلقا يوحي بأنك في حضرة أناس من بني جلدتنا، فكل مضامين الموقع الرسمي لوزارة التربية هناك موضوعة باللغة الفرنسية. أما وزير التعليم الوطني والتكوين المهني في جيبوتي فلولا البسملة المكتوبة بالأحرف اللاتينية في مستهلّ كلمته الافتتاحية بموقع الوزارة
Bismillahi Rahmani Rahimou Asalamu Caleikum à vous tous
لخُيّل إليك أن هذا البلد إفريقي تماما معتزّ بفرنكوفونيته ولا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالأفغاني أو الهمذاني.
من جهة أخرى، يُطلق على وزارة التربية والثقافة والتعليم العالي في الصومال بالصومالية
Wasaaradda Waxbarashada, Hiddaha Iyo Tacliinta Sare
أما الموقع فكله باللغة الانكليزية أو الفرنسية أو الصومالية المحليّة ولا أثر للّغة العربية في ثناياه.
الملاحظة الثانية تتعلق بالإنشائيات العارمة في مناخات تربوية قاتمة
كل المواقع الرسمية لوزارات التربية في البلدان العربية تتبنّى خطابا تقدّميا متشابها يشي بأن الأنظمة الماسكة بالحكم اليوم مُدركة تماما للأهمية الإستراتيجية التي يكتسيها قطاع التربية ودوره الحاسم في تشكيل ملامح ما ستكون عليه مجتمعاتنا في المستقبل، ولكن ترتيب تلاميذنا في المسابقات الدولية وتموقع جامعاتنا ضمن النسيج الأكاديمي العالمي ومستوى أداء مخابرنا العلمية لا تعكس زخم الخطاب الرسمي والدّيباجات المُطرّزة التي تتصدّر البوّابات التربوية المختلفة.
فعلى سبيل المثال تَعتبر السودان أن “التعليم العام أساس التنمية البشرية المتعلقة ببناء القدرات وتوظيفها لتوسيع الخيارات فى حياة كريمة ومعافاة.” وتؤكد السعودية أن “التعليم يُعتبر احد العناصر الرئيسة في منظومة التطوير الشاملة التي تعيشها المملكة وهو أحد الممكنات الرئيسة التي تجعل هذا الوطن الكريم يتبوّأ الصدارة في كافة المجالات…”. ويُنادي وزير التربية والثقافة والتعليم العالي الصومالي بأن هدف وزارته هو “تلقين طلبتنا المعارف والمهارات والسلوكات الضرورية التي تليق بمجتمعات آمنة ومُنتجة”. ويعتبر المغرب أن “الطفل على الأخص، هو في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية…”.
وهكذا يبدو جليّا أننا نشأنا على الإنشاء حتى أصبحنا نُنشئُ خطابا ننشد فيه قيما وغايات لا نهتم كثيرا بمدى قابليّة تحقّقها. والإنشاء عند أهل العربية – حسب القاموس- يُطلق على الكلام الذي ليس لنسبته خارج تطابقه أو لاتطابقه أي لا يمكن تصديقه أو تكذيبه.
الملاحظة الثالثة هي قدرة جل الأنظمة التربوية على التأقلم – على مستوى الخطاب- مع قيم العصر الحديث
يكاد لا يخلو موقع تربوي واحد من الحديث عن “مجتمع تربوي ريادي مُنتمٍ مشارك ملتزم بالقيم نهجه العلم والتميز وصولاً للعالمية” كما في الأردن أو “تعليم ابتكاري لمجتمع معرفي ريادي عالمي” في قطر و”إطلاق مجلس السعادة وجودة الحياة” في الإمارات وبعث “شبكات للمدارس الإيجابية” في كثير من بلدان الخليج، إلخ…
الملاحظة الرابعة هي ظاهرة إقحام السلطان أو الدين في الخطاب التربوي وبشكل تعسفي في كثير من الأحيان بموجب وبدون موجب
يقول ملك المغرب على سبيل المثال “لقد شاءت الأقدار أن تُنهي اللجنة الملكيّة أشغالها دون أن يطلع والدنا المشمول برحمة الله على نتائجها” ويقصد اللجنة التي عُهد لها بوضع مشروع ميثاق وطني للتربية والتكوين…
وتتحدث وثيقة تربوية خليجية عن ضرورة “إيجاد بيئة تنافسية تسير – بمشيئة الله وتوفيقه- نحو تحسين وتجويد الأداء وأخرى عن توجيهات أصحاب السموّ – حفظهم الله ورعاهم- الرامية إلى دعم الأولويات وتحقيق استدامة التعليم قبل إنهاء الجملة بــ “الحمد لله الذي جعل العلم ضياء والقرآن نورا ورفع الذين أوتوا العلم درجات”.
الملاحظة الخامسة : أجندات العالم التربوية تحطّ رحالها في كل البلدان تقريبا
إن كان ثمّة قاسم مشترك رئيسي بين البلدان العربية في مجال التربية، فهو تبنّي مفردات الخطاب التربوية السائد اليوم في العالي مثل تكريس التحول الرقمي في التعليم وإدراج أهداف التنمية المستدامة التي أعلنتها منظمة اليونسكو والأمم المتحدة، كالعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان تمتع جميع الشعوب بالسلام والازدهار بحلول عام 2030 . بالإضافة إلى مهارات القرن 21 أو المهارات الليّنة وتنويع المسالك والاستجابة لتعدد ملامح التلاميذ وأهمية التدريب على المهن وإتاحة أكبر قدر ممكن من التنافذ بين مسارات الدراسة، وأهمية الإصغاء إلى الناشئة وحمايتها من مخاطر الإدمان على مُنتجات المنظومات الرقمية، إلخ…
الملاحظة السادسة والأخيرة : في التوجيه المدرسي، وحدة المسارات وتباين نمط تشبيكها
تشترك أغلب الأنظمة التربوية العربية في العناوين العامة لمسارات الدراسة في المرحلة الثانوية، مثل تفريع الدراسة في الثانوي إلى فرع للعلوم العامة وفرع لعلوم الحياة وفرع للاجتماع والاقتصاد وفرع للآداب والإنسانيات (لبنان) أو علوم الحاسب والهندسة ومسار الصحة والحياة ومسار إدارة الأعمال بالعربية السعودية … لكن يظل التباين الأكبر كامن في ما تُتيحه (أو لا تُتيحه كما هو الشأن بالنسبة إلى منظومتنا التربوية في تونس) هذه الأنظمة من معابر بين المسارات العامة والمسارات المهنية والقطع مع “النظرة السائدة حول مفهوم التعليم الثانوي بأنه مرحلة تأهيلية للتعليم الجامعي فقط” كما ورد في أحد المواقع.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 10 ساعاتفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
استطلاع
صن نار
- اقتصادياقبل ساعتين
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل ساعتين
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل ساعتين
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 3 ساعات
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 3 ساعات
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
- صن نارقبل 3 ساعات
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية
- صن نارقبل 4 ساعات
الجنائية الدولية تأمر بإيقاف نتنياهو، والكيان يتهمها بمعاداة السامية!
- ثقافياقبل 5 ساعات
بنزرت… ملتقى إقليمي عن برامج المؤسسات الثقافية وتوقيت عملها