الحبّ اعزّك الله اوّله هزل وآخره جدّ … هي واحدة من اشهر المقولات ممّا كُتب في الحبّ وعن الحبّ في طوق الحمامة لابن حزم … وابن حزم هذا يؤرّخه المؤرّخون كواحد من اعلام المسلمين في القرن الخامس الهجري ووصفوه بالامام الكبير وببحر العلوم وجامع الفنون الفقيه الحافظ الاديب الوزير والمؤرّخ الناقد …
وها انّي كما ترون حرصت على تعديد بعض صفاته حتّى نقف عند ذواتنا لنفهم من نحن ..وفي ايّ مربّع يجب ان نتحرّك .. من حقّ ايّ كان منّا ان يحاول تجاوز ما تركه لنا الآخرون من مآثر ..من حقّ ايّ كان ان يُعمل الفكر ..فالقبوع والرضى بكنوز العباقرة عبر التاريخ هو تبلّد للفكر البشري .. موت المتنبّي لا يعني انتهاء الشعر ..وموت بيكاسو لا يعني انتهاء الرسم ..وموت بيتهوفن لا يعني انتهاء الموسيقى …كلّ ما في الطبيعة يلهمنا بحقّنا في التجاوز فلو كان سقوط اوراق الشجرة في الخريف يعني موتها لانقرضت الاشجار من الوجود …
كلّ هذه الحقائق بقدر ما تؤكّد على قدرة العديد منّا على المواقف الخلّاقة والحكيمة والجديرة بالاحترام تلك الحقائق في نفس الوقت تؤكّد ايضا على انّ العديد منّا في مواقفه او كتاباته او تصريحاته لكأنّه يقول: المتنبّي او بيكاسو او بيتهوفن (ما يلعبونيش!) …فاذا بك عندما تقرأ شعر الأول تلعن ابا الشعر والشعراء، واذا ترى لوحات الثاني تلعن جدّ بو الرسم والرسامين، واذا تسمع موسيقى الثالث تلعن جدّ والدين الموسيقى والموسيقيّن …
هكذا انا منذ سنوات وانا اتابع مثل هؤلاء ..وفي عديد المجالات وخاصّة منها السياسية والاعلامية ..جلّ ساستنا الموقّرين تسمعهم فيُخيّل اليك انّهم باع وذراع ..وتعود لتصريحاتهم كلّ مرّة فاذا هم في جلّهم وفي كلّ مرّة يجترّون ويعيدون نفس اللايتموتيف … ذاك التصريح اُخرج من سياقه .. او لنضع الموضوع في اطاره . او ولكلّ حادث حديث او لقد قال القضاء كلمته … وعن نفس القضاء بعد سنوات، انّه قضاء التعليمات ! واذا حُوصر احدهم بمواقف دامغة كانت اجابتهم دوما (موش صحيح) _ وننتظر ان ياتينا بالصحيح ..لكن النافع ربّي …
امّا عن الاعلاميين فحدّث ولا حرج ..خاصّة تلك الطائفة التي خرجت كالطحالب بعد جانفي 2011 …الاعلام عندهم هو الصوت العالي وقلّة الحياء ..بتبارون في من يكون الاقذع لسانا بدعوى حرّية التعبير … من حقّ ايّ اعلامي ان ينقد ايّة ظاهرة او ايّ شخص ..لكن وباحترام ..نعم باحترام ..الاحترام هنا لا يعني ابدا التذلّل او الانحناء ..الاحترام يعني الرفعة في الاخلاق وفي انتقاء الكلمة النقية من كلّ الشوائب ..دون ذلك يتحوّل النقد الى استعراض عضلات في قلّة الحياء والعنتريّة والبهامة …و وقتها على صاحب العملة ان يدفع ضريبة الغباء والتبوريب …
و تأتي بعد ذلك الفئة الجاهزة من نقابات وزملاء ومناصرين للفهلوية لتدافع عنهم صباحا مساء ويوم الاحد …فئة لم تفهم لحدّ الان وبمنهج قطاعي قطيعي ان حرّية التعبير لا تعني البذاءة … وعندما تتساءل عن معنى مناصرتهم لهم يجيبون ..لا يهمني الشخص بل ادافع عن المبدأ … ايّ منطق اخرق هذا؟! ..لنفترض ان نتنياهو او بايدن يوما وقع ايقافهما من اجل موقف ما .. هل بمنطق الدفاع عن حقوق الانسان اقف معهما ؟؟
انا يهمّني الشخص كتاريخ وكاجندا … اذا كان تاريخه فيه وعليه وخاصة اذا كانت اجندته لا تؤمن بالوطن ولا بالعباد _ ويانهار اللي يتطرّف بيك وبيّا ! … لن ولن ولن اناصره .. يجيب البعض وانا اواجههم بهذا المنطق اليوم هو: “وغدا انت” ..واردّ: اذا عملت وحصلت صحّة ليه اللي يشدّني …
اليس من المنطق ان نعود الى ابن حزم لنعرف كيف ومن نحبّ كيف ومع من نقف ..لكأنّ الموضة اليوم اصبحت ..انا مع كلّ من تطاله يد الايقاف حتى ولو كان شيطانا ! … الحرّية هي تماما كالحبّ كلّنا نسعد بوجودها في حياتنا بل ونسعى للنضال من اجلها بل فقط لمن يستحقّ الحرية والحبّ …
ومع المعذرة للكبير ابن حزم الحبّ في اوّله جدّ وفي آخره جدّ .. او لا يكون