ترعبنا حقا هذه الأنباء حول الأجيال الجديدة من التكنولوجيا … صحيح فيها الحافلات التي بلا سائق، والثلاجات التي تُفتح عن بُعد، والهواتف التي تدير مسكنا بحاله … وخاصة هذه الروبوتات التي تقترب أكثر ما يمكن من الإنسان شكلا ومضمونا، والصور والفيديوهات والأصوات التي يتمّ تركيبها فتلغي المسافات بين الأزمنة والأمكنة والشخوص وكل ما يمكن أن تطاله يد أو فكر أو خيال …
يرعبنا ذلك ليس لأننا من دعاة الرجعة إلى زمن مضى … حاشى … وليس لرغبة في احتلال زماننا وزمان الناس الجدد … حاشى … وليس لإرادة مستحيلة في وقف التطوّر، فلا شيء يوقف التطوّر … مردّ رهبتنا هي ما قاله أحد يمينيي أوروبا في معرض مناهضة امتلاك حاكم عربي لآسلحة نووية … قال العنصري الكريه إن ذلك شبيه بوضع مدفع رشّاش بين يدي راعي معيز … طبعا لعنّا القائل الذي لا شكّ يرفض أن نتساوى في القوّة مع عدوّنا في المنطقة … لا شكّ في ذلك ولكن أعجبني التعبير مجرّدا ووجدت أنه مع إخراجه عن سياقه ذاك، يمكن أن يصلح في سياقات أخرى …
ما يخيفنا دوما في التكنولوجيات الجديدة أنها حين تقع في قبضة أهل الكهف، تتحول إلى مصيبة … ولطالما جرّبنا نحن هنا في تونس وتمرّسنا بهذه الآفات حتى تركناها تقول أمات الموت أم ذُعر الذعر، بتعبير أبي الطيب …
خذ عندك مثلا الإعلامية، الأنفورماتيك، البيروتيك، النوميريك … أبو برطلّة اخترعها لتسهيل حياة الناس سواء كانوا مسدي خدمات أو مواطنين مستهلكين … فإذا موزعات الأوراق النقدية تعفي أعوان الشبابيك من شقاء فحص أوراق وتعمير مطبوعات وعرضها على إمضاء مسؤول أوّل وثان، ثمّ عدّ النقود والبحث عن صرف موجود أو مفقود، ومغادرة الخزينة لأقلّ بحث وغلق الباب بالمفتاح عند كل خرجة وإعادة فتحه عند كل دخلة … ثم إعداد وصل استلام يقدمه لك من تحت البلور لإمضائه ولا يكون عندك قلم فيعيرك ستيلوه … ويحدث أنك تنسى متاع الناس عندك وتذهب إلى دارك فيبقى المسكين يفتش عنه ساعة ولا يجده فيتدبر قلما جديدا … وحتى يخدم الناس مستقبلا دون أن يضطرّ لإنفاق نصف مرتبه على أدواتك المدرسية، يعمد إلى ربط ستيلو البيك بخيط … حتى في المرة القادمة إذا عاودت صنعتك يقول لك (أعني القلم) تنسى ما تتحدث …