تابعنا على

جلـ ... منار

السكــون قد يصبح ركــودا … أو موتا !

نشرت

في

النجاح ليس محطة تصل إليها، بل رحلة تستمر فيها…رحلة تنقلك من محطة إلى أخرى….في كل محطة تنظر في المرآة، فترى شخصا آخر، شخصا قد لا تعرفه من قبل… شخصا يسربله مزيد من الرضى، ويتطلع بشوق كي يشد الرحال باتجاه محطة أخرى!

وفاء سلطان
<strong>وفاء سلطان<strong>

يقول تشرشل:

To improve is to change, to be perfect is to change often

(كي تتحسن يجب أن تتغير مع الزمن، ولكي تصبح كاملا يجب أن تجعل من التغيير طريقة حياة)

الحياة مدرسة وأنت فيها طالب، ويجب أن تسمح لكل معلومة جديدة ـ سواء اتفقت معها أم لم تتفق ـ أن تحرك مستنقعك الفكري…نعم، مستنقعك الفكري! فلو توقف أغزر أنهار العالم عن الجريان وأغلق روافده، لتحول لاحقا إلى مستنقع نتن.إن لم تتفق مع الفكرة الجديدة ستساهم في تعزيز قناعاتك السابقة، وإن اتفقت معها ستساعدك على اكتساب قناعات جديدة، وفي كلا الحالتين تكون قد حرّكت دفقك الفكري!

عندما تحاكم الأفكار منطقيا وعقلانيا، وقبل أن ترفضها جذريا لمجرد أنها تعارضت مع قناعات سابقة، ستنساب بمرونة مع الدفق الكوني، سواء غيرت موقفك منها أم لم تغير!

المحاكاة العقلية تمنح العقل مرونته وتحميه من أن يتكس ويتصخر !

…………..

من عام 1900 وحتى عام 1967 كان السويسريون من أشهر صانعي الساعات في العالم…ليسوا من أشهرهم وحسب، بل أيضا من أكثرهم انتاجا للساعات…عام 1967 بدأت التكنولوجيا بانتاج الساعات الرقمية والمتطورة جدا…رفض السويسريون قبول التكنولوجيا الجديدة،وتمسكوا بمعلوماتهم القديمة التي ساهمت في شهرتهم لعقود…بينما، في الوقت نفسه، تبنّت شركة Seiko اليابانية الفكرة وانطلقت في رحاب عالم جديد من صناعة الساعات، لتتفوق لاحقا على الشركات السويسرية في جودتها وكمية انتاجها!

أفلست أكثر من 67 ألف شركة سويسرية، وقبل أن تُفلس باقي الشركات، انتبه السويسريون للموضوع، وتراجعوا عن موقفهم، فقبلوا أن يتبنوا التكنولوجيا الحديثة…بعد عقود من التخلف عن ركب اليابانين، عادت سويسرا لتتصدر مرّة أخرى موقع الصدارة من حيث الجودة وكميّة الإنتاج!

…………..

هناك فرق بين أن تكون ثابتا ومتماسكا وبين أن تكون صلبا وقاسيا.فالمزايا والأفعال التي جعلت منك ثابتا ومتماسكا، هي نفسها قد تساهم في أن تجعل منك صلبا وقاسيا، فيما لو أنك تمسكت بها ورفضت أن تعيد النظر في صلاحيتها للزمن الذي تعيش فيه، كما حصل مع السويسريين أنفسهم!

كن مرنا وليس رخوا…كن متماسكا وليس قاسيا…لا تستطيع أن تكون مستقرا إلا إذا كنت متحركا..الاستقرار لا يعني السكون، بل يعني أن تكون جزءا من دينامكية الكون، الذي لا يبقى هو نفسه من ومضة إلى ومضة

…………..

ما ينطبق على الأشخاص ينطبق على المجتمعات، فكل مجتمع هو مجموع أفراده. المجتمع ـ أي مجتمع ـ وفي بداياته يسعى لخلق مجموعة من النظم، القوانين، الأعراف، العادات، التقاليد، العقائد، الأفكار التي تحافظ على كيان المجتمع وتضمن استقراره. لكن، مع الزمن تصبح تلك النظم، القوانين….إلخ، تصبح أحجار عثرة في طريق المجتمع نحو المزيد من التقدم.

لذلك، يتطلب الأمر إعادة النظر فيها جميعها.لهذا السبب بالذات، فشلت كل الأديان في أن تساهم في خلق مجتمعات بشرية، ومن ثم تحافظ على ديمومة تلك المجتمعات.لأن القدسية التي أحاطت بها نفسها، قولبت المجتمعات بطريقة صخرية، ساهمت لاحقا في ركود المجتمع وانحداره،وفي النهاية موته.

يقول المحاضر والمفكر الأمريكيTony Robbins

Stay committed to your decisions, but stay flexible in your approach

(التزم بقرارتك، ولكن كن مرنا في الطرق التي تتبعها لتحقيق تلك القرارات)اتخذ السويسريون قرارا بأن يبقوا أسياد العالم، في ما يتعلق الأمر بصناعة الساعات.عندما تصلبت طريقتهم فشلوا، وعندما مارسوا مرونتهم نهضوا من جديد!

…………..

.منذ بداياتي في أمريكا وأنا مبهورة بالطريقة التي يجلس بها تلاميذ الابتدائية ويتحركون في صفوفهم. هم أحرار في خياراتهم أين يجلسون…كل تلميذ يختار المقعد الذي يريده، وأغلبهم يختار الجلوس على الأرض، فالأرض دائما مفروشة. لا يوجد مقعد أو مكان محدد للتلميذ، فهو كل يوم في مقعد آخر، مقعد من خياره.جرت دراسات كثيرة على هذا الموضوع، وخرجوا بنتائج مذهلة، نتائج برهنت على أن التلميذ يختار وبـ “اللاوعي” المكان الذي يساعده على استخدام ملكاته العقلية والتفكيرية بأحسن حال. لذلك، يجب على القائمين أن يكونوا مرنين عندما يتعلق الأمر باختيار التلاميذ لأماكن جلوسهم.

وجدوا أيضا أن تغيير المكان يجدد لدى التلميذ رغبته في التعليم والتحصيل، ليس هذا وحسب، بل أنه ومن خلال اختياره لمقعده يتعلم لاحقا كيف يصنع القرار حيال أية قضية أخرى تخصه.

عندما سئلت معلمة في مدرسة ابتدائية، عن أهمية أن يختار التلميذ المكان الذي يجلس فيه كل يوم، وبملء ارادته، قالت:

we want kids to really be strategic about where they go in life

.(غايتنا أن يتعلم هؤلاء الأطفال كيف يكونوا استراتجيين عندما يختارون طرقهم في الحياة…) تصوروا مجرد أن يُمنح التلميذ، وفي سنواته الأولى، حرية الجلوس والتنقل، يتعلم كيف يخطط لحياته يوما بعد يوم، بدلا من أن يعيشها عشوائيا يتخبط ولا يعرف ما الذي ستحمله اللحظة القادمة…

تعيدني عبارة هذه المعلمة ـ وبألم ـ إلى سنوات التعليم الابتدائي في حياتي. كانوا يفرضون علينا المقاعد حسب الطول، وبقوة العصا التي أكلت من خلايا أدمغتنا أكثر مما أكلت من جلودنا.

لحسن حظي وسوء حظ محمود ـ أحد التلاميذ ـ، كنت قصيرة جدا وكان بالنسبة لعمره طويلا جدا…كان محمود متخلفا دراسيا، وعندما أتذكر نظارتيه السميكتين، أعرف أن وراء تخلفه كان يكمن عدم قدرته على رؤية السبورة، فدوما كان يجلس في آخر مقعد!

لقد قولبتنا العصا حتى عندما يتعلق الأمر في اختيارنا لمقاعدنا…لذلك، لم يخرج منّا استراتيجي واحد!

…………..

كثيرة هي الدروب التي تؤدي إلى روما،لكن ليست كلها ممتعة وسالكة.

أسلكها وأمتعها ذلك الدرب الذي تختاره بمحض ارادتك، تقودك إليه حواسك، مواهبك، رغباتك، أحلامك، تجاربك، والأهم حدسك وبصيرتك.أما ذلك الدرب الذي يحفرونه بالصخر، وهو نفسه جيلا بعد جيل، ويجبرونك على طرقه، محددين لك مسافة الخطوة وعدد الخطوات، فسيقودك إلى حتفك، قبل أن يصل بك إلى روما.

…………..

.ضع في الحسبان، ليس مهما أن تصل إلى روما، بل أن تبدع وتستمتع بكل مدينة تعبرها وأنت في الطريق إليها…احتفظ بمرونتك كي تكون قادرا على أن تتفاعل مع المعطيات التي تفرضها كل محطة زمنية ومكانية، والتي تختلف عن سابقتها وستختلف أيضا عن لاحقتها.

والأهم، يجب أن تكون سيد الموقف عندما يتعلق الأمر بوضع استراتيجية الرحلة من أول خطوة تخطوها وحتى آخرها!……أما محمود الذي زجّوا به قسرا في المقعد الأخير،رغم ضعف بصره، ومن يومها تعركست رحلته،

فلو تقفينا آثاره، سنجده ـ حتما ـ قد ضل الطريق إلى روما،وانتهى به المطاف إلى تورا بورا…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

دفاعا عن ماجدة الرومي

ردّاً على مقال: حين يعلو الجهل ويخفت الإدراك الموسيقي

نشرت

في

جمال فياض

في زمن تتكاثر فيه الأقلام المتطفّلة على النقد الفني، وتختبئ وراء قناع “المحبة الصامتة” لتبثّ سمًّا باردًا في جسد الإبداع، يطلّ علينا مقالٌ “غير ودّي” عن حفل السيّدة ماجدة الرومي في “أعياد بيروت”، لا يحمل من الحسّ النقدي سوى مفردات طبية سطحية ومصطلحات صوتية غير واضحة أو مبررة ومبتورة السياق.

إن الحديث عن انتقال الصوت من طبقة الـ”Soprano Lyric” إلى “Mezzo-Soprano” أو حتى إلى “Alto” هو كلام صحيح علميًا من حيث التدرج الطبيعي لأي صوت بشري، لكنه يصبح مضللاً عندما يُطرح كأداة للطعن، لا كظاهرة بيولوجية طبيعية يعرفها كل دارس حقيقي لفسيولوجيا الصوت. فحتى مغنّيات الأوبرا العالميات ينتقلن تدريجيًا في طبقاتهن مع التقدم بالعمر، دون أن يُعتبر ذلك سقوطًا فنّيًا، بل نضجًا صوتيًا وإعادة تموضع ذكي للريپرتوار.

أما مصطلح “Tremolo” الذي استخدمته الكاتبة، (وليتها شرحت لنا نحن البسطاء اللي فهماتنا على قدنا معنى المصطلح الذي زودها به أحد المطرودين من حياة الماجدة) وهي استخدمته على عماها فأساءت فهمه على ما يبدو. فالـTremolo ليس عيبًا صوتيًا بالضرورة، بل أسلوب تعبير ديناميكي مقصود في الأداء، يُستخدم في الموسيقى الكلاسيكية والشرقية، ويُضفي بعدًا دراميًا على الجملة الغنائية، لا سيما في الأعمال العاطفية أو الإنسانية. لكنه يتحوّل إلى “اهتزاز غير إرادي” فقط في حالات مرضية مُثبتة طبيًا، وهو أمر لا ينطبق على الماجدة ولم تثبته أي جهة موثوقة في حالة السيدة ماجدة، بل استنتجته الكاتبة بإذن نقدية هاوية غير مؤهلة سريريًا أو أكاديميًا.وربما بأذن مستعارة ، من شخص ما !!

إن وصف الكورال بـ”العكّاز الصوتي” يعبّر عن جهل صارخ بوظيفة الكورال في الموسيقى الكلاسيكية والحديثة وكل الأغاني على حد سواء. الكورال ليس ترميمًا لعيوب، بل جزء أساسي من البنية الهارمونية، يعمل كدعامة جمالية وتعبيرية، سواء في موسيقى “باخ” أو أغاني فيروز أو إنتاجات اليوم الحديثة. حتى أم كلثوم ختمت حياتها الفنية بأغنية فيها كورال ومسجلة في الستوديو، وهي أغنية “حكم علينا الهوى”، فهل غرام بليغ حمدي بإضافة الكورال على أغلب ألحانه كان “عكازاً” لوردة وعبد الحليم وكل من لحّن لهم؟ استخدام الكورال لا يعني ضعفًا بل انسجامًا مع شكل موسيقي راقٍ يسمّى “الهارموني الكورالي”.

أما التلميح إلى أن السيدة ماجدة الرومي “تصارع للبقاء”، فذاك تعبير درامي هابط يتنافى مع اللياقات كما مع حقيقة ما رأيناه وسمعناه: فنانة قديرة تتحكّم بمسرحها، تدير الفرقة بوعي موسيقي عالٍ، تؤدّي بجملةٍ صوتية مدروسة تحترم مساحة صوتها الحالية، وتوظّف إمكانياتها التقنية بإحساس رفيع دون أن تفرّط بكرامتها الفنّية. ذلك يسمّى في لغة الموسيقى “interpretative maturity” أي النضج التعبيري، وليس انهيارًا كما يحاول البعض التسويق له بلغة “فيسبوكية” مستهلكة.

وأخيرًا، المقارنة بين ماجدة وصباح وفيروز مضلّلة وغير دقيقة. فكل صوت حالة مستقلّة، وكل مدرسة غنائية تُقاس بمعايير مختلفة. وإن كانت فيروز قد اختارت الابتعاد، في مرحلة ما بعد السبعين ،فذاك قرار شخصي لا يُفرض كنموذج على الأخريات. لأن أم كلثوم ظلّت تغني حتى العقد الثامن من عمرها، وهي راعت كما هو معروف طبقاتها الصوتية منذ بلغت الستين من عمرها. وهذا ما ما فات كاتبة المقال ذكره.

نحن لا نصفّق من دون وعي، بل نُصغي بفهم. وما سمعناه من ماجدة في “أعياد بيروت” كان صوتًا لا يزال يُغنّي بروح تُحسن استخدام تقنيات الـVibrato Controlled، وتعرف متى تُمسك بالجملة ومتى تُسلمها للمرافقة الموسيقية، دون أن تفقد شخصيتها الأدائية.

السكوت الذي دعا إليه كاتب المقال باسم “المحبّة”، هو صمت الجاهلين. أما المحبّة الحقيقية، فهي أن نعرف الفرق بين الهبوط الصوتي، وبين إعادة توزيع القدرات وتكييف الأداء بما يليق بمقام الفنّ النبيل…

بكل مودة الزمالة…

شكراً ، لمن كتب بالسرّ، ومن نشر في العلن

أكمل القراءة

جلـ ... منار

النصر والهزيمة في حرب الـ (12) يوما!

نشرت

في

عبد الله السنّاوي

كان مثيرا ولافتا أن طرفي الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي امتدت لـ(12) يوما، يعتبر نفسه منتصرا.

فور وقف إطلاق النار خرج الإيرانيون إلى شوارع وميادين طهران يحتفلون بالنصر، يرددون الهتافات، ويتعهدون بمواصلة القتال في جولات أخرى.

عبد الله السنّاوي

بذات التوقيت، سادت التغطيات الإعلامية والسياسية الإسرائيلية نزعة انتصارية إجماعية.

ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” كلمة أطلق عليها “خطاب النصر”.

من الذي انتصر حقا؟!

أسوأ إجابة ممكنة إصدار الأحكام بالأهواء، وتنحية الحقائق جانبا.

إنها جولة في صراع طويل وممتد، تليها جولات أخرى بعد وقت أو آخر.

القضية الفلسطينية جوهر ذلك الصراع.

لم تكن من أعمال المصادفات عودة الزخم مرة أخرى إلى ميادين القتال في غزة فور وقف إطلاق النار على الجبهة الإيرانية.

“حان وقت التركيز على غزة لإنهاء حكم حماس واستعادة الرهائن”.

كان ذلك تصريحا كاشفا للحقائق، أطلقه رئيس الأركان الإسرائيلي “إيال زامير” في ذروة دعايات النصر.

إنهما حرب واحدة.

هكذا بكل وضوح.

أكدت المقاومة الفلسطينية المعنى نفسه في عملية مركبة بخان يونس، أوقعت أعدادا كبيرة من القتلى والمصابين، وأثارت الفزع في صفوف الجيش الإسرائيلي.

لا يمكن إنكار مدى الضرر الفادح، الذي لحق بالمشروع النووي الإيراني، جراء استهدافه بغارات إسرائيلية وأمريكية مكثفة ومتتالية.

هذه حقيقة.. لكنه يستحيل تماما أي زعم إنها قوضته، أو أن أمره انقضى.

لم يتمالك الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، الذي انخرط بصورة مباشرة وغير مباشرة في الحرب على إيران، أعصابه فأخذ يكيل الشتائم المقزعة لمحطة “سي. إن. إن”، على خلفية تشكيكها في روايته.

“إنها حثالة”!

لم يكن لديه دليل قطعي أن العملية الأمريكية، التي استهدفت ثلاث منشآت نووية، “أصفهان” و”ناطنز” و”فوردو” الحصينة في أعماق الجبال، حققت أهدافها.

حسب تسريبات عديدة فإن السلطات الإيرانية نجحت في نقل اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزية من تلك المنشآت قبل قصفها بقاذفات (B2) إلى أماكن أخرى آمنة.

التسريبات شبه مؤكدة بالنظر إلى عدم حدوث تسرب إشعاعي، أو تلوث بيئي إثر تلك الضربات، التي استخدمت فيها قنابل عملاقة لأول مرة.

يصعب التسليم بـ”الإنجازات” الإسرائيلية في ضرب المشروع النووي الإيراني دون فحص وتأكيد.

بقدر آخر فإنها لم تحقق نجاحا يذكر في تقويض المشروع الصاروخي الباليستي، الذي أثبت قوته التدميرية ودرجة تقدمه، التي ألزمت الإسرائيليين البقاء في الملاجئ لفترات طويلة.

قبل وقف إطلاق النار مباشرة بدت الضربة الصاروخية في بئر السبع، تأكيدا أخيرا على درجة عالية من الفشل الإسرائيلي في إضعاف القدرات الإيرانية.

ثم تبدى الفشل فادحا في طلب إثارة الفوضى بأنحاء البلاد، تفضي تداعياتها إلى الإطاحة بنظام الحكم.

بحقائق الجغرافيا والتاريخ والحضارة، إيران ليست دولة صغيرة أو عابرة.

إنها مع مصر وتركيا الركائز الكبرى في حسابات الإقليم، مهما جرى لها، أو طرأ عليها من متغيرات سياسية.

بقوة إرثها التاريخي تحركت الوطنية الإيرانية لرفض الاستسلام بلا شروط لـ”السلام عبر القوة” حسب تعبير “ترامب”.

تحت الخطر الوجودي توحدت إرادتها العامة، بغض النظر عن أية تحفظات على نظام الحكم.

كان المواطن الإيراني البطل الأول في التصدي لتغول القوة الأمريكية والإسرائيلية.

أبدى الإيرانيون قدرة لافتة على الإحلال في مراكز القيادة والسيطرة تحت أسوأ الظروف، بعدما نال العدوان من قيادات عسكرية وعلمية ذات وزن ثقيل في الضربة الافتتاحية.

في حرب الـ(12) يوما تبدى شيء من التعادل الاستراتيجي، الطرفان المتحاربان تبادلا الضربات الموجعة.

فرضت السلطات الإسرائيلية تكتما مشددا على حجم الأضرار التي لحقت ببنيتها التحتية والعسكرية؛ جراء الضربات الإيرانية، حتى لا يفضي النشر إلى زعزعة ثقة مواطنيها في قدرة جيشهم على المواجهة.

فاقت الخسائر الباهظة أية طاقة على الإفصاح، لا عرفنا عدد القتلى والمصابين، ولا ما هي بالضبط المواقع الاستراتيجية، التي استهدفت، ومدى الضرر الذي لحقها.

المعلومات المدققة من متطلبات إصدار الأحكام.

بصورة عامة تقارب الحقيقة فإننا أمام حالة “لا نصر ولا هزيمة”، غير أن إسرائيل يمكن أن توظف مجريات الحرب لإثارة اليأس من كسب أي معركة ولو بالنقاط.

بدا المشهد الختامي ملغما بالتساؤلات الحرجة.

وجه الإيرانيون ضربة رمزية لقاعدة “العديد” الأمريكية، لتأكيد حقهم في الرد على العمل العسكري الأمريكي داخل أراضيهم ضد ثلاث منشآت نووية.

أُبلِغت مسبقا السلطات القطرية باستهداف القاعدة القريبة من العاصمة الدوحة خشية ردات فعل سلبية.

نُقِلت إلى الأمريكيين فحوى الرسالة الإيرانية.

كان ذلك عملا احترازيا، حتى لا تفلت الحسابات، في وقت توشك فيه الحرب على الانتهاء.

وصفت الضربة الإيرانية بـ”التمثيلية”.

الأقرب للحقيقة، إنه سوء تقدير فادح، لم يكن له لزوم، أو ضرورة، أربك البيئة العربية العامة المتعاطفة مع إيران، كما لم يحدث من قبل.

أثارت الضربة الرمزية شكوكا وظلالا لا داعي لها.

بقوة الحقائق كانت الحرب على وشك أن تنتهي.

الخارجية الإيرانية تشترط وقف الهجوم الإسرائيلي قبل العودة إلى المفاوضات مرة أخرى.

والحكومة الإسرائيلية تطلب وقفا فوريا لإطلاق النار، تحت ضغط الترويع، الذي ضرب مواطنيها، إذا ما وافقت طهران.

الجانبان المتحاربان يطلبان لأسباب مختلفة وقف إطلاق نار.

هكذا توافرت أمام “ترامب” فرصة للتخلص من عبء الحرب على شعبيته.

لم تكن إسرائيل مستعدة لأي اعتراف، بأنها لم تحقق أهدافها من الحرب، لكن الحقائق وحدها تتكلم.

أكمل القراءة

جلـ ... منار

السوق والنساء

نشرت

في

د. أحمد خالد توفيق

أعصاب المرأة قوية في أمور عديدة، لكن الموقف الذي يجمد الدم في عروق معظم الرجال ولا يجسرون على تصوره هو عملية الشراء …

لا أعتقد أن عنترة بن شداد الذي صارع الأسُود في الوديان المقفرة بيده العارية، كان يجسر على القيام بهذا النشاط الأنثوي المعتاد: الدخول إلى محل لمشاهدة كل شيء واستعراض كل شيء والسؤال عن كل شيء، بينما هو لا ينوي الشراء وجيبه خاو تماماً. رأيت الكثيرات يفعلن هذا العمل البطولي، بينما أعترف لك بأنني اشتريت أشياء كثيرة جدًا في حياتي لمجرد أنني خجلت من البائع.

يحكي أنيس منصور في كتاب (200 يوم حول العالم) أنه كان في سنغافورة يستمتع بمشاهدة التنسيق البديع في محل للخضراوات والفاكهة، هنا اقتنصه بائع .. ووجد أنيس نفسه يغادر المحل وهو يحمل ثياباً داخلية باعها له الرجل دون أن يطلبها منه، ولا يعرف سبب وجودها في محل للفاكهة!

كلما تقدمت السيدة في السن ازدادت ثبات أعصاب ولم تعد تشعر بالحرج على الإطلاق. عرفت سيدة من هذا الطراز تذهب لشراء شيء .. تعرف أن ثمنه مائة جنيه … أقول لها وأنا أهرع خارجاً من باب المتجر:

“ـ “انتهى الأمر .. هيا بنا ..فمهما خفضت السعر سيظل عالياً ..

لكنها تقف في ثبات وتنظر إليّ منذرة كي أصمت .. هذه معركتها وقد احتشد الأدرينالين في دمها حتى ليوشك على أن يسيل من أنفها.

تقول للبائع في ثبات:

ـ “عشرون جنيهاً!”

أُوشِكُ على الفرار لكنها تطبق على معصمي بقوة: اِنتظر ولا تكن رعديداً…

البائع يضحك في سخرية ويقسم بقبر أمه أن ثمن هذا الشيء 85 جنيهاً… مكسبه خمسة جنيهات لا أكثر … لكنها تبدو مصممة، وفي النهاية تقترح ثلاثين جنيهاً. ..

يدور الفصال المرهق الذي يستمر ساعات عدة… البائع يقسم بقبر أمه ألف مرة… صحيح أن السيدة المسنة الجالسة هناك هي أمه، لكنك تقبل هذا باعتباره من آليات التسويق..

في النهاية تظفر السيدة التي أرافقها بسعر لا يوصف… أربعون جنيهاً … لكنها غير راضية .. تشعر بحسرة لأن هذا يعني أنه كان بوسعها أن تصل لسعر أقل ..

أربعون جنيهاً … هذا نصر مؤزر ..

تخرج من حقيبتها عشرين جنيهاً وتؤكد:

ـ “ليس معي سوى هذه .. يمكنك أن تعوضها في المرة القادمة ..”

لكن البائع يكون قد بلغ درجة البله المغولي .. لا يعرف ما يقول ولا ما يشعر به. يريد الخلاص منها بأي ثمن لذا يوافق .. هنا تناوله المال وتطلب منه:

ـ “سأقترض منك خمسة جنيهات لأنك لم تترك لي نقوداً أعود بها لداري”

أمد يدي لجيبي لكنها تباغتني بنظرة مرعبة .. لا تفسد كل شيء علي .. يا لك من غبي ..

يناولها البائع خمسة جنيهات وهو زائغ العينين لا يعرف ما يدور من حوله، فلو طلبت منه مفاتيح بيته أو رقم حسابه في المصرف لأعطاها بكل سرور .. الحياة بالنسبة له تنقسم إلى ما قبل لقاء هذه السيدة وهو مرحلة سعيدة، وما بعد لقائها وهو جحيم ..

في النهاية نغادر المتجر حاملين الشيء الذي كان سعره مائة جنيه فصار خمسة عشر .. تقول لي في حسرة:

ـ”ربما لو بذلت مجهوداً أكبر لصار بعشرة جنيهات”

ـ “لو بذلت مجهوداً أكبر لأعطانا البائع مالاً أو أهدانا المتجر كله ليتخلص منا”

ـ “لا أحب أن يخدعني أحد”

ولأنها لا تحب أن يخدعها أحد فهي تحطم أعصاب الباعة وعقولهم في كل مكان. كما قلت لك تملك النساء أعصاباً أقوى من الرجال بكثير، ولا يمكن أن نحلم أن نكون مثلهن تحت أية ظروف..

أكمل القراءة

صن نار