تابعنا على

جلـ ... منار

السلبية والسلبيّون … احذروهم !

نشرت

في

سالي شابة في أول أربعيناتها…تطلقت من زوج ظالم، وخرجت من تلك العلاقة روحا معذبة ومضطربة.

وفاء سلطان
<strong>وفاء سلطان<strong>

عندما ألتقي بها أركّز على طبيعة حديثها فلا أجد فيه كلمه واحدة تنعش الروح.ـ الطقس حار، وأنا أكره الطقس الحار…ـ

سيارتي تحتاج إلى عجلات جديدة، وليس عندي وقت لأغيرها!ـ

أختي في سوريا مريضة وحالتها ميئوس منهاـ

مدير العمل ابن كلب، يكرهني وأخاف منه

جارتي أمريكية حقيرة بتغار مني

هل سمعتِ اليوم، الحرائق التهمت شمال كالفورنيا؟

وقس على ذلك.

اتصلتْ بي مؤخرا:

ـ وفاء، تعرفت في العمل على شاب أمريكي،ودعاني اليوم إلى العشاء!

ـ رائع، اذهبي واستمتعي بوقتك…من يدري؟ قد يكون ابن حلال وينسيك الماضي…ـ ـ

مافي رجل ابن حلال، وكما تعرفين حظي زفت…

………………

تعود للاتصال بعد الغداء:

ـ انقلع…ناقصني شراشيح…ههههه…فيني اجي اشرب فنجان قهوة معك؟

ـ تعالي

تدخل بيتي وفي يدها هدية ملفوفة بأوراق جميلة وشريطة أجمل، وفي اليد الأخرى باقة ورد زاهية…ـ

واااااو، هل هذه هداياه؟

تقلب عيناها، وتكشّر: اي، رح نشوف شو ها الهدية؟

تفتح العلبة الصغيرة وتُخرج منها زجاجة عطر، تمد يدها باتجاهي لتريني نوعها، فتسقط الزجاجة على الأرض وتصبح أكبر قطعة فيها بحجم حبة العدس..

أول مرة في حياتي أرى زجاجة عطر تنكسر، فعادة تكون مصنوعة من زجاج سميك ومقاوم..لقد اسقطتُ من يدي زجاجات العطر مرات كثيرة، ولم تنكسر أية منها

تشهق سالي:

ألم أقل لك حظي زفت؟؟

بعد حوالي ساعة، خلتها دهرا، همّتْ بالخروج، فتأبطت باقة الوردوغادرت…لم يمضِ أكثر من نصف ساعة حتى عاودت الاتصال:

ـ وفاء، نسيت عندك باقة الورد!

ـ لا لقد أخذتِها معك..ـ

ـ ولكنني لم أعثر عليها في السيارة!

خرجتُ إلى الحديقة الأمامية ورحتُ أجول ببصري في أرجائها،وإذ بي أرى باقة الورد على إحدى الصخرات جنب المكان الذي كانت قد ركنت عنده السيارة.ـ

ـ سالي، الباقة هنا على إحدى الصخرات، ارجعي!

ـ لا….بالناقص منو ومن وردو، سأسوق ساعة اخرى من أجل الباقة؟؟

لمدة أكثر من اسبوع ورائحة العطر تملأ بيتي ومنظر باقة الورد يضفي على المكان رونقا آخر…ألم أقل لكم بأن الطاقة تشد مثيلتها وتنبذ مادون ذلك؟؟؟

………………

لم اشعر يوما بالارتياح للحديث مع سالي، وأشعر دائما أنها تتأجج طاقة سلبية.

حاولت مرارا أن أشد انتباهها إلى الأشياء الجميلة في الحياة، وما أكثرها!

أذكر مرّة وخلال إحدى دردشاتنا حول فنجان قهوة قلت لها: انظري إلى هذا الصقر الذي يحوم فوق بيتي،كم أعشق عنفوانه!

فردت: هل نسيتِ أنه أكل لك قطتين؟ (فالج لا تعالج !)!!!

………………

.اتصلت بي مؤخرا…تناولتُ سماعة الهاتف، واستمررت في غسل الصحون وأنا أراقب المدى البعيد والجميل الذي يمتد وراء نافذة مطبخي.

ـ هالووووـ مرحبا وفاء

ـ هلااااااااا سالي، كيفك حبيبتي؟

ـ خير يارب، صوتك يدل على أنك مريضة؟

لم تكد تنهي عبارتها حتى لمحني كلبي ماتشو من وراء زجاج النافذة، فانقض بطريقة عدوانية غريبة وعلى غير عادته، وحاول أن يخبط بيديه الأماميتين على زجاج النافذة.كانت هناك على حافة النافذة الخارجية مزهرية جميلة جدا، ومن الوزن الثقيل، تلقيتها كهدية، ومن شدة اعجابي بها وضعتها في ذلك المكان كي استمتع برؤيتها كلما مارست هواية غسل الصحون.

وقعت المزهرية وسمعت صوت ارتطامها بالأرض وتناثرها.لم يكن تحطمها هو الحدث الوحيد الذي كان من المفروض أن يثير غضبي،لكنها سقطت فوق اصيص من الزهر موجود على الأرض تحت النافذة. الاصيص يحوي شجيرة، هي من أحب نباتاتي وأقربها إلى قلبي.هي شجيرة يقال ان اصلها من البلدان الاستوائية، ولكن لسبب ما انتعشت في حديقتي.

وقعت المزهرية فوق الشجيرة، وقطعت ساقها من مستوى التربة، ثم ارتطمت بالارض.

عندما لمحت الشجيرة المقطوعة تخللني تيار من طاقة سلبية، شعرت أنه موصول بسالي بشكل أو بآخر!

كان عليّ أن أقطع هذا التيار أولا وقبل أن أنظف آثار “الجريمة”اعتذرت منها وأعدت سماعة الهاتف إلى مكانها!

………………

سالي ليست انسانة بسيطة، فهي حاملة ماجستر في Computer graphic design ولديها وظيفة جيدة جدا ودخل يفي ويكفي، وتملك بيتا، ولكن؟؟

هل يُعقل أن تتصل بصديق بعد غياب أكثر من شهر لتدردش معه، وأول عبارة تقولها: صوتك يدل على أنك مريض؟؟وخصوصا عندما يكون صوته طبيعيا، بل وفرحا في نبرته التي تشد إليه كل الطاقات الإيجابية في الكون…

من يفعل ذلك ليس إنسانا طبيعيا!

لا تقل: إنه تصرف عفوي، وقد لا يحمل أية خلفية!

بل هو تصرف مقصود ويحمل دلالاته، سواء في ساحة الوعي أو في اللاوعي عند صاحبه.الإنسان الساخط، وسالي صورة عنه،

يشعر بالارتياح عندما يساهم في استفزاز شخص آخر،

ويشعر بالارتياح عندما يقابل شخصا تعيسا

ويشعر بالارتياح عندما يلتقي بشخص سعيد، فيحاول أن يسقط عليه مشاعره، أملا في أن يلعب دورا في تغيير مزاجه نحو الأسوأ.

طبعا مشاعر الارتياح تلك هي مشاعر وهميّة وليست حقيقية، ولذلك لا تدوم طويلا،فالالتقاء بانسان ساخط، أو المساهمة في إثارة سخط انسان آخر، سيزيده سخطا، لأن الطاقة تجذب (ربّما خلسة) مثيلتها!

………………

أثبتت الدراسات والتجارب في علم النفس أن المشاعر تنتقل بالعدوى

، وإن الناس الكئيبين ـ وهم بالمطلق ساخطون ـ يُصيبون غيرهم بالكآبة.

لم ترتقِ علاقتي بسالي يوما إلى مستوى الصداقة، لأنه لا يمكن أن تصادق إنسانا مالم تملكا نفس مستوى الطاقة ونفس نوعيتها، فالبشر ـ كما الطيور ـ على أشكالها “الطاقوية” تقع!

بعد أن أوشكت سالي على استنزافي، اكتشفت أن العامل الوحيد الذي فرض عليّ تلك العلاقة كل هذا الوقت، هو شفقتي عليها.ولقد قيل: أكثر من يحتاج إلى الشفقة هم الذين لا يستحقونها!

أما أنا فأضيف: وأكثر من يستحق شفقتك هو نفسك، إذ عليك أن تحافظ على توازنك النفسي كي تبقى جاهزا دوما لتمد يد المساعدة

………………

التعامل مع هذا النوع من البشر يساهم في اختلال توازنك، ويشفط آخر ذرة طاقة منك، حتى لاحقا يسلبك سكينتك.

لهذه الأسباب مجتمعة، اسقطت سالي من حياتي، وأريدك أن تسقط كل شخص ـ على شاكلة سالي ـ من حياتك!

………………

من الجميل أن تشفق، ومن الأجمل أن تجسد شفقتك عطاء.لكن ليس من العقلانية بمكان أن يكون عطاءؤك على حساب أعصابك، وعلى حساب مزاجك، وعلى حساب سكينتك!

أول ثمرة العطاء الصحيح هو إحساسك بالراحة، ذلك الإحساس الذي يعزز رضاك عن نفسك، وبالتالي يرسخ مستوى سكينتك!

أما أن تضخ طاقتك في قربة مثقوبة، فهذا تصرف أحمق لن يملئالقربة، وسيستنزفك روحانيا وعاطفيا!

………………

لا أكره سالي رغم سلبيتها القاتلة، لا أكرهها لسبب بسيط، ألا وهو أنني أحب نفسي، ولنفس السبب اسقطتها من حسابي.

حرر نفسك من سلبياتها، وتجنب الناس الذين ـ كالضفادع ـ لا يجيدون إلا النق،

فالطاقة السلبية تقف حائلا بينك وبين المنبع الكوني، وعندما تفعل ذلك يصبح الشحّ طريقة حياة!

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

لروحك السلام يا آخر العباقرة

نشرت

في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

غادة السمّان:

ماذا يقال في رحيلك وقد قلتَ كلّ شيء.

يخجل القلب من نعيك، ويضيق الحرف برثائك، تفيض المشاعر حزناً وصدمة إنّما لا يتّسع الفضاء الالكتروني لترجمتها.. تربّطت أصابعي عن النقر على لوحة الحروف واحترقت دموعي غزارة في المُقل.

غبت أيّها المتمرّد الأوّل يا من نفضت الغبار عن فكرنا لنستنير وبقينا جهالاً!

هذا المقال أوائل البدايات في الصحافة كتبته في 2018 وكان من أجمل ما كتبت لأجمل من عنه كتبت

تأثّرت بك وانتظرت عودتك لأعاصر شيئاً من فنّك الأسطوري.

كان مقالي حلماً جميلاً لكنّك رحلت دونما وداع كما أعزّ أحبّائي.

ثقُل كأس الموت يا تمّوز، حرقته لاذعة ترفض التروّي فمهلاً على المواجع

شخصٌ بمثابة الحلم تتمنّى إدراك حقيقته و سبر عمق أغواره، إلّا أنّك إن نلت شيئاً عنه تجد أنّك لا زلتَ على البرّ المربِك، الأكثر حيرةً.

لطالما تمنيّتُ أن أفهم من هو؟وكيف يُفكّر؟ ومن أين يأتِ لنا بكلّ تلك الحقائق الصادمة؟ السّاخرة والآخذة.

لِمَ هو بهذا التعقيد وتلك السلاسة في وقتٍ واحد؟!

كلّما صعُبَ عليك فهمه هان، و كلّما هانت كلماته استصعبت.

ذلك السّهلُ الممتنع ممتلئٌ بالشغف وكثير البرود، أستمعُ إلى حواراته القليلة جدّاً فأتمنّى أن أجد لتساؤلاتي أجوبة..

‎ زياد الرّحباني اعترافات مشاكسة عمّا يجول في خاطره، يفاجِئُكَ ببساطة مفرداته وصعوبة تقبّلها في آن، حين يقول ” أنا مائة ألف شخصيّة فايتين ببعض” ويذهلك بحقيقةٍ أمرّ.

‎مضيفاً “بعد 5 دقائق من ولادتك رح يقرّروا دينك، جنسيتك، مذهبك، طائفتك، ورح تقضّي عمرك عم تدافع بغباء عن إشيا ما اخترتا”!! حتّى أنّه علّق وانتقد تغيير التوقيت حيث قال ساخراً:

‎” كل سنة بتقدموا السّاعة وبترجعوا لورا 10 سنين”.

هل هو بهذه العبقريّة التي يبدو عليها أم نحن بتنا جهالاً، لكثرة ما خذلتنا المعرفة في هذا الوطن الكئيب.

لماذا لا نرى ما يراه و نفقه ما يقوله، ونفكّر ولو قليلاً بنهجٍ يماثله؟!!

ليس زياد الرّحباني ذلك الموهوب، المؤلّف المسرحيّ أو الكاتب والملّحن الموسيقيّ فقط.

بعيداً وباستحقاقٍ جدير بالاعتراف يرتقي إلى مكانة المفكّر العبقريّ، والناقد الأشدّ لذعاً بمختلف ميادين الحياة.

هو مَن لا تفوته فائتة في السياسة والأدب والفن والموسيقى والمجتمع ودائماً ما يُفصّلُ اعتراضات واتّهامات للجميع دون استثناء..

إنّه المشاكس الحذر، الصامت طويلاً ولكن إن حكى، أبكى التخلّف وأحبط مفاعيل الجهل، وصبَّ لينَ الزّيت على أفواه النار.

من هنا فإنّ المسرح اللّبناني في غياب زياد ناقصٌ وعند مستوى خطِّ الفقر!!

إلّا أنّه يغيب فجأةً وينقطع عن محبّيه عمراً. ليمنَّ علينا مؤخراً بعودةٍ خجولة أطلق فيها الوعد بالبقاء.

وها نحن هنا بعد سنوات من القطيعة المجحفة تلك، لا نُريدُ رحبانيّات متفرّقة، بل تتملّكنا رغبةٌ جامحة بلوحةٍ عنوانها فيروز وزياد الرحبّاني يغنيّان معاً، ويكسران كبرياء أفقٍ مثقّلٍ بانحطاط موسيقيّ!

ها هو المجنون العبقريُّ يحطّم صومعته ويُلقي علينا بسحر التراتيل.. بذكاءٍ فطري يضبطُ التوقيت الذي يراه مناسباً. مهما انتظرنا يبدو العناء مستحقّاً أمام جنون العظمة.

حين تدرك أنّ وحدَها النّسور من تغرّد خارج السّرب، وحين تقرّر تعود إلى أحضان فيروزها لتصبح الأغنية صلاة..

أكمل القراءة

جلـ ... منار

دفاعا عن ماجدة الرومي

ردّاً على مقال: حين يعلو الجهل ويخفت الإدراك الموسيقي

نشرت

في

جمال فياض

في زمن تتكاثر فيه الأقلام المتطفّلة على النقد الفني، وتختبئ وراء قناع “المحبة الصامتة” لتبثّ سمًّا باردًا في جسد الإبداع، يطلّ علينا مقالٌ “غير ودّي” عن حفل السيّدة ماجدة الرومي في “أعياد بيروت”، لا يحمل من الحسّ النقدي سوى مفردات طبية سطحية ومصطلحات صوتية غير واضحة أو مبررة ومبتورة السياق.

إن الحديث عن انتقال الصوت من طبقة الـ”Soprano Lyric” إلى “Mezzo-Soprano” أو حتى إلى “Alto” هو كلام صحيح علميًا من حيث التدرج الطبيعي لأي صوت بشري، لكنه يصبح مضللاً عندما يُطرح كأداة للطعن، لا كظاهرة بيولوجية طبيعية يعرفها كل دارس حقيقي لفسيولوجيا الصوت. فحتى مغنّيات الأوبرا العالميات ينتقلن تدريجيًا في طبقاتهن مع التقدم بالعمر، دون أن يُعتبر ذلك سقوطًا فنّيًا، بل نضجًا صوتيًا وإعادة تموضع ذكي للريپرتوار.

أما مصطلح “Tremolo” الذي استخدمته الكاتبة، (وليتها شرحت لنا نحن البسطاء اللي فهماتنا على قدنا معنى المصطلح الذي زودها به أحد المطرودين من حياة الماجدة) وهي استخدمته على عماها فأساءت فهمه على ما يبدو. فالـTremolo ليس عيبًا صوتيًا بالضرورة، بل أسلوب تعبير ديناميكي مقصود في الأداء، يُستخدم في الموسيقى الكلاسيكية والشرقية، ويُضفي بعدًا دراميًا على الجملة الغنائية، لا سيما في الأعمال العاطفية أو الإنسانية. لكنه يتحوّل إلى “اهتزاز غير إرادي” فقط في حالات مرضية مُثبتة طبيًا، وهو أمر لا ينطبق على الماجدة ولم تثبته أي جهة موثوقة في حالة السيدة ماجدة، بل استنتجته الكاتبة بإذن نقدية هاوية غير مؤهلة سريريًا أو أكاديميًا.وربما بأذن مستعارة ، من شخص ما !!

إن وصف الكورال بـ”العكّاز الصوتي” يعبّر عن جهل صارخ بوظيفة الكورال في الموسيقى الكلاسيكية والحديثة وكل الأغاني على حد سواء. الكورال ليس ترميمًا لعيوب، بل جزء أساسي من البنية الهارمونية، يعمل كدعامة جمالية وتعبيرية، سواء في موسيقى “باخ” أو أغاني فيروز أو إنتاجات اليوم الحديثة. حتى أم كلثوم ختمت حياتها الفنية بأغنية فيها كورال ومسجلة في الستوديو، وهي أغنية “حكم علينا الهوى”، فهل غرام بليغ حمدي بإضافة الكورال على أغلب ألحانه كان “عكازاً” لوردة وعبد الحليم وكل من لحّن لهم؟ استخدام الكورال لا يعني ضعفًا بل انسجامًا مع شكل موسيقي راقٍ يسمّى “الهارموني الكورالي”.

أما التلميح إلى أن السيدة ماجدة الرومي “تصارع للبقاء”، فذاك تعبير درامي هابط يتنافى مع اللياقات كما مع حقيقة ما رأيناه وسمعناه: فنانة قديرة تتحكّم بمسرحها، تدير الفرقة بوعي موسيقي عالٍ، تؤدّي بجملةٍ صوتية مدروسة تحترم مساحة صوتها الحالية، وتوظّف إمكانياتها التقنية بإحساس رفيع دون أن تفرّط بكرامتها الفنّية. ذلك يسمّى في لغة الموسيقى “interpretative maturity” أي النضج التعبيري، وليس انهيارًا كما يحاول البعض التسويق له بلغة “فيسبوكية” مستهلكة.

وأخيرًا، المقارنة بين ماجدة وصباح وفيروز مضلّلة وغير دقيقة. فكل صوت حالة مستقلّة، وكل مدرسة غنائية تُقاس بمعايير مختلفة. وإن كانت فيروز قد اختارت الابتعاد، في مرحلة ما بعد السبعين ،فذاك قرار شخصي لا يُفرض كنموذج على الأخريات. لأن أم كلثوم ظلّت تغني حتى العقد الثامن من عمرها، وهي راعت كما هو معروف طبقاتها الصوتية منذ بلغت الستين من عمرها. وهذا ما ما فات كاتبة المقال ذكره.

نحن لا نصفّق من دون وعي، بل نُصغي بفهم. وما سمعناه من ماجدة في “أعياد بيروت” كان صوتًا لا يزال يُغنّي بروح تُحسن استخدام تقنيات الـVibrato Controlled، وتعرف متى تُمسك بالجملة ومتى تُسلمها للمرافقة الموسيقية، دون أن تفقد شخصيتها الأدائية.

السكوت الذي دعا إليه كاتب المقال باسم “المحبّة”، هو صمت الجاهلين. أما المحبّة الحقيقية، فهي أن نعرف الفرق بين الهبوط الصوتي، وبين إعادة توزيع القدرات وتكييف الأداء بما يليق بمقام الفنّ النبيل…

بكل مودة الزمالة…

شكراً ، لمن كتب بالسرّ، ومن نشر في العلن

أكمل القراءة

جلـ ... منار

النصر والهزيمة في حرب الـ (12) يوما!

نشرت

في

عبد الله السنّاوي

كان مثيرا ولافتا أن طرفي الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي امتدت لـ(12) يوما، يعتبر نفسه منتصرا.

فور وقف إطلاق النار خرج الإيرانيون إلى شوارع وميادين طهران يحتفلون بالنصر، يرددون الهتافات، ويتعهدون بمواصلة القتال في جولات أخرى.

عبد الله السنّاوي

بذات التوقيت، سادت التغطيات الإعلامية والسياسية الإسرائيلية نزعة انتصارية إجماعية.

ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” كلمة أطلق عليها “خطاب النصر”.

من الذي انتصر حقا؟!

أسوأ إجابة ممكنة إصدار الأحكام بالأهواء، وتنحية الحقائق جانبا.

إنها جولة في صراع طويل وممتد، تليها جولات أخرى بعد وقت أو آخر.

القضية الفلسطينية جوهر ذلك الصراع.

لم تكن من أعمال المصادفات عودة الزخم مرة أخرى إلى ميادين القتال في غزة فور وقف إطلاق النار على الجبهة الإيرانية.

“حان وقت التركيز على غزة لإنهاء حكم حماس واستعادة الرهائن”.

كان ذلك تصريحا كاشفا للحقائق، أطلقه رئيس الأركان الإسرائيلي “إيال زامير” في ذروة دعايات النصر.

إنهما حرب واحدة.

هكذا بكل وضوح.

أكدت المقاومة الفلسطينية المعنى نفسه في عملية مركبة بخان يونس، أوقعت أعدادا كبيرة من القتلى والمصابين، وأثارت الفزع في صفوف الجيش الإسرائيلي.

لا يمكن إنكار مدى الضرر الفادح، الذي لحق بالمشروع النووي الإيراني، جراء استهدافه بغارات إسرائيلية وأمريكية مكثفة ومتتالية.

هذه حقيقة.. لكنه يستحيل تماما أي زعم إنها قوضته، أو أن أمره انقضى.

لم يتمالك الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، الذي انخرط بصورة مباشرة وغير مباشرة في الحرب على إيران، أعصابه فأخذ يكيل الشتائم المقزعة لمحطة “سي. إن. إن”، على خلفية تشكيكها في روايته.

“إنها حثالة”!

لم يكن لديه دليل قطعي أن العملية الأمريكية، التي استهدفت ثلاث منشآت نووية، “أصفهان” و”ناطنز” و”فوردو” الحصينة في أعماق الجبال، حققت أهدافها.

حسب تسريبات عديدة فإن السلطات الإيرانية نجحت في نقل اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزية من تلك المنشآت قبل قصفها بقاذفات (B2) إلى أماكن أخرى آمنة.

التسريبات شبه مؤكدة بالنظر إلى عدم حدوث تسرب إشعاعي، أو تلوث بيئي إثر تلك الضربات، التي استخدمت فيها قنابل عملاقة لأول مرة.

يصعب التسليم بـ”الإنجازات” الإسرائيلية في ضرب المشروع النووي الإيراني دون فحص وتأكيد.

بقدر آخر فإنها لم تحقق نجاحا يذكر في تقويض المشروع الصاروخي الباليستي، الذي أثبت قوته التدميرية ودرجة تقدمه، التي ألزمت الإسرائيليين البقاء في الملاجئ لفترات طويلة.

قبل وقف إطلاق النار مباشرة بدت الضربة الصاروخية في بئر السبع، تأكيدا أخيرا على درجة عالية من الفشل الإسرائيلي في إضعاف القدرات الإيرانية.

ثم تبدى الفشل فادحا في طلب إثارة الفوضى بأنحاء البلاد، تفضي تداعياتها إلى الإطاحة بنظام الحكم.

بحقائق الجغرافيا والتاريخ والحضارة، إيران ليست دولة صغيرة أو عابرة.

إنها مع مصر وتركيا الركائز الكبرى في حسابات الإقليم، مهما جرى لها، أو طرأ عليها من متغيرات سياسية.

بقوة إرثها التاريخي تحركت الوطنية الإيرانية لرفض الاستسلام بلا شروط لـ”السلام عبر القوة” حسب تعبير “ترامب”.

تحت الخطر الوجودي توحدت إرادتها العامة، بغض النظر عن أية تحفظات على نظام الحكم.

كان المواطن الإيراني البطل الأول في التصدي لتغول القوة الأمريكية والإسرائيلية.

أبدى الإيرانيون قدرة لافتة على الإحلال في مراكز القيادة والسيطرة تحت أسوأ الظروف، بعدما نال العدوان من قيادات عسكرية وعلمية ذات وزن ثقيل في الضربة الافتتاحية.

في حرب الـ(12) يوما تبدى شيء من التعادل الاستراتيجي، الطرفان المتحاربان تبادلا الضربات الموجعة.

فرضت السلطات الإسرائيلية تكتما مشددا على حجم الأضرار التي لحقت ببنيتها التحتية والعسكرية؛ جراء الضربات الإيرانية، حتى لا يفضي النشر إلى زعزعة ثقة مواطنيها في قدرة جيشهم على المواجهة.

فاقت الخسائر الباهظة أية طاقة على الإفصاح، لا عرفنا عدد القتلى والمصابين، ولا ما هي بالضبط المواقع الاستراتيجية، التي استهدفت، ومدى الضرر الذي لحقها.

المعلومات المدققة من متطلبات إصدار الأحكام.

بصورة عامة تقارب الحقيقة فإننا أمام حالة “لا نصر ولا هزيمة”، غير أن إسرائيل يمكن أن توظف مجريات الحرب لإثارة اليأس من كسب أي معركة ولو بالنقاط.

بدا المشهد الختامي ملغما بالتساؤلات الحرجة.

وجه الإيرانيون ضربة رمزية لقاعدة “العديد” الأمريكية، لتأكيد حقهم في الرد على العمل العسكري الأمريكي داخل أراضيهم ضد ثلاث منشآت نووية.

أُبلِغت مسبقا السلطات القطرية باستهداف القاعدة القريبة من العاصمة الدوحة خشية ردات فعل سلبية.

نُقِلت إلى الأمريكيين فحوى الرسالة الإيرانية.

كان ذلك عملا احترازيا، حتى لا تفلت الحسابات، في وقت توشك فيه الحرب على الانتهاء.

وصفت الضربة الإيرانية بـ”التمثيلية”.

الأقرب للحقيقة، إنه سوء تقدير فادح، لم يكن له لزوم، أو ضرورة، أربك البيئة العربية العامة المتعاطفة مع إيران، كما لم يحدث من قبل.

أثارت الضربة الرمزية شكوكا وظلالا لا داعي لها.

بقوة الحقائق كانت الحرب على وشك أن تنتهي.

الخارجية الإيرانية تشترط وقف الهجوم الإسرائيلي قبل العودة إلى المفاوضات مرة أخرى.

والحكومة الإسرائيلية تطلب وقفا فوريا لإطلاق النار، تحت ضغط الترويع، الذي ضرب مواطنيها، إذا ما وافقت طهران.

الجانبان المتحاربان يطلبان لأسباب مختلفة وقف إطلاق نار.

هكذا توافرت أمام “ترامب” فرصة للتخلص من عبء الحرب على شعبيته.

لم تكن إسرائيل مستعدة لأي اعتراف، بأنها لم تحقق أهدافها من الحرب، لكن الحقائق وحدها تتكلم.

أكمل القراءة

صن نار