تابعنا على

شعريار

الشاعر والملك الجائر

نشرت

في

إيليا أبو ماضي:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أَمَرَ السُلطانُ بِالشاعِرِ يَومًا فَأَتاهُ
في كِساءٍ حائِلِ الصُبغَةِ واهٍ جانِباهُ

وَحِذاءٍ أَوشَكَت تَفلَتُ مِنهُ قَدَماهُ
قالَ صِف جاهي فَفي وَصفِكَ لي لِلشِعرِ جاهُ

إِنَّ لِيَ القَصرُ الَّذي لا تَبلُغُ الطيرُ ذُراهُ
وَلِيَ الرَوضُ الَّذي يَعبَقُ بِالمِسكِ ثَراهُ

وَلِيَ الجَيشُ الَّذي تَرشُحُ بِالموْتِ ظِباهُ
وَلِيَ الغاباتُ وَالشُمُّ الرَواسي وَالمِياهُ

وَلِيَ الناسُ وَبُؤسُ الناسِ مِنّي وَالرَفاهُ
إِنَّ هَذا الكَونَ مُلكي أَنا في الكَونِ إِلَهُ

……..

ضَحِكَ الشاعِرُ مِمّا سَمِعَتهُ أُذُناهُ
وَتَمَنّى أَن يُداجي فَعَصَتهُ شَفَتاهُ

قالَ إِنّي لا أَرى الأَمرَ كَما أَنتَ تَراهُ
إِنَّ مُلكِيَ قَد طوى مُلكَكَ عَنِّيَ وَمَحاهُ

القَصرُ يُنبِئُ عَن مَهارَةِ شاعِرٍ
لَبِقٍ وَيُخبِرُ بَعدَهُ عَنكا

هُوَ لِلأُلى يَدرونَ كُنهَ جَمالِهِ
فَإِذا مَضَوا فَكَأَنَهُ دُكّا

سَتَزولُ أَنتَ وَلا يَزولُ جَلالُهُ
كَالفُلكِ تبقى، إِن خَلَت، فُلكا

وَالرَوضُ؟ إِنَّ الرَوضَ صنعة شاعِرٍ
سَمحٍ طروبٍ رائِقٍ جَذْلِ

وَشّى حَواشِيَهُ وَزَيَّنَ أَرضَهُ
بِرَوائِعِ الأَلوانِ وَالظِلِّ

لِفراشَةٍ تَحيا لَهُ وَلِنَحلَةٍ
تَحيا بِهِ وَلِشاعِرٍ مِثلي

وَلِديمَةٍ تَذري عَلَيهِ دُموعَها
كَيما تَقيهِ غَوائِلَ المَحْلِ

فَإِذا مضى زَمَنُ الرَبيعِ أَضَعتَهُ
وَأَقامَ في قَلبي وَفي عَقلي

وَلِبُلبُلٍ غَرِدٍ يُساجِلُ بُلبُلاً
غَردًا، وَلِلنَسَماتِ والطلّ

وَالجَيشُ مَعقودٌ لِواؤكَ فَوقَهُ
ما دُمتَ تَكسوهُ وَتُطعِمُهُ

لِلخُبزِ طاعتُهُ وَحُسنُ وَلائِهِ
هُوَ “لاتُهُ” الكُبرى وَ”بَرهَمُهُ”

فَإِذا يَجوعُ بِظِلِّ عرشِكَ لَيلَةً
فَهُوَ الَّذي بِيَدَيهِ يَحطِِمُهُ

لَكَ مِنهُ أَسيُفُهُ وَلَكِن في غَدٍ
لِسِواكَ أَسيُفُهُ وَأَسهُمُهُ

أَتُراهُ سارَ إِلى الوَغى مُتَهَلِّلاً
لَولا الَّذي الشُعَراءُ تَنظِمُهُ

وَإِذا تَرَنَّمَ هَل بِغَيرِ قَصيدَةٍ
مِن شاعِرٍ مِثلي تَرَنُّمُهُ

وَالبَحرُ قَد ظَفِرَت يَداكَ بِدُرِّهِ
وَحَصاهُ لَكِن هَل مَلَكتَ هَديرهُ

هُوَ لِلدُجى يُلقي عَلَيهِ خُشوعَهُ
وَالصُبحُ يَسكُبُ، وَهوَ يَضحَكُ، نورُهُ

أَمَرَجتَ أَنتَ مِياهَهُ، أَصَبَغتَ أَنت رِمالَهُ
أَجَبَلتَ أَنتَ صُخورَهُ

هُوَ لِلرِياحِ تَهُزُّهُ وَتُثيرُهُ
وَالشُهبُ تَسمَعُ في الظَلامِ زَئيرَهُ

لِلطيْرِ هائِمَةً بِهِ مَفتونَةً
لا لِلَّذين يُرَوِّعونَ طُيورَهُ

لِلشاعِرِ المَفتونِ يُخلَقُ لاهِيًا
مِن مَوجِهِ حورًا وَيَعشَقُ حورَهُ

وَلِمَن يُشاهِدُ فيهِ رمزَ كَيانِهِ
وَلِمَن يُجيدُ لِغَيرِهِ تَصويرَهُ

يا مَن يَصيدُ الدُرَّ مِن أَعماقِهِ
أَخَذتْ يَداكَ مِنَ الجليلِ حَقيرَهُ

لا تَدَّعيهِ فَلَيسَ يُملَكُ إِنَّهُ
كَالرَوضِ جَهدُكَ أَن تَشِمَّ عَبيرَهُ

وَمَرَرتُ بِالجَبَلِ الأَشَمِّ فَما زَوى
عَنّي مَحاسِنَهُ وَلَستُ أَميرا

وَمَرَرتَ أَنتَ فَما رَأَيتَ صُخورَهُ
ضَحِكَت وَلا رَقَصَت لَدَيكَ حُبورا

وَلَقَد نَقَلتُ لِنَملِهِ ما تَدَّعي
فَتَعَجَّبَت مِمّا حَكَيتَ كَثيرا

قالَت صَديقُكَ ما يَكونُ أَقَشعَمًا
أَم أَرقَمًا أَم ضَيغَمًا هَيصورا

أَيَحوكُ مِثلَ العَنكَبوتِ بُيوتَهُ
حَوكًا وَيَبني كَالنُسورِ وُكورا

هَل يَملأ الأَغوارَ تِبرًا كَالضُحى
وَيَرُدُّ كَالغَيثِ المَواتَ نَضيرا

أَيَلُفُّ كَاللَيلِ الأَباطِحِ وَالرُبى
وَالمَنزِلَ المَعمور وَالمهجورا

فَأَجَبتُها كَلاّ فَقالَت سَمِّهِ
في غَيرِ خَوفٍ، كائِنًا مَغرورا

…….

فَاِحتَدَمَ السُلطانُ أَيَّ اِحتِدام
وَلاحَ حُبُّ البَطشِ في مُقلَتَيه

وَصاحَ بِالجَلاّدِ هاتِ الحُسام
فَأَسرَعَ الجَلاّدُ يَسعى إِلَيه

فَقالَ دَحرِج رَأسَ هَذا الغُلام
فَرَأسُهُ عِبءٌ عَلى مَنكِبَيه

قَد طُبِعَ السَيفُ لِحَزِّ الرِقاب
وَهَذِهِ رَقبَةُ ثَرثارِ

أُقتُلهُ وَاِطَرَح جِسمَهُ لِلكِلاب
وَلتَذهَبِ الروحُ إِلى النارِ

………

سَمعًا وَطَوعًا سَيِّدي وَاِنتَضى
عَضبًا يَموجُ المَوتُ في شَفرَتَيه

وَلَم يَكُن إِلّا كَبَرقٍ أَضا
حَتّى أَطارَ الرَأسَ عَن مَنكِبَيه

فَسَقَطَ الشاعِرُ مُعرَورِضا
يُخَدِّشُ الأَرضَ بِكِلتا يَدَيه

كَأَنَما يَبحَثُ عَن رَأسِهِ
فَاِستَضحَكَ السُلطانُ مِن سَجدَتِه

ثُمَّ اِستَوى يَهمُسُ في نَفسِهِ
ذو جَنَّةٍ أَمسى بِلا جَنَّتِه

………

أَجَل هَكَذا هَلَكَ الشاعِرُ
كَما يَهلِكُ الآثِمُ المُذنِبُ

فَما غَضّ في رَوضَةٍ طائِرٌ
وَلَم يَنطَفِئ في السَما كَوكَبُ

وَلا جَزِعَ الشَجَرُ الناضِرُ
وَلا اِكتَأَبَ الجَدوَلُ المُطرَبُ

وَكوفِئَ عَن قَتلِهِ القاتِلُ
بِمالٍ جَزيلٍ وَخَدٍّ أَسيل

فَقالَ لَهُ خُلقُهُ السافِلِ
أَلا لَيتَ لي كُلَّ يَومٍ قَتيل

في لَيلَةٍ طامِسَةِ الأَنجُمِ
تَسَلَّلَ المَوتُ إِلى القَصرِ

بَينَ حِرابِ الجُندِ وَالأَسهُمِ
وَالأَسيُفِ الهِندِيَّةِ الحُمرِ

إِلى سَريرِ المُلكِ الأَعظَمِ
إِلى أَميرِ البَرِّ وَالبَحرِ

فَفارَقَ الدُنيا وَلَمّا تَزَل
فيها خُمورٌ وَأَغاريدُ

فَلَم يَمِد حُزنًا عَلَيهِ الجَبَل
وَلا ذَوى في الرَوضِ أُملودُ

………

في حَومَةِ المَوتِ وَظِلِّ البِلى
قَدِ يلتَقى السُلطانُ وَالشاعِرُ

هَذا بِلا مَجدٍ وَهَذا بِلا
ذُلٍّ فَلا باغٍ وَلا ثائِرُ

عانَقَتِ الأَسمالُ تِلكَ الحِلى
وَاِصطَحَبَ المَقهورُ وَالقاهِرُ

لا يَجزَعُ الشاعِرُ أَن يُقتَلا
لَيسَ وَراءَ القَبرِ سَيفٌ وَرُمح

وَلا يُبالي ذاكَ أَن يُعذَلا
سِيّانِ عِندَ المَيتِ ذَمٌّ وَمَدح

…….

وَتَوالَتِ الأَجيالُ تَطَّرِدُ
جيلٌ يَغيبُ وَآخَرٌ يَفِدُ

أَخَنتُ عَلى القَصرِ المَنيفِ فَلا
الجُدرانُ قائِمَةٌ وَلا العُمُدُ

وَمَشتْ عَلى الجيشِ الكَثيفِ فَلا
خَيلٌ مُسَوَّمَةٌ وَلا زُردُ

ذَهَبَت بِمَن صَلُحوا وَمَن فَسَدوا
وَمَضت بِمَن تَعيسوا وَمَن سَعِدوا

وَبِمَن أَذابَ الحُبَّ مُهجَتَهُ
وَبِمَن تَأَكَّلَ قَلبَهُ الحَسَدُ

وَطَوَت مُلوكًا ما لَهُم عَدَدٌ
فَكَأَنَّهُم في الأَرضِ ما وُجِدوا

وَالشاعِرُ المَقتولُ باقِيَةٌ
أَقوالُهُ فَكَأَنَّها الأَبَدُ

الشَيخُ يَلمُسُ في جَوانِبِها
صُوَرَ الهَوى، وَالحِكَمَةَ الوَلدُ

شعريار

بعد المغيب

نشرت

في

لويس بورخس

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الغروبُ مزعجٌ دائماً

إن كان مسرحياً أو أبكمَ،

والمزعجُ أكثر

آخرُ النور المستميتِ

الذي يدهنُ السطحَ بالصدأ

فلا يبقى على الأفقِ شيءٌ

من أًبّهةِ الغروبِ أو صخَبهِ.

كم يتقدّمُ النورُ عصِياًَ،

متوتّراً بانسحابهِ، مختلفاً،

هذيانٌ يَعرضُ خوفَ الإنسانِ

من ظُلمةِ الفضاءِ،

ثم يكفُّ

لحظةَ نُدركُ زَيفَهُ،

بطريقةِ حُلمٍ ينكسرُ

بعلمِ النائمِ أنه يحلُمُ

Motif étoiles

أكمل القراءة

شعريار

أَفاطمُ…

نشرت

في

المثقّب العبدي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أفاطمُ! قبلَ بيْنكِ متِّعينى

ومنعكِ ما سألْتكِ أنْ تبينى

فَلا تَعِدي مواعِدَ كاذِباتٍ

تمرّ بها رياحُ الصيفِ دوني

فإنِّى لوْ تخالفني شِمالي

خلافكِ ما وصلتُ بها يميني

إذاً لَقَطَعتُها ولقُلتُ: بِيني

كذلكَ أجتوي منْ يجتويني

لمنْ ظعنُ تطلَّعُ منْ ضبيبٍ

خَوايَة َ فَرْجِ مِقْلاتٍ دَهينِ

يشَّبهنَ السَّفينَ وهنَّ بختُ

عُراضاتُ الأباهِرِ والشُّؤونِ

وهُنَّ على الرَّجائزِ واكِناتٌ

قَواتِلُ كُلِّ أَشجَعَ مُسْتكينِ

كغُزلانٍ خذلنَ بذاتِ ضالٍ

تنوشُ الدَّانياتِ منَ الغصونِ

ظهرنَ بكلَّة ِ، وسدلنَ رقماً

وثقبنَ الوصاوصَ للعيونِ

أَرَينَ مَحاسِناً وكنَنَّ أُخرى

من الأجيادِ والبَشَرِ المَصونِ

ومن ذَهَبٍ يَلوحُ على تَريبٍ

كلَونِ العاجِ ليسَ بذي غُضونِ

وهُنّ على الظِّلام مُطَلَّباتٌ

طويلاتُ الذُّوائبِ والقرونِ

إذا ما فتنهُ يوماً برهنٍ

يعزُّ عليهِ لم يرجع يحينِ

بتَلهِيَة ٍ أَريشُ بها سِهامي

تبذُّ المرشقاتِ منَ الفطينِ

علونَ رباوة ً، وهبطنَ غيباً

فلَمْ يَرجِعْنَ قائلة ً لحِينِ …

إذا ما قمتُ أرحلها بليلٍ

تأوَّهُ آهة َ الرَّجلِ الحزينِ

تقولُ إذا دَرأْتُ لها وَضِيني

أهذا دينهُ أبداً ودينى ؟

أكلَّ الدَّهرِ حلٌّ وارتحالٌ

أما يبقى على َّ وما بقينى !

فأَبقى باطِلي والجِدُّ منها

كدُكّانِ الدَّرابِنَة ِ المَطِينِ

ثَنَيتُ زِمامَها ووَضَعتْ رَحلي

ونمرقة ً رفدتُ بها يمينى

فَرُحْتُ بها تُعارِضُ مُسبَكِرّاً

على ضحضاحهِ وعلى المتونِ

إلى عمروٍ، ومنْ عمروٍ أتتني

أخى النَّجداتِ والحلمِ الرَّصينِ

فإمَّا أنْ تكونَ أخى بحقِّ

فأَعرِفَ منكَ غَثِّي من سَميني

وإلاَّ فاطَّرحني واتخذنى

عَدُوّاً أَتَّقيكَ وتَتَّقيني

وما أَدري إذا يَمَّمتُ وَجهاً

أُريدُ الخَيرَ أَيُّهُما يَليني

أَأَلخَيرُ الذي أنا أَبْتَغيهِ

أَمِ الشَّرُّ الذي هو يَبْتَغيني

أكمل القراءة

شعريار

أنا

نشرت

في

نازك الملائكة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الليلُ يسألُ من أنا

أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ

أنا صمتُهُ المتمرِّدُ

قنّعتُ كنهي بالسكونْ

ولفقتُ قلبى بالظنونْ

وبقيتُ ساهمةً هنا

أرنو وتسألنى القرونْ

أنا من أكون؟

والريحُ تسأل من أنا

أنا روحُها الحيران أنكرنى الزمانْ

أنا مثلها فى لا مكان

نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ

نبقى نمرُّ ولا بقاءْ

فإذا بلغنا المُنْحَنى

خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ

فإِذا فضاءْ!

والدهرُ يسألُ من أنا

أنا مثلهُ جبّارةٌ أطوى عُصورْ

وأعودُ أمنحُها النشورْ

أنا أخلقُ الماضى البعيدْ

من فتنةِ الأمل الرغيدْ

وأعودُ أدفنُهُ أنا

لأصوغَ لى أمسًا جديدْ

غَدُهُ جليد

والذاتُ تسألُ من أنا

أنا مثلها حيرَى أحدّقُ فى ظلام

لا شيءَ يمنحُنى السلامْ

أبقى أسائلُ والجوابْ

سيظَل يحجُبُه سراب

وأظلّ أحسبُهُ دنا

فإذا وصلتُ إليه ذابْ

وخبا وغابْ

أكمل القراءة

صن نار