لمْسُ نار

الشعب ليس فئران تجارب

نشرت

في

كعادته عند كل أزمة يتوجه رئيس الجمهوريّة في ساعة متأخرة من الليل إلى شارع الحبيب بورقيبة وتحديدا إلى وزارة الداخلية (بما ترمز إليه من قمع و نفوذ) و يلقي علينا خطاب وعد و وعيد نحتار أنسمعه في الليل و نتحمل ما يتبعه من كوابيس !؟ أم نبدأ به صباحنا الجديد و نتحمل ما ينتج عنه من توتر طيلة اليوم !؟ و خطاب ليلة الجمعة لم يخرج عن مألوف عادته…

<strong>عبير عميش<strong>

خطاب كرّر فيه عبارات التهديد و التخوين و التقسيم و التهكم و السخرية من معارضيه و التلويح بمحاسبتهم و دعوة القضاء إلى التعامل معهم و أكّد مرة أخرى على أنه ماضٍ في مشروعه في كتابة دستور جديد و إرساء ما يسميه جمهورية جديدة دون أن يهتم لآراء الرافضين لواقع انفراده بالحكم واستيلائه على كل السلط … متناسيا أنّ المواطنين عندما خرجوا للشارع يوم 25 جويلية خرجوا للاحتجاج على كامل المنظومة ، على كل من في الحكم ، على كل من جعل حياتهم مهددة بسبب الغلاء و الوباء و سوء الاختيار و الاهتمام بالصراعات السياسية بدلا عن الاعتناء بما يهم المواطنين ..

الشعب عندما خرج يومها خرج ضد الجميع و لإزالة الجميع و المطالبة بمحاسبتهم و تحميلهم مسؤولية فشلهم في إدارة الأزمات و لم يخرج ليرجّح كفة طرف ضد الآخر … و لم يخرج ضد طرف واحد لينقضّ الطرف المقابل على الفرصة فيغلق قصر باردو و يستولي على السلط جميعها … فقط أصحاب الذاكرة القصيرة ينسون أن الفخفاخ و المشيشي و عكاشة و بالطبيب، و السفراء و الولاة… كلها خيارات فاشلة لرئيس الجمهورية و قد زادت الطين بلة بعد عشرية اتسمت بكثير من الضعف و التناحر و محاولات التمكين …

فإذا كان قصر باردو ضعيفا متسببا في التوتر و المشاكل في تونس فإن قصر قرطاج لم يخلُ هو أيضا من الضعف و الوهن و الصراعات ما ظهر منها و ما بطن … فلماذا يسمح سعيّد لنفسه اليوم بالسيطرة بمفرده على كل مؤسسات الحكم و بتفصيل البلاد و إعادة تشكيلها على هواه و حسب رؤيته الفردية و الحال أنه اكتسب شرعيته و مشروعيته من انتخابات 2019 و من الدستور الذي ألغاه بعد أن أقسم على احترامه ، وهي نفس الشرعية و المشروعية التي جاءت بالنواب الذين أقصاهم و أغلق مجلسهم …

يتحدث سعيد عن دستور جديد سيكتب في ظرف أيام معدودات (هذا إن لم يكن مكتوبا سلفا) لكن كل من يؤمن بالديمقراطية يعرف أنه دستور سيكتب في الغرف المغلقة و ليس للقوى المدنية أو للأحزاب أو للمنظمات إمكانية مناقشته أو التحاور حول أبوابه و فصوله إلا في حدود دنيا بالإجابة بـ”نعم” أو” لا” على مجمل فصوله يوم الاستفتاء … فيصير حينها استفتاء على الشخص (صاحب الدستور) لا استفتاء على المضامين و المحتوى …

و ككل مرة و عند كل أزمة يتوجه رئيس الجمهورية إلى وزارة الداخلية أو يدعو وزراء الداخلية و العدل و الدفاع إلى قصر قرطاج ليهدد مناوئيه و يتهمهم بأنهم سبب كل الشرور و الخراب … و لكنه ينسى أن يدعو إليه وزراء الفلاحة أو التعليم أو التجهيز أو الصناعة و غيرها من وزارات البناء و التخطيط للمستقبل فكأن السلطة لديه ليست إلا تمكينا و تثبيتا لأركان حكمه … و في سياق حديثه عن الحرائق و تعبيره عن خشيته على الصابة خيّر أن يتوجه بخطابه إلى الأمنيين بدل أن يدعو وزير الفلاحة ليتحاور معه حول الأمن الغذائي وتوفير أفضل الظروف لحصاد الحبوب القادمة التي هو وحده يعرف أنها قادرة على تحقيق اكتفائنا الذاتي في حين يجمع كل المختصين أنها لا تؤمن سوى ثلث حاجاتنا … و جعل يلقي بالتّهم على ” هم ” و يتنبّأ بأنهم ينوون حرق المحاصيل القادمة …

إن هذا الخطاب الذي يتوجه به رئيس الجمهورية آضافة إلى ما يصدر عن أنصاره و مفسري مشروعه وجماعة تنسيقياته، خطاب خطير يزيد من منسوب العنف و التوتر في البلاد، و يؤجج العداوة بين أفراد الشعب الواحد و يخلق عداوات يصعب في ما بعد إطفاء لهيبها، مثلما يقول فتحي المسكيني: ” لا يكره الشعبُ الا بقدر ما ندربه على ذلك . ثمة أحزاب و تنظيمات و حركات تدرب الشعوب على الكراهية. و من يبني على الكراهية يقر عرضا بأنه لا يستطيع أن يوجد دون آخر يكرهه”

لقد مل الشعب مثل هذه الخطابات الموتورة و أرهقه الصراع على السلطة و إهمال مشاغله الحقيقية … وإذا كان السابقون قد فشلوا فهذا ليس مبررا للسماح بالفشل من جديد … فالشعب ليس فأر تجارب … فمن يهرب من خطاب مخلوف و أمثاله لا يمكن أن يقبل بخطاب شفتر و جماعته … و إذا كان قد خرج ليحتج على أوضاع ما قبل 25 جويلية ، فذلك لا يعني أنه راض عما بعدها … و طاقته على الصبر قد نفدت و بارقة الأمل قد انطفأت…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version