جور نار

الشياطين الخُرس

نشرت

في

ما يضحكنا في ساسة تونس قاطبة، أنهم مغرمون إلى حد كبير بطاولة ميقاتيي كرة اليد و السلة، تلك التي تشتغل بالثانية و أجزائها، و لا ندري إلى اليوم كيف يقدر القيّمون عليها، أن يوقفوا العدّاد في برهة خاطفة، و يعيدوه في لمح البصر، دون أن تصيبهم غفلة أو يلحقهم بطء بشري أو رعشة من التي تصيب أيدينا …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

ساستنا لا يخطئون في توقيت خروجهم إلى العامة و اكتساح بلاتوهات الإذاعات و التلفزات، و فتح حنفية تلك التعابير المنمّقة اللابسة لكل المناسبات الحافظة لجميع القوالب و الشعارات، مهما اختلفت المشاعر وتبدّلت الأحوال … يحصل هذا مع فارق عن طاولة ميقاتيي الرياضة … إذ أن السياسي عندنا، يشتغل بمهارته الكلامية تلك، بعد انتهاء المباراة، و خروج الجمهور و انطفاء أضواء الصالة … تماما كأطفال عابثين يروق لهم اللعب فقط حين تبتعد الأعين و تخلو الساحة من أي فعل و ردّ فعل …

كلهم الآن تحوّلوا إلى أنبياء، و أولاد عائلات، وواعظين، ومناصرين لحقوق الإنسان ومعيشة المواطن ومعاركه مع غلاء الأسعار و شحّ الأسواق وفساد الفاسدين … وجميعهم يخرجون علينا الآن بابتسامة المتعاطف، و آهة المتظلّم، و لوعة المكلوم، و براءة المغلوب على أمره … إلى درجة أنك على مرتين تكاد تربّت على أكتافهم شاكرا، و تمدّ إليهم منديلك لكفكفة دمعة تطفر من عيونهم …

يا لهذا الزمن … لولا بقية ذاكرة عنود لالتبس علينا الأمر و نسينا مع من نحكي و على من نتفرج و صوت من نسمع … تكاد تنسى أن هؤلاء أنفسهم هم من حكمونا تواليا أو تزامنا، طوال عشر سنوات، حكموا بالأمر والنهي و الأمر الواقع و “كان عجبكم” و “أمامكم البحر فاشربوا” و “نحن سادة أنفسنا” و “مُلاّك و لسنا كرّاية” و بقية السلسال الذي شحط جلودنا كالسوط سنينا … و لا أستثني جماعة ما بعد 2011 من جماعة ما قبل 11 …

أبرياء الساعات الزائدة، وحقوقيو فوات الأوان، يذكّرونك قليلا بمسؤولي البيت الأبيض الأمريكي بعدما يخرجون من الحكم … كلهم يتحولون إلى ناصحين و متعاطفين و إنسانيين و محبي شعوب مضطهدة … أما عندما كانت ساقهم في الركاب، فتلك قصة أخرى …

قد يجيبهم مواطن فالح بأنهم مهما فعلوا فلن تنطلي عليه، و بأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين … ولكن … هل نحن فعلا “لا تنطلي علينا”؟ … و هل عندك ما يكفي من “مؤمنين” لا يُلدغون أكثر من مرة؟ …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version