يقول التاريخ الصغير إن الزعيم المصري سعد زغلول جاءه نائبه مصطفى النحاس عارضا عليه فكرة الوحدة العربية، فما كان من سعد إلا أن أجاب صاحبه: “ماذا يساوي صفر مع صفر يا نحّاس؟” … مع العلم بأن سعد زغلول ساعد كثيرا في ما بعد حركات التحرر العربية، و كذا فعل مصطفى النحاس الذي أعلن الحرب الأولى لتحرير فلسطين سنة 1948 … انتهت تلك الحرب بالهزيمة المعروفة، و لكنها دشنت صراعا لم ينته و لم تخمد ناره في وجدان المصريين خاصة …
و بعيدا عن الزعماء و طرائق تعبيرهم، تبقى لنا جميعا قصة و قصص مع الرقم صفر الذيتقوم القيامة عليه هذه الأيام … و آخرها ما حدث في المهدية لأستاذة أسندته لأحد تلاميذها … الرواية الأولى (المدافعة عن الأستاذة) سمعناها و قرأناها كثيرا … و لكن رواية أخرى تقول إن ذلك تجسم في ملاحظة أولى على الورق، و ثانية أمام رفاقه، و كلاهما شرّ من أختها حسب بتلك الأقوال … فاستشاط أبوا التلميذ غضبا و تقدما بشكوى إلى القضاء … و دعواهما أن التلميذ حصلت له اضطرابات نفسية جرّاء ذلك العدد المشين و ما تلاه من إهانات، و تحول الاضطراب النفسي إلى شلل في الوجه … .
تتحدث مصادر تجمع بين الأسطورة و الحقيقة … عن الرياضي أبي عبد الله الخوارزمي و هو يخترع أرقامه العربية الشائعة في عالمنا اليوم، فاعتمد على عدد الزوايا لكل رقم من واحد إلى تسعة … و حين أراد الانتقال من الآحاد إلى العشرات و ما فوقها، فكر في رقم دون زوايا و دون قيمة ظاهرة كبقية الأرقام … و لكنه يصبح ذا أهمية بالغة حين يوضع على يمين رقم آخر أو يتم احتسابه في العمليات المعقدة كالضرب و الكسور و الأعداد السالبة إلخ … و على هذا الرقم العجيب انبنت كافة التطورات التي عرفتها علوم عدة كالرياضيات و الهندسة و الفيزياء و الكيمياء و علم الفلك و غيرها …
يفعل الصفر الأفاعيل حين يكون على اليمين كما قلنا، و لكنه يصبح قبحا و وصمة حين يوضع على شِمال الأعداد، التامة طبعا … و خاصة حين يتمّ استغلاله لتقييم عمل ما، إنصافا أو تشفّيا … زيرو، كعكة، حلقة، عجلة، بونو، حمار، رأس لحم، ألف لا شيء عليه … كحال اقتصادنا في العشر سنوات الأخيرة، أو كنتائج بعض الأحزاب التي شاركت في الانتخابات، أو كنوايا التصويت لبعض الوجوه و المناظر، أو كنسبة مشاهدة بعض القنوات التي تعيش فقط من تبييض الأموال … مع أن الزمن الحديث أعاد الاعتبار لهذا الرقم و لو كان على اليسار أو مفردا، خاصة في المجال الصحي … صفر كولستيرول، صفر مواد اصطناعية، صفر سكريات، صفر مخاطر … بل حتى ما دون الصفر أي السلبي أصبح مرحبا به، و من لم يفرح بسلبية تحليل على كوفيد 19 السيئ السمعة؟
غير أن ما حصل بين أستاذة المهدية و تلميذها، يؤكد نقطتين على الأقلّ … الأولى أن التعليم يعيش هذه السنوات ـ كباقي مرافقنا ـ أسوأ أطواره … و الثانية، أن العرب اخترعوا الصفر ثم أسندوه لأنفسهم، و ناموا هناك …