منذ أن وطئت قَدَمُ السيد مهدي جمعة في جانفي 2014 أرضَ القصبة المباركة بوحيٍ قذفته الشركة البتروليّة “توتال” في سمائنا (على غرار النور الذي قذفه الله في صدر الإمام الغزالي) وتوصية بريئة من سفير ألمانيا ببلادنا الذي يحبّ الكفتاجي في المطاعم الشعبية بباجة، ونحن ننتظر الكرامة … وما أدراك مالكرامة.
ولم يتفطّن لغياب الكرامة عن مكانها كلّ من السادة الحبيب الصيد ولا يوسف الشاهد ولا إلياس الفخفاخ ولا هشام المشيشي ولم يُذكّرهم بها لا محمد الناصر ولا عبد الفتاح مورو ولا راشد الغنوشي، ونسيها كذلك الرؤساء المنصف المرزوقي والباجي قائد السبسي وقيس سعيّد. ولذلك غابت “الكرامة” وبقي مربّع البلاد بلا ضلع رابع…
فشعبُنا الذي تحرك لإسقاط نظام بن علي المستبد وذراعه الأخطبوطي التجمع الدستوري الديمقراطي لم يكن محركه الأساسي هو “كِسرة الخبز” ولا مطالب مادية، إذ لو شاء لسعى لها بأقل الخسائر، ولبقي تحت سلطة “حامي الحمى والدين” ينعم بالفُتات ويصَفِّق لحاشيته، ولكنه إنما تحرك ليحيا من جديد، حياة الحرية والكرامة، وهي يعلم علم اليقين أن لهذه الحياة الجديدة ثمنا باهظا ومخاضا برائحة الموت…
هذه الحياة التي يموت من أجلها جيل، لتعيش أجيال. فانتصر شعبنا لرغبته وإرادته في حياة أفضل وغيَّر الخريطة، وبدل الوجوه التجمّعيّة وصحح العناوين والمفاهيم من تبعية واستلاب إلى حرية وكرامة وعزة. وتجدر الاشارة إلى أن الكرامة التي أقصدها ليست تلك الكرامة التي يربطها البعض برغد العيش وهناء البال فقط، إنما الكرامة التي أقصدها هي ذاك المُعْطى الفطريٌّ الذي وُلد مع الإنسان وجاء معه إلى هذه الحياة، وليس لأحد أن يَمُنَّ به على أحد، فهو “ملكية فردية” لا يحق له أن يتنازل عنها… ومن فرَّط فيها ضلَّ الطريق، وسار إلى إهانة نفسه،
غير أن رؤساء الحكومات المتعاقبين لم يُعيرو “الكرامة” أيّ إهتمام وتناساها أيضا رؤساء البرلمان ورؤساء الجمهورية رغم انّ النوّاب المؤسّسين قد ثبّتوها في دستور 2014… فضاعت الكرامة من مكاتب الإدارات والمؤسسات والمنشآت التونسية كما غابت الكرامة من فوق رؤوس أفراد قوات الأمن والجيش والديوانية والحماية المدنيّة…
اليوم لا أتحدّث عن كرامة الشعب … فذلك مطلب ليس قريب المنال في ظلّ المافيات التي تحكم مصير البلاد، انا فقط اتحدّث على شعار الجمهورية (نظام، حرّية، عدالة) الذي أصبح بمقتضى الفصل الرابع من الدستور ( حريّة، كرامة، عدالة، نظام)..والذي بقي إلى حدّ اليوم تنقصه “كرامة” .. وكأنّ كرامة التونسيين لا تعني من يحكمون البلاد.