سؤال قد يحرج أولئك الذين يُشيطنون الماضي في كل مداخلاتهم وصراخهم…ماذا ستكسبون بشيطنتكم لماضيكم…؟؟ فهل حاضركم سعادة وهناء ؟؟ وهل أمطرت سماؤكم ديمقراطية؟؟؟ لم نقل إننا كنا نعيش في المدينة الفاضلة …لكن يا جماعة…هل كان أحدكم يخاف على بيته؟؟؟ على أهله؟؟ على أطفاله؟؟
يا جماعة، هل كان أحدكم يعود إلى بيته “خاوي” القفّة؟؟؟ هل كان أحدكم يُقتل امام بيته؟؟؟ هل كان أحدكم يُسحل في الشارع لمجرّد الانتماء؟؟؟ هل كنتم تعيشون التفرقة كما تعيشونها اليوم؟؟؟ هل من كان عاطلا بالأمس وجد عملا اليوم؟؟؟ هل من طالب بالكرامة عادت إليه كرامته؟؟؟ هل أنتم سعداء اليوم حقّا؟؟ من منكم لا يزال يذهب ليشاهد مباراة كرة القدم يوم الأحد دون أن يُضرب ويُرجم ويُسبّ ويُلعن؟؟من منكم اليوم قادر على الخروج ليلا لزيارة عائلته؟؟؟ من منكم اليوم يأمن جاره السكير العربيد؟؟؟ من منكم اليوم يتقدّم إلى القضاء فيجد حلا سريعا لشكواه؟؟؟ هل كانت المخدرات تباع بهذا الشكل لأبنائنا؟؟؟
هل كانت الجرائم بهذا العدد؟؟ هل كانت مستشفياتنا دون أطباء كما هي الحال عليه اليوم؟؟؟ هل يسلم الاستاذ اليوم من أذى تلميذه؟؟؟ هل كان عدد قضايا الاغتصاب كما هو عليه اليوم؟؟؟ هل كانت أخلاقنا بهذا السوء الذي نعيشه اليوم؟؟؟هل كانت مؤسساتنا تشهد الغيابات كما تشهدها اليوم؟؟ أين ذهبت هيبة الدولة؟؟؟ ألم يكن فصيل واحد من الأعوان قادرا على تأمين مباراة في كرة القدم ؟؟؟ واليوم، هل تذكرون متى دارت مباراة بحضور كامل للجماهير؟؟؟ هل كنتم تعرفون هذه الاوساخ التي ترونها اليوم؟؟؟ هل كنتم تعرفون هذه الاسعار التي تدفعونها اليوم؟؟؟ كم كان لكم من “طرابلسية”، مائة أو أكثر أو أقل؟…واليوم لكم أكثر من 5 ملايين طرابلسي…الكل ينهب الكل والبلاد تسقط يوما بعد يوم…وأنتم ماذا تفعلون…تصفقون باسم الحرية …اية حرية …؟؟؟ حرية سبّ الجلالة…وحرية شتم المسؤول…وحرية التهكّم على الجميع…وحرية قطع الطريق والاعتصام…وحرية ترك العمل…وحرية الكذب…فالكل اليوم يكذب على الكلّ…من أسفل إلى اعلى ومن أعلى إلى أسفل…هل هذا ما كنتم تنتظرون مما تسمونها ثورة وما جاء بعدها؟؟
يا جماعة، اتقوا الله في انفسكم وفي ابنائكم وفي وطنكم…وفي ماضيكم…لم نكن قطّ بهذا السوء الذي له تؤرخون…ومنه تشتكون…فقط كان لنا البعض من أصحاب السوء…ونالوا عقابهم… وكان لنا عشرات الآلاف من الشرفاء ظُلِموا وعوقبوا دون جرم…ومنهم من مات قهرا…فلا تواصلوا التخريب…فالوطن لن يتحمّل ما تفعلون…لا تلعنوا الأمس… فالأمس هو تاريخ نحن منه…واليوم هو حاضر نحن فيه…والمصالحة هي مستقبل نريده أجمل لأجيالنا القادمة…وهنا يكمن الاستثناء…فالمصالحة الشاملة هي الاستثناء الحقيقي…ومن ليس قادرا على أن يكون طرفا في الاستثناء فليكتفِ بالمشاهدة…تعودنا أن نكون الاستثناء… كما تعودنا أن نكون برؤيتنا الاستشرافية …ورؤيتنا النقدية الإصلاحية…وفلسفتنا التَجْمِيعية…لا حاجة لنا بالكراسي…فقط نبحث عن مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة…هدفنا الشباب …ولا أحد غير الشباب…ولن يكون للبلاد مستقبل دون أن يكون شبابها هو الأصل في كل بناء سياسي…
نحن في حاجة إلى جيل جديد يقود البلاد نحو أفق أرحب واشمل وأفضل…دون القطع مع من بنوا وصنعوا أمجاد هذه الأمة…لذلك لا يجب أن نتنكّر لجميل كل من أناروا لنا السبيل…فلن نكسب التحدي الأكبر “أم كل المعارك” دون مصالحة شاملة…وكسب الحروب لا يكون بالحقد والكراهية….مصالحة مع الماضي …ومع الحاضر…فيا شباب تونس وكهولها لا تلعنوا ماضيكم فاللقيط فقط من يلعن ماضيه…لا تلعنوا ماضيكم فكباركم منه وأهلكم منه …ولا تلعنوا حاضركم فأنتم منه وفيه …ولا تبصقوا على مستقبلكم…فالمستقبل أنتم…ومن لا تاريخ له ولأهله …لا حاضر له ولأهله…ومن لا حاضر له ولا تاريخ…لا مستقبل لأبنائه…فاحتضنوا الماضي ففيه عاش أهلكم…واحتضنوا الحاضر دون أحقاد لأنكم أنتم فيه…وسلام عليكم يوم مع ماضيكم وتاريخكم تتصالحون…ومع حاضركم دون أحقاد تواصلون…ولهدف واحد يجمعكم تنظرون…