جور نار

الليل زاهي بالقمر ونجومه…

نشرت

في

قررت هذه الأيام أن أخصّص بعض الوقت لإتمام كل ما تأخر من وثائقي العائلية، الصحية منها والمهنية والمدنية…والعقارية…وغيرها من وثائق تتطلّب التحوّل إلى عديد الوزارات ومقابلة الكثير من المسؤولين…وكانت البداية مع عمدة الحي الذي أعرفه من زمن بعيد، عمدتنا هذا مختصّ في لعبة “الخربڨة” ولو نظموا بطولة عالمية في هذه اللعبة لفاز بها عمدتنا دون منافسة…وجدت باب مقرّه مفتوحا فدخلت، اقتربت من مكتبه لأسمع دندنة بصوته، استرقت السمع لأعرف ماذا يدندن عمدتنا أبقاه الله عمدة إلى يوم يموت ويوم يبعث حيّا…

<strong>محمد الأطرش<strong>

كانت مفاجأة جميلة صاحبنا يغني وبصوت أجلاف مغاوير وأصحاب الطبلة والبندير…” الليل زاهي بالقمر ونجومه…..وانا زاهي بشــيخ بابا كمولة” تمايلت قليلا مع دندنته وابتسمت وأنا “ارفع عقيرتي” بالسلام…حتى يسمعني… ثم صرخت في وجهه حتى يسمعني قائلا “سلومة” وليس “كمولة” يا مولانا…أجاب ضاحكا “كمولة…كمولة” وأضاف “خلّي هكاكه…خلّي هكاكه”… أخذت ما جئت من أجله وانصرفت وأنا أتساءل عن “كمولة” الذي عوّض سلومة عند عمدة “الحومة”…

توجهت مباشرة إلى مقرّ المعتمدية لألتقي معتمد الجهة لأمر كان عالقا ولا يزال…دخلت بعد استئذان الحاجب الذي فاجأني أيضا بدندنة نفس ما كان يدندنه مولانا عمدة “الحومة”، علما بأن هذا الحاجب من رواد البطولة المحلية للـــ”خربقة” التي يفوز بها يوميا عمدتنا دون حضور جمهور أطال الله أنفاسه حتى اشعار آخر…دخلت مكتب المعتمد مستغربا ما يجري في هذا البلد…بعد السلام وبعض الكلام جلست قبالة المعتمد فسمعت صوتا منبعثا من الكمبيوتر الذي “يجلس” قبالة معتمد الجهة، وكانت المفاجأة نفس القطعة الصوفية التي استمعت إليها عند العمدة وعند حاجب المعتمد…لم أغامر بسؤال المعتمد عن القصّة…لكن دون أن أدري وجدتني أدندن والمعتمد على نفس مقامهم ” الليل زاهي بالقمر والـثريّا…..وانا زاهي بشيخ ابن القفصية”…وهنا التفت إلى المعتمد لأقول له “ابن الدرعية” من اين أتيت بابن القفصية سيدي؟ ضحك وقال “خلّي هكاكه…خلّي هكاكه”…لم أقل شيئا وغادرت بعد ان وعدني أنه سيجيبني عمّا أتيت من أجله في قادم الأيام…

توجهت مباشرة إلى مقرّ الولاية لألتقي الكاتب العام لأمر مدرج في برنامج إتمام بعض الوثائق المعطّلة من زمن بعيد…ولأنه صديقي دخلت دون استئذان الحاجب الذي يعتبر هو أيضا من رواد بطولة العمدة للــ”خربقة” لأجد صاحبي “متسلطنا”…يتمايل وهو يغني مع حضرة سمير العقربي “يا ناس والله يـــــــعز عليا …..بابا الاسمر حكومته مرسومة”…وهنا صرخت عاليا…من اين أتيت بــ”حكومته” “حضرته” وليس ما ذكرت…ما الحكاية يا هذا وما قصّة ما تتغنون به جميعكم…؟؟ نظر إلي وقال”خلّي هكاكه…خلّي هكاكة”…وقفت ونظرت إليه وقلت “أوكي…خلّي هكاكه” …

غادرت في اتجاه مكتب المدير الجهوي للشؤون الاجتماعية ولأنه صديقي دخلت أيضا دون استئذان…لأجد نفسي قبالة مجموعة من موظفي الإدارة وهم يتمايلون على صوت مديرهم وهو يقول “الليل زاهي بالقمر وتمـامه…..وانا زاهي بقدوتي وكــــلامه” توجهت بالسلام للجميع فلم يردّوا عليّ…ولا حتى صديقي المدير الجهوي الذي كان يتمايل صوفيا صحبة حاجبه الذي هو أيضا من روّاد بطولة عمدتنا للــ”خربقة”…نظرت إليه وصرخت “ما أمركم…ما قصّة الليل زاهي…؟؟” أوقف كوراله الصوفي ونظر إلي ضاحكا سعيدا منتصب القامة والأطراف والأعضاء، وقال في تناغم مع كل من هم حوله “خلّي هكاكه…خلّي هكاكه”…

بعد الشؤون الاجتماعية زرت أغلب الإدارات الموجودة بالمدينة، وفي كل إدارة كنت أجد أحد رواد بطولة عمدتنا للعبة “الخربقة”… وفي كل المؤسسات والإدارات استمعت كل مرّة إلى نفس القطعة الصوفية…وسألت نفس السؤال للجميع…وأجابوني نفس الإجابة السحرية “خلّي هكاكه…خلّي هكاكه”…قلت سأسأل صديقي الذي يعمل في ديوان أحد الوزراء عن الأمر فقد اعرف حقيقته وأرتاح … هاتفت صديقي لأستمع إلى تلفونه وهو يدندن نفس القطعة في انتظار رفع صديقي لسماعته…قطعت المكالمة وجلست ساخطا على كرسي أحد المقاهي…استرحت قليلا ثم قررت العودة إلى المنزل لأرتاح من “خلّي هكاكه…خلّي هكاكه”…

فتحت الباب الخارجي للمنزل لأجد نفسي في حضرة “الليل زاهي” مرّة أخرى…وبصوت مرتفع إلى أعلى درجاته ” الليل زاهي بالقمر وتمـامه…….وانا زاهي بقدوتي وكــــلامه…يا ناس انا من خـــــــــدّامه…….بابا الاسمر حضرته مرسومة”…دخلت المنزل لأجد جميع من بداخله يدندنون “الليل زاهي…” أوقفت “اليوتيوب” سالب العقول والقلوب وتسمّرت أمامهم في حالة غضب بعيدة كل البعد عن “الزهو” الذي يتغنون به…وقلت لن تخرجوا من هنا دون أن أعرف ما الحكاية أجابني ابني قائلا “خلّي هكاكه…خلّي هكاكه”…قلت والله لن “أخلّي هكاكه  قبل أن تجيبوني”…نظر إلي ابني ضاحكا وقال…”ألم تسمع بحكاية مالك الزاهي يقال والعهدة على من قال ومن أتى بالخبر ومن نشره ومن كتبه ومن صدّقه انه سيصبح وزيرا أول في حكومة مولانا الثانية…” ثم أضاف “خلّي هكاكه…خلّي هكاكه”…نظرت إليهم جميعا وسألتهم والعمّة “نجلاء” اين ستذهب؟ أجابوا معا في نفس الوقت…”خلّي هكاكه…خلّي هكاكه”…ضحكت وانخرطت معهم في جوقتهم “التلحيسية” لساكن القصبة القادم:

” الليل زاهي بالقمر وتمـامه…….وانا زاهي بقدوتي وكــــلامه
ياناس انا من خـــــــــدّامه…….بابا الاسمر حضرته مرسومة”

وتأكدت أن هذا البلد لن يخرجه مما هو فيه لا قيس ولا المتنبي ولا الحجاج…ولا حتى الشيخ حمد…شعب هذا البلد…يعشق لعق الحذاء الذي يركله…وهوايته ضرب البندير…من ابسط مواطن…إلى أتعس وزير… مرورا بالعمدة…والمعتمد…وسيدي المدير…و”خلّوا هكّاكه…خلوا هكّاكه”…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version