جلـ ... منار
المستنقع … والملعقة الصغيرة
نشرت
قبل 3 سنواتفي
يقول تولستوي، في رائعته “الحرب والسلام”:
How can one be well…When one suffers morally?
(كيف سيكون الإنسان بخير، عندما يعتلّ أخلاقيا؟؟)
وأنا أقول: عندما يكون المجتمع معتلا حتى نخاع عظمه، هل يعقل أن يكون أخلاقيّا؟!!
إذن، أصل العلة هو انعدام الأخلاق!
ومالم نعالج الجذر لن يكون هناك أمل في الشفاء….مادامت الثورة هي حرق مراحل، لا أستطيع أن أضع بيضة واحدة في سلتها!!!
فبناء جهاز أخلاقي يتم عبر مراحل طويلة وشاقة، وحرق أية مرحلة يساهم في تشويه ذلك البناء…
………..
تحضرني هنا قصة قرأتها عن رئيس وزراء بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية ولسون تشرشل…
يحكى أنه كان وزعماء “الحلفاء” مجتمعين في مقهى لمناقشة خطة الحرب …من باب الطرفة نظر أحدهم إلى حوض للسمك الصغير بجوار طاولتهم، وقال:تعالوا نحاول مسك هذه السمكة ولو نجحنا سنربح الحرب…فأخذ كل منهم يحاول بدوره أن يمسك السمكة دون جدوى.
عندما وصل الدور إلى تشرشل، وكان معروفا بدهائه وروح النكتة، أخذ ملعقة القهوة الصغيرة وراح ينقل بها الماء الذي تسبح به السمكة، ويلقيه خارج الحوض…ولمّا استهجن الجميع تصرفه، رد بهدوء: تلك هي الطريقة الأسرع لتفريغ الحوض من الماء، ومن ثمّ مسك السمكة!!
وأنا دائما أقول: في أغلب الأحيان وبعد فوات الأوان، تكتشف أنه ولكي تختصر الوقت كان عليك أن تأخذ الطريق الأطول!
لا تحاول أن تعالج جرحا كبيرا وعميقا ونازفا، نجم عن قذيفة مدفع، بلصاقة الجروح التي هي أصغر من بنصرك!
تلك الأمة هي أمة مشوهة خُلقا وخَلقا….تشوهت ببطء وبثبات على مدى 1400 سنة، ووصلت إلى مرحلة لم تعد تملك أبسط المقومات التي يجب أن تمتلكها أية أمة لتستمر….لا يمكن أن تُعالج كوارثها بلصاقة جروح، فطريق العلاج طويل جدا وشاق جدا جدا، ولذلك لم ـ ولن تنجح ثورة ـ تشتعل على أراضيها.
من يقوم بالثورة ليس مؤهلا أخلاقيّا أكثر ممن كان سبب اندلاع تلك الثورة!
لذلك، سيقتصر نجاح أية ثورة على استبدال طاغية بطاغية آخر، طالما الجميع ينهل من نفس المنبع!
هذه الأمة تحتاج إلى ثورة أخلاقية تبدأ بمائة مليون بلدوزر، كي تجرف أكوام القمامة المتراكمة عبر الزمن في تراثها، وتلقي بها في مزبلة التاريخ.
………..
لم تستطع أمة في تاريخ البشرية أن ترتفع بمستوى شعبها حضاريا وإنسانيا، إلا بعد أن رسمت حدا واضحا وصريحا بين الدين و الأخلاق!
ذلك الحدّ الذي تجسّده عبارة لمفكر أمريكي لم أعد أذكر اسمه، عندما قال:
Morality is doing what is right regardless of what you are toldReligion is doing what you are told regardless of what is right
(الأخلاق هي أن تفعل الصحيح بغض النظر عمّا قالوا لك، والدين هو أن تفعل ما قالوا لك، بغض النظر عن كونه صحيحا أم لا).
وبما أن الإنسانية تعني أن تفعل الصحيح، استطاعت تلك الأمم أن تحجّم أديانها،وتلتزم بشيفرتها الأخلاقية.حجرت الأديان في معابدها وجحور أتباعها، وبنت سلّما للأخلاق عانق رحاب السماء،فازدهر كل شيء وانتعش الإنسان عموما.بينما في الوقت نفسه، ظلت تحترم حق الإنسان في أن يتبع دينا، شرط أن يستخدمه كما يستخدم الملح في طعامه، قليله يحافظ على سلامة الجسد، وكثيره يسلب العافية!
………..
في القرن الواحد والعشرين يخرج عليك شيخ واعظا ومؤكدا أن الله يشرّع الاستمتاع بالرضيعة،ومص حلمات الموظفة، ونكاح الميتة، ونكاح أم الزوجة في حال مرض الزوجة، ونكاح البنت بالزنى، ونكاح الجهاد، وسبي النساء والغزو وسرقة الغنائم، وضرب النساء وتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف.بينما يغط الجميع في سبات عميق، ولا من أحد يحتج على وصم تلك الأمة،وتلطيخ سمعتها بهذا القبح!
على العكس تماما، يقف على يسار الشيخ رفيقه الـ “ليبرالي” التقدمي، متظاهرا بأنه لا يسمع ما يقال ولا يرى ما يُعمل به، ليشتم أمريكا ويعلق كل قاذوراته وفشله على شماعة الآخرين!
الأول يعدك بالجنة في السماء فتموت كي تراها، والثاني يعدك بالجنة على الأرض فتموت قبل أن تراها.
إنها الطريقة الأسهل ليهرب اللصوص والجبناء من مواجهة مسؤولياتهم.نعم، ليس أسهل من أن تلعب دور الضحية، وتزعق أن الذئب قد داهم الحظيرة،بينما “حراس” الحظيرة قد نهشوا لحم القطيع وسرقوا جلوده وكسروا عظامه، ولم يتركوا للمخدّرين بالوعظ إلا بعره!
لو لم تكن أمريكا موجودة لخلقوا أمريكا أخرى….فأمريكا “تبرر” ضحالة إنجازاتهم، وقذارة شوارعهم، وبؤس نسائهم،وعنانة رجالهم، وقهر أطفالهم….دائما يبحث الشرير في وعيه وفي ساحة اللاوعي عنده، يبحث عن مبررلشروره!وليس من مهمة أسهل عليه من خلق هذه المبررات،وخصوصا تلك التي تأتي ممهورة بختم “الله”!……لقد جحّشوا هذه الأمة عندما أقنعوها بأن الدين هو الأخلاق، وبأن الأخلاق أن تفعل ما يقولونه لك.والأسوأ من هذا وذاك، أن غيرك مسؤول عن جحشنتك!
………..
ليس من وسيلة لفكّ الجحشنة، إلا أن نستعير ملعقة تشرشل كي نجفف المستنقع، ونخرج السمكة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.وذلك بعد أن نحطّم كل الميكرفونات، ونضرب بعرض الحائط كل الثورات والمخططين لها من أشباه الرجال…
فردم المستنقعات ودفن الخرافات فيها هو الثورة الحقيقية، وهو أقصر طريق لتعيش حياة جديرة بأن تعاش!!
تصفح أيضا
وفاء سلطان:
مضى على وجودي في أمريكا 36 سنة.
لم أدخل يوما مطعما إلا وتركت للنادلة بخشيشا يفرح قلبها وفوق تصورها.
معظم الذين يخدمون بالمطاعم في أمريكا هم طلاب جامعات ليسدوا مصروفهم، فلقد اشتغل أولادي في المطاعم أثناء جامعاتهم وأعرف كم كان البخشيش هاما بالنسبة لهم.
إلا البارحة قررت أن لا أترك لها سنتا، لكن زوجي رفض القرار وقال كعادته: حرام!
(نعم هو ألطف مني في هكذا مواقف)
أوقح نادلة رأيتها في حياتي، تخبط الصحون على الطاولة وكأنها خرجت لتوها من معركة مع زوجة أبيها.
ضبطت أعصابي بشق الأنفس
لقد اعتدنا ان نفتح حديثا مع من يخدمنا في المطاعم حتى نعرف حياته من ألفها إلى يائها،
ولكن هذه النادلة لم تترك لنا مجالا لنقول: شكرا!
نحن نذهب إلى المطعم ليس من أجل الأكل فقط، بل لتغير الجو وتحسين النفسية، وعندما تقارب الفاتورة المائة دولار وتلقى هكذا معاملة تصاب بالإحباط
حسب رأيي خدمة الزبائن في أمريكا أفضل من أي بلد في العالم زرته، ولنفس السبب لم أحب دول أوروبا!
القاعدة العامة في أمريكا تقول: يجب أن تتعامل مع الزبون كما لو كان دوما على حق!
لو كانت ابنتي محلي لقالت: ماما ارجوكِ سامحيها، لا أحد يعرف كيف كان يومها
هذا صحيح، ولكن على من يشتغل في المرافق العامة وخصوصا المطاعم أن يكون لطيفا تحت أي ظرف!
الحياة لا تعاش إلا ببعض التنازلات، وعندما يتعلق الأمر بعملك يجب ان تتمتع ببعض القدرة على إخفاء آلامك الشخصية ولا تنقل طاقتك السلبية لغيرك!
طاقة كل إنسان تشدّ أو تحجب عنه رزقه، وذلك حسب طبيعتها
كنا ندفع على الأقل 20٪ من قيمة الفاتورة، لكن بعد تراشق بالنيران وشد شعر ترك لها زوجي مبلغا، وأنا أتمتم: يا خسارة
فالسلوك الذي يُكافأ يتكرر!
وفاء سلطان:
في الثمانينات من عمرها.
أحنى الزمن ظهرها قليلا، لكن روحها مازالت تعانق السماء.
التقينا في المكان المخصص لعربات التسويق على باب أحد المحلات.
وبينما هي تسحب عربتها التقت عيوننا فصبّحت علي.
رددت التحية، وتابعت: تبدين جميلة جدا، إذ من النادر أن ألتقي بامرأة بهذه الأناقة والترتيب!
فعلا الحياة الأمريكية العملية أنستنا الكثير من أصول الأناقة والتزين.
إلى حد ما، تعجبني هذه العفوية في أمريكا،
فلقد خففت عنا نحن النساء مهمة التبرج كل صباح، وزادت ثقتنا بأنفسنا.
لكن من ناحية أخرى، من الجميل أن نحافظ على أناقتنا ومظهرنا طالما لا نبالغ
نعم لا نبالغ، فلقد أصبحت الكثيرات من النساء اليوم نسخا متكررة من لعبة باربي:
قشرة من الخارج وفراغ من الداخل
المهم، أشرقت ابتسامتها حتى أضاءت وجهها المهندس بطريقة فنية غير مبتذلة، وقالت بعد أن وضعت يدها على كتفي:
حبيبتي كل سلوك تتقنينه عادة، فمتى تعلمتِ عادة تصبح طريقة حياة
ثم تابعت:
منذ سنوات مراهقتي لا أخرج من البيت حتى أتأكد من أنني أسر الناظر إليّ، فمظهرنا الخارجي يعطي الانطباع الأول
أكدت لها أنها فلسفتي كذلك، وتمنيت لها يوما جميلا
جلـ ... منار
من عياش إلى السنوار… “دوري” الإرهاب الصهيوني
نشرت
قبل 3 أسابيعفي
20 أكتوبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
اللجوء إلى منهجيات المقارنة يقتضي، بادئ ذي بدء ربما، اعتماد درجة الحدّ الأدنى من التكافؤ أو التناظر تارة، والتفاوت والتنافر تارة أخرى، بين مقارَن وآخر؛ الأمر الذي تتضاعف اشتراطاته، ومشاقّه استطراداً،
إذا كانت المقارنات تخصّ البشر عموماً، وفي ميادين مثل الأخلاق والنفس والسياسة والعقيدة خاصة. فليس من اليسير، في يقين هذه السطور، وضع قياديي “حماس”، ممّن استهدفتهم آلة الإرهاب الإسرائيلية في مواقع شتى وسياقات زمنية وسياسية مختلفة، على محكّ تقييمٍ مقارَن واحد أو متماثل؛ حتى إذا كان تسويغ هذا الخيار ينطلق من مبدأ المساواة، ضمن معايير سياسية أو عسكرية أو إيديولوجية، إيجابية أو سلبية، متَّفق عليها أو محلّ اختلاف. وحتى، أيضاً وربما قبلئذ، إذا ارتكزت المقارنات على مسلّمة ابتدائية وناظمة تضعهم، أجمعين، في خانة مقاومي كيان استعماري عنصري استيطاني فاشي المكوّنات وأبارتيديّ المسارات.
ثمة، بذلك، مقادير متقاطعة عليا من التكافؤ في مصائر الاستهداف الإسرائيلي لأمثال يحيى عياش (المهندس) والشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة وعبد العزيز الرنتيسي وسعيد صيام وصالح العاروري وجميلة الشنطي وإسماعيل هنية ويحيى السنوار؛ وثمة أيضاً، وفي المقابل الموضوعي أو الضروري، مقادير متقاطعة دنيا من التباينات الناجمة أصلاً عن الوظائف والدلالات والمصائر. طرائق النَيْل من المهندس أو السنوار، ليست مثل اغتيال الشيخ ياسين (قعيد الشيخوخة) أو هنية (النائم في فراشه)، والفارق لا يخفى بصدد الآخرين.
غير منتفاة بالتالي، بل هي ضرورة سياسية ومبدئية، مسألة التشديد على قاسم مشترك أوّل هو إرهاب الدولة الإسرائيلي بوصفه شكل تنفيذ هذه الاغتيالات، وإرهاب الدولة الصهيوني بوصفه المضمون العقائدي الذي يحرّك الدوافع من قلب “فلسفة” عتيقة ترى في الفلسطينيّ تهديداً وجودياً في ذاته وبذاته. وأياً كانت تفاعلات الشكل مع المضمون فإنّ توحّش إرهاب الدولة يلجأ، دون إبطاء، إلى إخراج الجغرافيا من المعادلة: “المهندس” ابن سلفيت في الضفة الغربية، متساوٍ مع السنوار سليل مجدل عسقلان المحتلة سنة 1948، وكلا الفلسطينييَن في خانة واحدة مع محمد الزواري… التونسي!
وليس عجباً أنّ الليكودي أرييل شارون كان مهندس اغتيال الشيخ ياسين؛ و”حكيم” حزب العمل، شمعون بيريس، كان الآمر باغتيال عياش؛ والليكودي الثاني نتنياهو كان على رأس حكومة الاحتلال يوم استشهاد السنوار. وليس من باب العجائب أنّ الثلاثة كانوا مجرمي حرب بامتياز، كلٌّ على طريقته وأفانين إجرامه، وأنّ تكوين دولة الاحتلال ظلّ ينحطّ من هاوية عنصرية إلى أخرى فاشية.
والحال أنّ منهجيات المقارنة الكلاسيكية ذاتها قد تعيد إنتاج مواضعاتها المألوفة، بين ماضي 1996 وحاضر 2024، على أصعدة حاسمة تخصّ ما هو عميق ومحوري في معمار “حماس” السياسي والعسكري والعقائدي. ذلك لأنّ أغراض الاحتلال من وراء اغتيال “المهندس” انقلبت ضدّها حين أفقدت قيادات “حماس” بعض ذرائع الاعتدال، وانتظار استكمال الانتخابات بوصفها الاستحقاق السياسي الفلسطيني الأبرز في ذلك الطور، وأفسحت المجال أمام انعتاق الحرج الآخر الذي كان يكبّل فصائل عز الدين القسام ويشلّ عملياتها.
وليس استشهاد السنوار ببعيدٍ، اليوم، عن منطق تطوّر مماثل تُضاف إليه اعتبارات عديدة فرضتها سيرورات “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة؛ إذْ قد يقبل امرؤ أنّ غياب السنوار عن المشهد الميداني في قلب المعركة المفتوحة يمكن أن يوجع المقاومة، وقد يساجل امرؤ آخر بأنّ الغياب ذاته قد يكون عتبة الوثوب إلى مراحل انتقال ليست أقلّ استكمالاً لتلك التي دأب عليها القائد الغائب.
“دَوْري” إرهاب الدولة الصهيوني تتعاقب فصوله، إذن، ولكن ليس من دون تبدّلات تقلب السحر على الساحر الإسرائيلي؛ كأنْ يفوّت السنوار على الكيان فرصة “اقتناص” على شاكلة شيخ في كرسيّ متحرّك، أو قيادي نائم في فراش.
ـ عن “القدس العربي” ـ
الديوانة التونسية… عرض لعملياتها النوعية الأخيرة
ورقات يتيم … الورقة 85
يوم الابتكار الصناعي بين تونس وألمانيا
إحداث مكتب بريد ببرج السدرية/الرياض
رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!
استطلاع
صن نار
- اجتماعياقبل 16 ساعة
الديوانة التونسية… عرض لعملياتها النوعية الأخيرة
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم … الورقة 85
- اقتصادياقبل يومين
يوم الابتكار الصناعي بين تونس وألمانيا
- اجتماعياقبل يومين
إحداث مكتب بريد ببرج السدرية/الرياض
- جور نارقبل يومين
رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!
- صن نارقبل يومين
انتخابات أمريكية: تزامنا مع فوز ترامب… الجمهوريون يسيطرون على الكونغرس
- صن نارقبل يومين
الاحتلال يلقي أكثر من 85 ألف طن من القنابل على قطاع غزة
- صن نارقبل يومين
ترامب يعود