كل واحد فينا، ومن وجهة نظر شخص آخر، هو شخص غريب الأطوار، إن لم يكن شخصا مجنونا!
ألم تقف يوما أمام شخص ما، وتردد بينك وبين نفسك:هل يعقل أن هناك نمطا من هذا البشر!
ليست هناك مقاييس دقيقة لتقييم البشر، فلكل منا مقياسه! ولكن بصورة عامة هناك بعض المقاييس المتفق عليها من قبل الأغلبية … دائما أحاول أن أتفهم وأبرر ما أراه غريبا في الآخرين، وأصر على ضرورة قبولهم في حياتي والتعامل معهم بأقل الخسائر النفسية، وليس بالضرورة المادية.لكنني أحيانًا أجد نفسي أمام فئة تكلفني جهدا كبيرا لأتقبل أطوارها الغريبة، واخشى إن فعلت أن يظنوا انفسهم أذكياء، واستطاعوا أن يضحكوا علي!
على سبيل المثال، تعرفت من خلال شابة على عائلتها الايرانية، بدت تلك العائلة ومنذ اللحظة الأولى للقائنا غريبة إلى حد الصدمة.
الأب رجل أعمال كبير وثري جدا جدا، بينما الزوجة والأولاد يعيشون شحا وقحطا يجبرك أن تشفق عليهم، فتكتشف لاحقا أنهم لا يقلون خبثا عن الوالد.ذلك الخبث الذي يغطونه بحلاوة اللسان وعذوبة الحديث.
لمدة أكثر من سنة وهم يزورون بيتي في كل مناسبة، وبغير مناسبة!
حتى صادف ودعونا إلى حفلة غداء في بيتهم، خرجت منها اتصبب عرقا خجلا من نفسي على نفسي!
قررت أن لا أعيدها، وعلى أن أحافظ على من أنا كما عهدوني، فاستمرت زياراتهم لي، وكنت في كل مرة أكثر ترحيبا من سابقتها احتراما لطبيعتي، وتجاهلا لطبيعتهم!
قد يستغرب أحدكم: لماذا أقبل هكذا دعوة؟ ولكن لو عرفتم مدى شغفي بمعرفة أنماط سلوكيات البشر، والدوافع النفسية وراءها لما استغرب أحد.
البارحة وصلتني رسالة من ابنتهم: – مرحبا وفاء، كيفك؟ خالي يزورنا من ايطاليا، وأمي تريد أن تعرف إذا كان بامكانها أن تطبخ بعض الرز وتجلب معها الحاجات لنعمل مشاوي في بيتك ونأكل معا.
استغربت العرض، لكن أجبت: صباح الخير عزيزتي،نعم بالتأكيد، أحب أن استضيفكم في بيتي،حددوا اليوم!
– ما رأيك الثلاثاء القادم؟ الساعة الخامسة بعض الظهر؟
– تمام، تعالوا في الرابعة إذا كان ذلك ممكنا!
يبدو أنه، وبعد تفكير عميق لحبك اللعبة، ردت: أمي قررت أن تطبخ الرز وتحضر السلطة، وعليك أنت تحضير اللحوم والكوك!
طبعا هم يعرفون أنني لم اقدم لضيوفي في حياتي المشروبات الغازية ولا أشتريها، ولا يشربون عندي إلا أفخر أنواع البيرة والنبيذ! ويريدون أن يبدو الأمر بريئا كي تكتمل اللعبة.
اجبت: لا أريدها أن تجلب معها شيئا على الاطلاق!
أنا متأكدة أن اساريرهم قد انفرجت، بعد أن ظنوا أنهم وفروا على أنفسهم صحنا من الرز وبعض الخس! ليس هذا وحسب، بل أنهم ضحكوا علي ومرروا المؤامرة بسلام.
سألتقي بهم الثلاثاء القادم، وستكون مائدتي عامرة كالعادة،وسأشعر بنشوة وهم يأكلون.ثم سأضحك ملىء رئتي لأنني انتصرت!!!!
انتصرت لأنني أشفقت على فقير حقيقي، ولأنني أعلم أن بعض الناس غريبو الأطوار، وأحاول جاهدة أن أقبل الجميع كي أحافظ على هويتي، واكتسب المزيد من المعرفة عندما يتعلق الامربالسلوك البشري.
ملاحظة هامة جدا: عندما أشرت إلى أن العائلة ايرانية، لم يكن قصدي الإساءة إلى هويتهم، فلدي أصدقاء ايرانيون ومن جميع شعوب العالم كرماء وأعتز بهم!