تابعنا على

جلـ ... منار

الهجوم على هيكل: زوبعة في فنجان صغير للقهوة العربية المُرّة (ج 2)

نشرت

في

محاكمة هيكل

أما إبراهيم سعدة فقد كانت له وقفات مع هيكل. فقد كتب سلسلة من المقالات يطالب فيها بمحاكمة هيكل وفق اتهامات السادات له بالعمالة. وكتب بالنص: “أن هيكل تعود الكذب والضحك على الذقون. فالكاذب يمكنه أن يكذب مرة أو عشر مرات ثم يفتضح أمره بعدها أما هيكل فإنه من النبوغ لدرجة أنه يكذب وينصب ويضلل ويزيف آلاف المرات ثم يسارع ويغير جلده بسرعه”.

وهناك مقال نشر في الأخبار بتوقيع “الأخبار” تحت عنوان: “أغنى اشتراكي في مصر يهاجم مصر”، وصل الأمر بهذا المقال لمعايرة هيكل بمؤهله الدراسي– دبلوم تجارة متوسطة- وببدايته المتواضعة ماديا ثم وصولا بشقته المطلة على النيل.

فكتب بالنص في المقال: “خريج الجامعة في مصر الذي يحمل شهادة جامعية لا يجد غرفة يعيش فيها لأنه غير اشتراكي. ومحمد حسنين هيكل يسكن في 16 غرفة ولا يحمل شهادة عليا فهو خريج مدرسة التجارة المتوسطة يجد 16 غرفة لأنه اشتراكي ولأنه فيلسوف الاشتراكية”.

مقال موسى صبري
مقال موسى صبري

ومن المفارقات أن إبراهيم سعدة كان أول صحفي يسارع بعد السماح لهيكل بالكتابة داخل مصر بأن يعرض عليه العودة للكتابة في أخبار اليوم. وبالفعل كانت أول عودة لهيكل لكتابة مقال بصراحة مرة أخرى في أخبار اليوم في فيفري 1986.

لماذا يكتب؟

وفي عام 1977 يعاود موسى صبري الهجوم على هيكل في سلسلة مقالات بعنوان “ماذا يكتب ولماذا؟”. والغريب أن موسى صبري يناقض نفسه لأنه يكتب المقالات عن هيكل ويحث في نفس الوقت على تجاهل ما يكتبه هيكل قائلا: “أعتقد أن تجاهل ما يكتبه محمد حسنين هيكل في ثلاث صحف تصدر في لبنان والكويت والأردن هو الأمر الواجب”.

ثم يعدد موسى صبري أسبابه الوجيهة لتجاهل هيكل الذي لم يستطع هو نفسه أن يتجاهله. بل بعد دعوته للتجاهل كتب مقالا آخر بعنوان “أتحداه أن يرد” والمقال الطبع موجه لهيكل. ولم يكن الهجوم على هيكل في السبعينات مقتصرا على الصحف الكبرى فقط. لكنه امتد إلى الصحف المحدودة الانتشار ومنها جريدة “تعاون الطلبة” التي كان يشرف عليها محمد صبيح ويكتب فيها أيضا الكاتب عباس الأسواني.

بصراحة

وكتب صبيح عام 1975 سلسلة مقالات يهاجم فيها هيكل بضراوة. وكذلك كتب الأسواني سلسلة مقالات في المقامة الأسوانية بعنوان”يزور التاريخ بوقاحة ويدعي كتابته بصراحة”. وعندما جاءت أحداث سبتمبر 1981 كان لهيكل النصيب الأوفر من الهجوم وبطبيعة الحال فتح السادات الباب للهجوم عندما أختص هيكل بأكثر من نصف خطابه يوم 14 سبتمبر 81.

وظهرت مانشيتات الصحف بهذه العناوين المقتطفة من خطاب السادات “هيكل كسب الملايين من صناعته وهي شتيمة مصر والتطاول على النظام– هيكل رجل لا يؤمن بالأديان- هيكل سار في ركاب الفتنة الطائفية– هيكل عميل أمريكي”. ويكتب ثروت أباظة في الأهرام مقالا بعنوان “لا عجب” يقول فيه: “كان هيكل هو البوم المشؤوم والغراب الناعق وزعيم النائحات في أفراحنا الحقيقية. وكان هو سوط سيده وكان مكبر الصوت الذي يعلن عقوباته البعيدة عن كل عدل أو منطق والبعيدة عن كل رحمة أو إنسانية. إننا أمام علامة في فن النفاق خبير لا يشق له غبار في ميدان النفاق…. “.

ويمكن تخيل ما كُتب عن هيكل في تلك الفترة والمقام هنا لا يسمح بذكر كل المقالات التي هاجمته. ولكن الأمر تكرر بعد عامين من حادث المنصة وتحديدا في أفريل 1983 عندما صدرت صحيفة الأهالي وعلى صفحتها الأولى عنوان “الأهالي تنفرد بنشر أحدث كتب محمد حسنين هيكل خريف الغضب”.

وما أن نشرت الأهالي الحلقة الأولى حتى توالى الهجوم. وفي العدد التالي الصادر يوم 20 أفريل كان العنوان الرئيسي “الحكومة تصادر كتاب هيكل عن السادات وتمنع نشره”.

مسؤولية المافيا الساداتية

ويكتب الدكتور عبدالعظيم أنيس مقالا في الأهالي بعنوان “مسؤولية المافيا الساداتية”. يقول فيه: “من الواضح لأي عاقل أن الضجة المفتعلة لم تكن في الأساس احتراما لذكرى من ماتوا كما أدعى عبدالرحمن الشرقاوي وإنما قامت هذه الضجة لأن الكتاب كان إيذانا بكشف الفضائح السياسية لمرحلة كاملة في تاريخ مصر”.

ويكتب صلاح عيسى مقالا بعنوان “رابطة صناع الطغاة” يهاجم فيه من يهاجمون هيكل ويصفهم بأنهم يبشرون بالدعوة لتقديس الحكام وتأليه الرؤساء والقادة. والمثير في قضية منع نشر كتاب «خريف الغضب» هو أن القضاء الإداري قرر عدم قبول الدعوى التي أقامها عدة محامون لوقف قرار وزير الداخلية بمنع جريدة الأهالي من نشر الكتاب وسبب عدم قبول الدعوى هو عدم وجود قرار رسمي من الأساس صدر من أية جهة في الدولة بمنع الكتاب.

ويواجه هيكل زوابع الهجوم عليه وهي الزوابع التي وصفها طيلة حياته بأنها زوبعة في فنجان صغير للقهوة العربية المُرة..

( عن “صوت مصر”)

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

دفاعا عن ماجدة الرومي

ردّاً على مقال: حين يعلو الجهل ويخفت الإدراك الموسيقي

نشرت

في

جمال فياض

في زمن تتكاثر فيه الأقلام المتطفّلة على النقد الفني، وتختبئ وراء قناع “المحبة الصامتة” لتبثّ سمًّا باردًا في جسد الإبداع، يطلّ علينا مقالٌ “غير ودّي” عن حفل السيّدة ماجدة الرومي في “أعياد بيروت”، لا يحمل من الحسّ النقدي سوى مفردات طبية سطحية ومصطلحات صوتية غير واضحة أو مبررة ومبتورة السياق.

إن الحديث عن انتقال الصوت من طبقة الـ”Soprano Lyric” إلى “Mezzo-Soprano” أو حتى إلى “Alto” هو كلام صحيح علميًا من حيث التدرج الطبيعي لأي صوت بشري، لكنه يصبح مضللاً عندما يُطرح كأداة للطعن، لا كظاهرة بيولوجية طبيعية يعرفها كل دارس حقيقي لفسيولوجيا الصوت. فحتى مغنّيات الأوبرا العالميات ينتقلن تدريجيًا في طبقاتهن مع التقدم بالعمر، دون أن يُعتبر ذلك سقوطًا فنّيًا، بل نضجًا صوتيًا وإعادة تموضع ذكي للريپرتوار.

أما مصطلح “Tremolo” الذي استخدمته الكاتبة، (وليتها شرحت لنا نحن البسطاء اللي فهماتنا على قدنا معنى المصطلح الذي زودها به أحد المطرودين من حياة الماجدة) وهي استخدمته على عماها فأساءت فهمه على ما يبدو. فالـTremolo ليس عيبًا صوتيًا بالضرورة، بل أسلوب تعبير ديناميكي مقصود في الأداء، يُستخدم في الموسيقى الكلاسيكية والشرقية، ويُضفي بعدًا دراميًا على الجملة الغنائية، لا سيما في الأعمال العاطفية أو الإنسانية. لكنه يتحوّل إلى “اهتزاز غير إرادي” فقط في حالات مرضية مُثبتة طبيًا، وهو أمر لا ينطبق على الماجدة ولم تثبته أي جهة موثوقة في حالة السيدة ماجدة، بل استنتجته الكاتبة بإذن نقدية هاوية غير مؤهلة سريريًا أو أكاديميًا.وربما بأذن مستعارة ، من شخص ما !!

إن وصف الكورال بـ”العكّاز الصوتي” يعبّر عن جهل صارخ بوظيفة الكورال في الموسيقى الكلاسيكية والحديثة وكل الأغاني على حد سواء. الكورال ليس ترميمًا لعيوب، بل جزء أساسي من البنية الهارمونية، يعمل كدعامة جمالية وتعبيرية، سواء في موسيقى “باخ” أو أغاني فيروز أو إنتاجات اليوم الحديثة. حتى أم كلثوم ختمت حياتها الفنية بأغنية فيها كورال ومسجلة في الستوديو، وهي أغنية “حكم علينا الهوى”، فهل غرام بليغ حمدي بإضافة الكورال على أغلب ألحانه كان “عكازاً” لوردة وعبد الحليم وكل من لحّن لهم؟ استخدام الكورال لا يعني ضعفًا بل انسجامًا مع شكل موسيقي راقٍ يسمّى “الهارموني الكورالي”.

أما التلميح إلى أن السيدة ماجدة الرومي “تصارع للبقاء”، فذاك تعبير درامي هابط يتنافى مع اللياقات كما مع حقيقة ما رأيناه وسمعناه: فنانة قديرة تتحكّم بمسرحها، تدير الفرقة بوعي موسيقي عالٍ، تؤدّي بجملةٍ صوتية مدروسة تحترم مساحة صوتها الحالية، وتوظّف إمكانياتها التقنية بإحساس رفيع دون أن تفرّط بكرامتها الفنّية. ذلك يسمّى في لغة الموسيقى “interpretative maturity” أي النضج التعبيري، وليس انهيارًا كما يحاول البعض التسويق له بلغة “فيسبوكية” مستهلكة.

وأخيرًا، المقارنة بين ماجدة وصباح وفيروز مضلّلة وغير دقيقة. فكل صوت حالة مستقلّة، وكل مدرسة غنائية تُقاس بمعايير مختلفة. وإن كانت فيروز قد اختارت الابتعاد، في مرحلة ما بعد السبعين ،فذاك قرار شخصي لا يُفرض كنموذج على الأخريات. لأن أم كلثوم ظلّت تغني حتى العقد الثامن من عمرها، وهي راعت كما هو معروف طبقاتها الصوتية منذ بلغت الستين من عمرها. وهذا ما ما فات كاتبة المقال ذكره.

نحن لا نصفّق من دون وعي، بل نُصغي بفهم. وما سمعناه من ماجدة في “أعياد بيروت” كان صوتًا لا يزال يُغنّي بروح تُحسن استخدام تقنيات الـVibrato Controlled، وتعرف متى تُمسك بالجملة ومتى تُسلمها للمرافقة الموسيقية، دون أن تفقد شخصيتها الأدائية.

السكوت الذي دعا إليه كاتب المقال باسم “المحبّة”، هو صمت الجاهلين. أما المحبّة الحقيقية، فهي أن نعرف الفرق بين الهبوط الصوتي، وبين إعادة توزيع القدرات وتكييف الأداء بما يليق بمقام الفنّ النبيل…

بكل مودة الزمالة…

شكراً ، لمن كتب بالسرّ، ومن نشر في العلن

أكمل القراءة

جلـ ... منار

النصر والهزيمة في حرب الـ (12) يوما!

نشرت

في

عبد الله السنّاوي

كان مثيرا ولافتا أن طرفي الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي امتدت لـ(12) يوما، يعتبر نفسه منتصرا.

فور وقف إطلاق النار خرج الإيرانيون إلى شوارع وميادين طهران يحتفلون بالنصر، يرددون الهتافات، ويتعهدون بمواصلة القتال في جولات أخرى.

عبد الله السنّاوي

بذات التوقيت، سادت التغطيات الإعلامية والسياسية الإسرائيلية نزعة انتصارية إجماعية.

ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” كلمة أطلق عليها “خطاب النصر”.

من الذي انتصر حقا؟!

أسوأ إجابة ممكنة إصدار الأحكام بالأهواء، وتنحية الحقائق جانبا.

إنها جولة في صراع طويل وممتد، تليها جولات أخرى بعد وقت أو آخر.

القضية الفلسطينية جوهر ذلك الصراع.

لم تكن من أعمال المصادفات عودة الزخم مرة أخرى إلى ميادين القتال في غزة فور وقف إطلاق النار على الجبهة الإيرانية.

“حان وقت التركيز على غزة لإنهاء حكم حماس واستعادة الرهائن”.

كان ذلك تصريحا كاشفا للحقائق، أطلقه رئيس الأركان الإسرائيلي “إيال زامير” في ذروة دعايات النصر.

إنهما حرب واحدة.

هكذا بكل وضوح.

أكدت المقاومة الفلسطينية المعنى نفسه في عملية مركبة بخان يونس، أوقعت أعدادا كبيرة من القتلى والمصابين، وأثارت الفزع في صفوف الجيش الإسرائيلي.

لا يمكن إنكار مدى الضرر الفادح، الذي لحق بالمشروع النووي الإيراني، جراء استهدافه بغارات إسرائيلية وأمريكية مكثفة ومتتالية.

هذه حقيقة.. لكنه يستحيل تماما أي زعم إنها قوضته، أو أن أمره انقضى.

لم يتمالك الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، الذي انخرط بصورة مباشرة وغير مباشرة في الحرب على إيران، أعصابه فأخذ يكيل الشتائم المقزعة لمحطة “سي. إن. إن”، على خلفية تشكيكها في روايته.

“إنها حثالة”!

لم يكن لديه دليل قطعي أن العملية الأمريكية، التي استهدفت ثلاث منشآت نووية، “أصفهان” و”ناطنز” و”فوردو” الحصينة في أعماق الجبال، حققت أهدافها.

حسب تسريبات عديدة فإن السلطات الإيرانية نجحت في نقل اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزية من تلك المنشآت قبل قصفها بقاذفات (B2) إلى أماكن أخرى آمنة.

التسريبات شبه مؤكدة بالنظر إلى عدم حدوث تسرب إشعاعي، أو تلوث بيئي إثر تلك الضربات، التي استخدمت فيها قنابل عملاقة لأول مرة.

يصعب التسليم بـ”الإنجازات” الإسرائيلية في ضرب المشروع النووي الإيراني دون فحص وتأكيد.

بقدر آخر فإنها لم تحقق نجاحا يذكر في تقويض المشروع الصاروخي الباليستي، الذي أثبت قوته التدميرية ودرجة تقدمه، التي ألزمت الإسرائيليين البقاء في الملاجئ لفترات طويلة.

قبل وقف إطلاق النار مباشرة بدت الضربة الصاروخية في بئر السبع، تأكيدا أخيرا على درجة عالية من الفشل الإسرائيلي في إضعاف القدرات الإيرانية.

ثم تبدى الفشل فادحا في طلب إثارة الفوضى بأنحاء البلاد، تفضي تداعياتها إلى الإطاحة بنظام الحكم.

بحقائق الجغرافيا والتاريخ والحضارة، إيران ليست دولة صغيرة أو عابرة.

إنها مع مصر وتركيا الركائز الكبرى في حسابات الإقليم، مهما جرى لها، أو طرأ عليها من متغيرات سياسية.

بقوة إرثها التاريخي تحركت الوطنية الإيرانية لرفض الاستسلام بلا شروط لـ”السلام عبر القوة” حسب تعبير “ترامب”.

تحت الخطر الوجودي توحدت إرادتها العامة، بغض النظر عن أية تحفظات على نظام الحكم.

كان المواطن الإيراني البطل الأول في التصدي لتغول القوة الأمريكية والإسرائيلية.

أبدى الإيرانيون قدرة لافتة على الإحلال في مراكز القيادة والسيطرة تحت أسوأ الظروف، بعدما نال العدوان من قيادات عسكرية وعلمية ذات وزن ثقيل في الضربة الافتتاحية.

في حرب الـ(12) يوما تبدى شيء من التعادل الاستراتيجي، الطرفان المتحاربان تبادلا الضربات الموجعة.

فرضت السلطات الإسرائيلية تكتما مشددا على حجم الأضرار التي لحقت ببنيتها التحتية والعسكرية؛ جراء الضربات الإيرانية، حتى لا يفضي النشر إلى زعزعة ثقة مواطنيها في قدرة جيشهم على المواجهة.

فاقت الخسائر الباهظة أية طاقة على الإفصاح، لا عرفنا عدد القتلى والمصابين، ولا ما هي بالضبط المواقع الاستراتيجية، التي استهدفت، ومدى الضرر الذي لحقها.

المعلومات المدققة من متطلبات إصدار الأحكام.

بصورة عامة تقارب الحقيقة فإننا أمام حالة “لا نصر ولا هزيمة”، غير أن إسرائيل يمكن أن توظف مجريات الحرب لإثارة اليأس من كسب أي معركة ولو بالنقاط.

بدا المشهد الختامي ملغما بالتساؤلات الحرجة.

وجه الإيرانيون ضربة رمزية لقاعدة “العديد” الأمريكية، لتأكيد حقهم في الرد على العمل العسكري الأمريكي داخل أراضيهم ضد ثلاث منشآت نووية.

أُبلِغت مسبقا السلطات القطرية باستهداف القاعدة القريبة من العاصمة الدوحة خشية ردات فعل سلبية.

نُقِلت إلى الأمريكيين فحوى الرسالة الإيرانية.

كان ذلك عملا احترازيا، حتى لا تفلت الحسابات، في وقت توشك فيه الحرب على الانتهاء.

وصفت الضربة الإيرانية بـ”التمثيلية”.

الأقرب للحقيقة، إنه سوء تقدير فادح، لم يكن له لزوم، أو ضرورة، أربك البيئة العربية العامة المتعاطفة مع إيران، كما لم يحدث من قبل.

أثارت الضربة الرمزية شكوكا وظلالا لا داعي لها.

بقوة الحقائق كانت الحرب على وشك أن تنتهي.

الخارجية الإيرانية تشترط وقف الهجوم الإسرائيلي قبل العودة إلى المفاوضات مرة أخرى.

والحكومة الإسرائيلية تطلب وقفا فوريا لإطلاق النار، تحت ضغط الترويع، الذي ضرب مواطنيها، إذا ما وافقت طهران.

الجانبان المتحاربان يطلبان لأسباب مختلفة وقف إطلاق نار.

هكذا توافرت أمام “ترامب” فرصة للتخلص من عبء الحرب على شعبيته.

لم تكن إسرائيل مستعدة لأي اعتراف، بأنها لم تحقق أهدافها من الحرب، لكن الحقائق وحدها تتكلم.

أكمل القراءة

جلـ ... منار

السوق والنساء

نشرت

في

د. أحمد خالد توفيق

أعصاب المرأة قوية في أمور عديدة، لكن الموقف الذي يجمد الدم في عروق معظم الرجال ولا يجسرون على تصوره هو عملية الشراء …

لا أعتقد أن عنترة بن شداد الذي صارع الأسُود في الوديان المقفرة بيده العارية، كان يجسر على القيام بهذا النشاط الأنثوي المعتاد: الدخول إلى محل لمشاهدة كل شيء واستعراض كل شيء والسؤال عن كل شيء، بينما هو لا ينوي الشراء وجيبه خاو تماماً. رأيت الكثيرات يفعلن هذا العمل البطولي، بينما أعترف لك بأنني اشتريت أشياء كثيرة جدًا في حياتي لمجرد أنني خجلت من البائع.

يحكي أنيس منصور في كتاب (200 يوم حول العالم) أنه كان في سنغافورة يستمتع بمشاهدة التنسيق البديع في محل للخضراوات والفاكهة، هنا اقتنصه بائع .. ووجد أنيس نفسه يغادر المحل وهو يحمل ثياباً داخلية باعها له الرجل دون أن يطلبها منه، ولا يعرف سبب وجودها في محل للفاكهة!

كلما تقدمت السيدة في السن ازدادت ثبات أعصاب ولم تعد تشعر بالحرج على الإطلاق. عرفت سيدة من هذا الطراز تذهب لشراء شيء .. تعرف أن ثمنه مائة جنيه … أقول لها وأنا أهرع خارجاً من باب المتجر:

“ـ “انتهى الأمر .. هيا بنا ..فمهما خفضت السعر سيظل عالياً ..

لكنها تقف في ثبات وتنظر إليّ منذرة كي أصمت .. هذه معركتها وقد احتشد الأدرينالين في دمها حتى ليوشك على أن يسيل من أنفها.

تقول للبائع في ثبات:

ـ “عشرون جنيهاً!”

أُوشِكُ على الفرار لكنها تطبق على معصمي بقوة: اِنتظر ولا تكن رعديداً…

البائع يضحك في سخرية ويقسم بقبر أمه أن ثمن هذا الشيء 85 جنيهاً… مكسبه خمسة جنيهات لا أكثر … لكنها تبدو مصممة، وفي النهاية تقترح ثلاثين جنيهاً. ..

يدور الفصال المرهق الذي يستمر ساعات عدة… البائع يقسم بقبر أمه ألف مرة… صحيح أن السيدة المسنة الجالسة هناك هي أمه، لكنك تقبل هذا باعتباره من آليات التسويق..

في النهاية تظفر السيدة التي أرافقها بسعر لا يوصف… أربعون جنيهاً … لكنها غير راضية .. تشعر بحسرة لأن هذا يعني أنه كان بوسعها أن تصل لسعر أقل ..

أربعون جنيهاً … هذا نصر مؤزر ..

تخرج من حقيبتها عشرين جنيهاً وتؤكد:

ـ “ليس معي سوى هذه .. يمكنك أن تعوضها في المرة القادمة ..”

لكن البائع يكون قد بلغ درجة البله المغولي .. لا يعرف ما يقول ولا ما يشعر به. يريد الخلاص منها بأي ثمن لذا يوافق .. هنا تناوله المال وتطلب منه:

ـ “سأقترض منك خمسة جنيهات لأنك لم تترك لي نقوداً أعود بها لداري”

أمد يدي لجيبي لكنها تباغتني بنظرة مرعبة .. لا تفسد كل شيء علي .. يا لك من غبي ..

يناولها البائع خمسة جنيهات وهو زائغ العينين لا يعرف ما يدور من حوله، فلو طلبت منه مفاتيح بيته أو رقم حسابه في المصرف لأعطاها بكل سرور .. الحياة بالنسبة له تنقسم إلى ما قبل لقاء هذه السيدة وهو مرحلة سعيدة، وما بعد لقائها وهو جحيم ..

في النهاية نغادر المتجر حاملين الشيء الذي كان سعره مائة جنيه فصار خمسة عشر .. تقول لي في حسرة:

ـ”ربما لو بذلت مجهوداً أكبر لصار بعشرة جنيهات”

ـ “لو بذلت مجهوداً أكبر لأعطانا البائع مالاً أو أهدانا المتجر كله ليتخلص منا”

ـ “لا أحب أن يخدعني أحد”

ولأنها لا تحب أن يخدعها أحد فهي تحطم أعصاب الباعة وعقولهم في كل مكان. كما قلت لك تملك النساء أعصاباً أقوى من الرجال بكثير، ولا يمكن أن نحلم أن نكون مثلهن تحت أية ظروف..

أكمل القراءة

صن نار