الهوى … هوايا زادة !

في زمن ما كنّا نحن عشاق الفن السابع ابدا ان نفوّت الفرصة لمشاهدة احد افلام العندليب ….كيف يكون ذلك ونحن من دأبنا منذ طفولتنا على تشنيف اسماعنا باطباقه ؟؟ تماما كما يفعل “جينتيات” (جمع جينتي) هذا الزمن مع كافون والدلاجي وزازا ...

كنّا بحقّ وقتها نعرج الى قمم السحاب وعبد الحليم وشادية يطوفان بنا في عوالم “معبودة الجماهير ” وكنّا نغبطهما على “كوبلوهما” (من كوبل) الجميل الانيق الرشيق، وكنا بحقّ نؤمن او هكذا نظنّ انّ عبدالحليم “مريقل” مع شادية وانّ ـ الفراشة ـ مريقلة هي ايضا مع حلّيم …رغم انّ شادية حتّى وان تزوجت عماد حمدي فلا العماد ولا حليّم كانا حبّها الكبير ..بل كانت بوصلة قلبها في اتّجاه الكروان الحزين فريد الاطرش …

وحتّى لا أفتكّ من الكبير الطاهر المليجي اختصاصه في توثيق حياة الفنانين …اعود لعندليبنا و إلى عمل سينمائي اخر وهو الاخير في مسيرة حليّم السنمائية _ ابي فوق الشجرة _ فيلم انذاك شغلنا جميعا كمراهقين …ظهر سنة 1969 وحقق ارقاما قياسية _ عُرض مثلا في مصر 58 اسبوعا متتالية …والحال كذلك في تونس …كنّا انذاك نشاهده مرّات ومرّات وكنّا نتراهن حسابيّا على عدد قبلات حليّم لنادية لطفي ..وكنّا نختلف في العدد فنعود لمشاهدة الفيلم بدعوى التثبت في الحساب …ولكن ابدا ان حصُل اتفاق على العدد …ليس لضعفنا الفادح في مادة الرياضيّات بل لأنّنا كلّ مرة نُعيد مشاهدة الفيلم نغرق الغرق اللذيذ في _ ظمآن والكاس في يديه والحبّ والفنّ والجمال _ لا علينا عساكم ان لا تغرقوا في ( جاء يلعب يخخي حصل ) ! … والفارق شاسع بين النهر الخالد والفسقيات العفنة …

في فيلم ابي فوق الشجرة غنّي عبدالحليم خمس اغنيات من ضمنها _ الهوى هوايا _ يقول مطلعها _ الهوى هوايا _ ابنيلك قصر عالي _ واخطف نجم الليالي _ واشغلّك عقد غالي _ يضوي لاحلى الصبايا _ الصورة جميلة جدّا شاعرية جدا .. ورومنسية هلبة …لكنّها تأخذ ابعادا مغايرة تماما في رقعة الشطرنج السياسية …جل السياسيين في تاريخ تونس منذ الاستقلال الى يوم الناس هذا اعتبروا تونس هواهم هم ولا حقّ لايّ كان في منازعتهم ولو في لقشة “صغنّنة” منها …هاي هاي هاي …تونس هي ايضا هوانا وقرّة عيننا ومُنانا … تونس هي ايضا متاعي ومتاعك يا قدّور ومتاعك يا واد انت ويا سلامة ….تونس هي ايضا متاع خونا الجزار والخضّار والحمّاص ورافع زبلتنا والمعلّم والتلميذ والطالب ..تونس هي متاع امّي وامّك رحم المرحومات منهنّ واطال عمر الاخريات …

هاي هاي هاي …يا سعيّد ويا ويا عبّو ويا اللي ما عبّوش ويا حمّة ويا هاكة الجماعة …لن نقبل لايّ كان منكم ألاّ يشرّكنا في حبّ تونس فعلا وقرارا . ويستاثر بها لنفسه ماناش كرّاية او صوانع عندكم …احنا حجر الواد _ اضرب عندك يا ولد الواد _ ..نحن لسنا محترفي ومنحرفي سياسة لنخرج مع او ضدّ الانقلاب اولائك الاقوام لهم حساباتهم الرخيصة ونحن لنا اغلى كنز ..حبّ تونس الخضراء التي نهيم بها كما لم يهم بها احد منكم …

هم يخرجون بشعارات في ظاهرها رحمة وفي باطنها الف نقمة ونقمة وفقط من اجل ابتلاع كامل اللقمة ونحن ان لم تستحوا ولا اظنكم تستحون سنخرج يوما في اعظم حشد جماهيري رافعين شعارا واحدا في وجه تلك الشرذمة السياسية: الهوى هوانا ايضا …_ ولن نفرّط فيه …تونس هي النهر ونحن مجراه ومرساه …