ضوْءُ نار
انقطعتُ عن التدخين، بسبب نصيحة صادقة
نشرت
قبل 4 سنواتفي
يقول المثلُ العاميّ “إذا نَصْحِك التاجر راهي شطر النصيحة ليه” وهذا القول ينطبقُ على تّجّار البضائع وأيضا وخاصّة على تُجّار السياسة.
فعندما أرى سامية عبّو تنصح الرئيس قيس سعيّد بإستعمال قانون الطوارئ ووضع عدد من الفاسدين (وتقصد منافسيها السياسيين) رهن الإقامة الجبريّة ينتابني الضحك، وعندما أرى زهير المغزاوي يشارك في الحوارات التلفزية ويؤكد انّ حركة الشعب ( وانا أرجوه أن ينشر عدد منخرطيها) قد نصحت الرئيس بعدم التفاوض مع الحزام السياسي للمشيشي ( وهي الأحزاب ذات الأغلبية البرلمانية) أكاد أقول “بجدّك ولاّ تفدلك يا الزُّو” ؟
وعندما أسمع زهير حمدي الأمين العام للتيار الشعبي ينصح الرئيس “بإعلان خارطة طريق لإنقاذ البلاد تكون بمثابة الأفق السياسي للشعب” وتزيل الغموض من حول رئيس الجمهورية الذي “نجح في تعطيل الكثير من مخططات حركة النهضة والمافيا المتحالفة معها ونجح في إدارة المعركة في جانبها الدستوري والقانوني” أفهم إن هذه النصائح هي في الحقيقة “تعمير” الرئيس على خصوم زهير حمدي الذين “غلّبُو عليه”.
هذه النصائح الكاذبة ذكّرتني بنصيحة صادقة سمعتها منذ أكثر من 45 سنة ولازلتُ اتذكّرها إلى الآن. فما لا يعرفه عني أصدقائي وأقاربي أنني كنتُ في زمن بعيد “أشرب سقاير” … كان ذلك أيام بداية دراستي الثانوية وتحديدا في السنة الثانية والثالثة ثانوي بالنظام القديم، حين كنت ادرس في المعهد الثانوي بباب الخضراء أيام كان مديره سي الدامرجي والقيّم العام سي صيود، قبل أن أتوجّه لشعبة الآداب بالمعهد الصادقي.
كنتُ خلال السنتين المذكورتين أتسلّم من الوالد رحمه الله 100 ملّيم يوميا لتناول كسكروت ولكنني كنتُ أشتري بثمنه علبة سجائر “خضراء” ووقيدة (تلك التي أعوادها ملتصقة بالغلاف) وأقضي النهار بين الدراسة والتدخين، وكان هناك مجموعة من الاصدقاء المشجّعين على “السواقر” ومجموعة أخرى تنهى عنه، وأذكر أنّ من بين أصدقاء الدراسة وقتها صديقي شكري المبخوت الاديب والروائي الكبير حاليا، ولا أتذكّر إن كان شكري من المدخنين أم من غيرهم آنذاك.
وصادف أنّ الأستاذ الشاعر الكبير الميداني بن صالح (رحمه الله) درّسنا مادة التاريخ والجغرافيا (كانت مادة واحدة مدمجة) خلال السنة الثالثة ثانوي، وتفطّن بذكاء أهل الجريد انّ عددا كبيرا من التلاميذ يدخّنون خارج المعهد، فخصّص إحدى الحصص لموضوع التدخين رغم انه كما أسلفتُ أستاذ تاريخ، وأذكر أنه روى لنا حادثة ( حقيقية أم إختلقها ) حيث روى لنا أنه في أحد مهرجانات الشعر العربي التى انتظمت بلبنان في الستينات، أصابته نوبة صحيّة حادة دفعت بهيئة المهرجان لنقله للمستشفى على وجه السرعة. وهناك وبعد الكشوفات اللازمة، عرض عليه الطبيب صورة بالأشعة تظهر من خلالها رئتان مهترئتان بسبب النيكوتين وقال له: الآن لك الاختيار بين الموت أو الإقلاع عن التدخين.
يقول أستاذي رحمه الله أنه نظر للطبيب وقال له أرجوك يا دكتور ناولني آخر سيجارة في حياتي، فضحك الطبيب وطلب له سيجارة من أحد العاملين بالمستشفى، فاخذها ودخّن نصفها ثمّ داس على النصف المتبقّي، وكانت فعلا آخر سيجارة في حياته حسب ما أخبرنا. يومها عدّل أستاذي نظارته وقال لنا: التدخين عدوّكم الحبيب، فأنتم تضعونه في جيوبكم وتأخذونه إلى حيث تذهبون فلا تشعرون بخطره إلاّ عندما يشارف على القضاء عليكم، وخطر السيجارة الواحدة كخطر علبة كاملة… والآن أنتم أحرار، من يريد مواصلة التدخين فله ذلك ومن أقلع عنه فقد فاز بجلده.
بقيت صورة الرئتين المهترئتين والنصيحة الصادقة التي لمستها ولمسها أغلب أصدقاء الدراسة وقتها من أستاذنا المرحوم الميداني بن صالح عالقة في ذهني إلى اليوم… ومن ذلك اليوم إنقطعتُ -وكذلك عدد من أصدقائي التلاميذ- عن التدخين واندثر ذكراه لديّ مثلما إندثرت من السوق سجائر “خضراء” و”أرتي” و”حلّوزي” و”حواء” و”الكواكب” و “الجيش” … فشتّان بين من ينصحك لمصلحتك، و بين من ينصحك وكلّ النصيحة له.
تصفح أيضا
ضوْءُ نار
رولان بارت … في “يوميات الحِداد”
نشرت
قبل سنتينفي
7 يناير 2023من قبل
صالح السيد Saleh El Sayyidرولان بارت (1915-1980) أحد الأعلام الفرنسيين الكبار في التيار الفكري المُسمّى مابعد الحداثة، تنوعت أعماله لتغطي مجالات عدة، وقد أثر على تطور مدارس نظرية في كل من: البنيوية، السيميولوجيا، الوجودية، النظرية الاجتماعية، الماركسية، وما بعد البنيوية… و برزت أسهاماته واضحة في مجمل الثقافة الإنسانية .
“يوميات الحداد “هى أحدث ما تُرجم إلى العربية من كتابات “رولان بارت” ضمن إصدارات المركز القومي للترجمة بالقاهرة، إعداد وتقديم “ناتالى ليجير” وقد ترجمته من الفرنسية “إيناس صادق”.
بدأ بارت كتابة هذه اليوميات في اليوم التالى لوفاة والدته في الفترة من 26 أكتوبر 1977 وحتى 15 سبتمبر 1979، كان يكتب بالحبر وأحياناً بالقلم الرصاص على بطاقات كان يعدّها بنفسه من أوراق ذات مقاس موحد كان يُقطّعها إلى أربعة أجزاء وكان يحتفظ دائماً باحتياطي منها على منضدة عمله، وقد تم تحريرها أساساً في باريس وأورت بالقرب من بايون وبعضها في تونس و المغرب حيث كانت تتم دعوة بارت بانتظام للتدريس هناك .
و تذكر “ناتالي ليجير” أنه فى أثناء كتابة اليوميات كان بارت يقوم بتحضير دراسته عن “المحايد” في الكوليج دي فرانس وكتب “الحجرة المضيئة” وقام بتحرير الأوراق الخاصة بمشروعه “فيتانوفا- حياة جديدة” وقام بتحضير دراسته المزدوجة عن “إعداد الراوية” في الكوليج وأساس كل من هذه الأعمال الكبرى أنها تندرج كلها بوضوح تحت معنى موت الأم. (1)
كيف لبارت الذي يقول عن نفسه إنه: هوية بلا تحديد ولا جوهر ثابت، إشارة حرة، دال عائم بلا مدلول، روغان لا نهائي وانتهاك لكل التخوم والحدود، أن يقع في شَرَك الحزن ويتسربل عالمه بالحداد !؟ (2)، وهل استطاع أن يواجه الموت الذي لحق بالأم، هل تملّكته الجسارة أن يزيل الوهم عنه، أن ينفذ إلى داخله ويحيط بشموليته أو يتحرر منه؟
تتجسد في يوميات الحداد نزعة كتابية تؤكد أنه لا يمكن قول كل شيء أو بالأحرى لا يمكن قول الجديد والأشد تطرفاً إلاّ بشرط التخلي عن الكلية وتدميرها، كتابة تصير متقطّعة على نحو متزايد، كتابة يشكل فيها الجزء في حد ذاته استحالة قول كل شيء، وذلك على النقيض من اختيار شكل أدبي مثل اليوميات الذي يقضي بالعكس بقول كل شيء، بالبوح بكل شيء خاص بالحياة .(3)
وتعد هذه النزعة امتداداً لأسلوب بارت الذي يُفضّل الكتابة الشذرية لأنه يرى أن الكتابة في الحقيقة ليست شيئاً سوى البقايا الفقيرة والهزيلة للأشياء العظيمة الموجودة في دواخلنا، وأن ما ننتهي إليه في الكتابة هو الكتل الصغيرة الشاذة الغريبة بالمقارنة مع النسيج المعقد المنسجم الأجزاء الموجود داخلنا، فهو لا يشيّد بناءً كلياً كاملاً بل يعمل على ترك بقايا وفضلات متنوعة ظاهرة للعيان .(4)
ينفتح استهلال اليوميات على طقس الرحيل، كصدمة نفسية بين جدلية الموت/الحداد،العُرس/الفرح تلك اللفتة التي بدأها بارت في 26 من أكتوبر 1977 في اليوم التالى لوفاة الأم، بطاقة صغيرة كتب عليها التاريخ خطين فقط :
“أولى ليالي العُرس،ولكن أول ليلة حداد !”، لفتة يترك فيها غالبية المساحة إلى بياض الورق ومن خلال هذا الاختصار وعن طريق الاستخدام المنقوص للمساحة البيضاء تمنح إذناً بعدم قول كل شيء.
إذا كان الموت هو الحد النهائي الذي يتحدى القيم، ويُكذّب شتى مزاعم الإنسان، ويُلقى على كل ما في وجودنا من آمال ظلال الفناء الأسود البغيض، فإن بارت بحساسيته الغنية يكشف عن كل ما تحمله هذه الواقعة في أنظارنا من معاني الغرابة واللاواقعية والاحتمالية والالتباس والشك وعدم اليقين وهي تجهز على القدرة على التعبير والكتابة :
“هناك وقت يصبح فيه الموت حدثاً ومغامرة، وبهذا المعنى يحرك ويثير الاهتمام ويشد وينشط ويصعق ثم في يوم ما لا يعود حدثاً ولكن فترة أخرى مكدسة لا معنى لها لا تُحكى، مغتمة، ميئوس منها: حداد حقيقي غير قابل لأية جدلية سردية “
وعندما تعجز اللغة، ويتخذ اليأس منحنى درامياً،يخرج بارت من قبو الأرض العلامات الأقدم والأكثر شيوعاً، الحجر الذي هو التجريد النقي، العلامة ذاتها الأصلية التي تنسلخ من ألعاب اللغة، من الثرثرة:
“يأس: الكلمة استعراضية إلى درجة كبيرة،لكنها جزء من اللغة/الحجر”، كما يعود الحجر كإشارة فريدة، بدائية، ونهائية لكل تعبير، هذا ما يؤدي إليه الحزن المفرط: “الحزن مثل حجر .. مُعلّق في رقبتي، وفي أعماق نفسي “
تكتسب الأم عند وفاتها قيمة انطولوجية لا سبيل إلى تعويضها أو استبدالها أو الاستعاضه عنها بغيرها، وهنا يرتفع عن الموت طابع الغياب المطلق وتتبدى الأم وكأنها حاضرة أمامه وجها لوجه، ولكن ما الذي ينتمي إلى ماهية الشخص حينما يكف الجسم في غمار حدث الموت، عن أن يكون موجوداً؟
تظهر أطياف الأم في مشاهد عديدة في اليوميات، وهي تعكس حالات متباينة في العلاقة بينهما، فمنها ما يؤكد المحاكاة في السلوك إلى درجة التماهي التام مع الأم – وإن كان ذلك لا يمنع تداخل خطاب يشي بالسخرية المريرة – وهو عنف موجه ضد الذات كأثر واضح للحزن المترسب:
“نحو السادسة مساءً: كانت الشقة دافئة ومريحة ومضيئة ونظيفة، قمت بذلك بقوة وتفان (كنت استمتع بذلك بمرارة) منذئذ وإلى الأبد أصبحت أنا نفسي أمي نفسها”.
ومن ناحية أخرى تظهر الدرجة القصوى من الحنو والشفقة – والأم تحتضر- تجاه الابن وهي تتلمّس راحته:
“كنت أتجول كيفما كان عبر الحداد، وكانت النقطة الشائكة تعود ثابتة بلا انقطاع: الكلمات التي قالتها لي في أثناء سكرات الموت والمركز المجرد والجهنمي للألم الذي يغمرني (“حبيبي ر.،حبيبي ر.”-أنا هنا- “أنت غير مستريح في جلستك”).
فبينما يتكرر نداء الأم مرتين تأتي إجابة بارت وحيدة جافة تدل على الوجود كشيء أساسي “أنا هنا” للحي، ساعتها تجيب من على وشك الموت إنها تشفق عليه، وهو قد تحجر واستنزف القدرة على الكلام لأنه معزول عن العالم – في موطن مجرد وجهنمي من الألم- ولكن هيهات للأم أن تكف عن شفافيتها العميقة، وهو حبها الراسخ .
كما ينتقل الحنو/الشفقة إلى منطقة جمالية، إذ تنتصب الأم -هكذا يتخيلها بارت- في رفض صارم لرداء الحداد، أو عتمة العالم، وكأنها تقول له: رفّه عن نفسك أو عش حياتك كما ينبغي :
“معطفي حزين بنفس درجة الكوفية السوداء أو الرمادية التي كنت ألبسها دائماً، يخيل إلىّ أن ماما لم تكن تتحملها، أسمع صوتها وهي تقول لي: ضع قليلا من الألوان، لأول مرة إذن أرتدي كوفية ملونة (سكوتش)”.
تتبدى حالة التمزق العاطفي والنفسي والفكري لبارت بين رفض فكرة الخلود ومعاودة الإيمان بها، ويأتي هذا في إطار أن اليوميات تشكل إطارًا للاعتراض ضد حضارته والثقافة التي يسكنها وهو يلجأ إلى مساحة أخرى، مساحة تعبير مختلفة، إنه الشرق العربي -المغرب- في قرية مولاي بوسلهام الساحلية في منتصف الطريق بين الرباط وطنجة، حيث يشهد لحظة عميقة من الابتعاد عن الحاضر والثقافة الأوروبية حيث يُكتب شيء في السماء، في مساء الصيف، بتحليق السنونو ويشهد على علامة وجود الأرواح،خلودها:
“رأيت طيور السنونو تطير في مساء الصيف، قلت لنفسي – وأنا أفكر بحزن شديد في ماما- أي تخلف في عدم الإيمان بالأرواح وبخلود الأرواح ! أية حقيقة غبية هذه المادية!
_______________________________________
الهوامش :
1 – رولان بارت “يوميات الحداد “: نص وضعته وفسرته ناتالي ليجير، ترجمة إيناس صادق، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولي 2018م.
2 – هكذ يتحدث بارت عن نفسه في كتابه رولان بارت بقلم رولان بارت ص 15
3 – اريك مارتن: رولان بارت الأدب والحق في الموت، ترجمة نسرين شكري، ص 112
4 – حوار مع رولان بارت ضمن كتاب النقد والمجتمع، ترجمة فخري صالح، ص 78
انطلق اليوم الثلاثاء غرة نوفمبر 2022 موسم جني الزيتون بولاية سيدي بوزيد. وتحتل هذه الولاية المرتبة الأولى في عدد أصول الزيتون بحوالي 14 مليون شجرة وسط مؤشرات بصابة هامة قدّرت بـ190 ألف طن زيتون بما يقابله 38 ألف طن من الزيت.
وتتصدر الولاية كذلك قائمة الإنتاج الوطني بـ21%. و قد أشرف الوالي السيد عبد الحليم حمدي على الافتتاح بإحدى ضيعات المركب الفلاحي بالطويلة.
فوزي الصالحي
عام رحل، و عام حلّ … طُويت صفحة 2021 بأيامها الصعبة و الأكثر و الأقلّ صعوبة، بلغت فيها الجائحة ذروتها و أفقدتنا أحبة بلا عدد و لا عوض، ثم تراجعت تحت عزم النساء و الرجال كأنها جُفاء … و نفتح بداية من يوم غد بوّابة اثني عشر شهرا جديدا تنتظرنا و ليس علينا انتظارها … فالأحلام العذبة حين تواجهها يد ويطاولها فكر، تصبح ممكنة و تتجلّى حقيقة و ما أجمل حقائق الشعوب حين تنهض، و حين تقاوم، و حين تستمر … فلنستمرّ …
و كل عام و “جلّنار” و قرّاؤها المتزايدون خيرا و بركة، بمليون خير
لا، بل بـ 12 مليون خير !
صن نار
- ثقافياقبل 12 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 12 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 22 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟