جور نار

اِرحَمْ … عسَى الرحمنُ أن يرحَمَكْ

نشرت

في

تتوالى الإيقافات والإقالات هذه الأيام، ومعها وعود بمحاسبة و”مساءلة” (ما الفرق؟) وحركة تسميات الأخيار القادمين بدل الأشرار المعزولين … عال، عال، عال، كما يقول النجم المصري الراحل عماد حمدي …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

تتوالى هذه الأشرطة اليومية والردود عليها بين مستنكر لما يراه “مجزرة” في حق العدالة وحق الدفاع وحق التعبير وحق الممارسة وحق الأمان وحق الحقوق … حقوق الإنسان … وبين مستلطف مستظرف لما يجري، فقد طفح الكيل من ذوي الريشة على رؤوسهم، أي الذين لا يطالهم أبدا حساب ولا عقاب مهما فعلوا، وفاحت روائحهم ومع ذلك تعودت جميع أنظمتنا على وضع منديل معطر سميك على أنوفها فهي لا تشمّ ولا ترى ولا تسمع ولا تتكلم .. وآن أوان وضع كل في مكانه، من يستحق الحرية ينالها، ومن موقعه الزنزانة فليُحشر فيها والله لا يفكّر بيه، حسب عبارة من جدّي البعيد …

لسنا في معرض أن نكون مع أو ضد الإيقافات والإقالات والتحجيرات إلخ، فهذا جدال يلزمه محامون وفقهاء قانون لا نملك أجرة أصغر واحد فيهم لو وقعت على رؤوسنا الواقعة بعيد الشرّ … ولكن ما يطلبه أي عاقل أو نصف عاقل، أن يستند كل هذا على تُهم معلنة وحجج سهلة الفهم وقوانين لا عذر لأحد في جهلها أو تجاهلها … وقبل هذا، لا بدّ أن تكون التهم من الفداحة بحيث تبرر ما يُتّخذ من قرارات وتشهيرات ونعوت أدناها “خيانة الشعب” وأقصاها لا أدري ما يكون … ربّما ادّعاء النبوّة في زمن الأقمار الجوية والمراصد العملاقة ومعاهد دراسات المستقبل …

عدا هذا، فنحن واجمون كجمهور فلاحين سمع رعدا ورأى سحبا سوداء وبروقا ساطعة وأعدّ عدّة حرث وبذر، ومرّت أيام وأسابيع وبقي السحاب سحابا والبرق برقا ولم تنزل من السماء ولو قطرة راوية … بل فينا من يخشى أن يقع له ما وقع لسامعي ذلك الشاعر الذي هدد الكلّ بقصيدة مطلعها: “فإنّي و إنّي ثم إنّي وإنّي” فارتعدت الفرائص من وعيد القائل واستعدّ أكثر من واحد للنجاة بنفسه … وإذا بالخطيب يكمل بقية بيته: “إذا انقطعت نعلي جعلّتُُ لها شسعا” (أي رقعة) … فانهالت النعال على الشاعر وعلى من صدّقه وخاف منه …

يا أخي اذبح بالماضي إذا كان قصدك حسم أمور عدة ينتظر الجميع حسمها … هات مجرميك وجرائمهم إن كان هناك اقتضاء، أو اترك “الكوازي” في مرابضهم وبيوتهم ومشاغلهم إن كنت لا تملك دليلا عليهم … أو كما يقول بعض مناوئيك: إنك لست جادّا في إيذاء من تقول إنهم خصومك، ففي الحقيقة تجمعك بهم مودة تصر على إخفائها وعلى إبداء عكسها أمام رأي عام لا يطيقهم …

يا عمّ ارحم أعصابنا فقد أصبحنا ما بين منتظر ومتوجّس ومهتزّ ومتوتّر وخيبان وفاقد للثقة حتى في ظلّه … ارحم رجاءاتنا إن كنت لا تلبّي أحدا منها، واتركنا ليأسنا فهو أكثر راحة من حمل كاذب … وارحم لغتنا فالكلمة بمثقال الذهب عند الناس المتحضرين، ومن الخطورة وضع الألفاظ الضخمة على الشيء الضئيل وتبخيس عبارات وضعت لكي تدلّ على معان محددة (خيانة، جريمة، لصوص، سيادة، قانون، وطن، وطنية، شعب …) لا أن يتم نثرها على الأرض وكانها بقايا أكل …

يا أستاذ ارحم محاكمنا ومخافر شرطتنا من هذا السيل العرم من الموقوفين الذين سيتم إطلاق سراحهم دون فائدة كما حصل أكثر من مرة … فالقضاة ورجال البوليس لهم ما يكفيهم من قضايا جدّية وملفات ومخالفات فيها المدني وفيها الجنائي وأنت سيد العارفين …

يا صاحب المقام ارحم نفسك أخيرا … فكلما رأيناك مشدود أعصاب الوجه نافر الدم حاد النظرة منفجر الصوت، خفنا عليك … فنحن نعرف كم واحدا أصابته جلطة بعد قيامه بلقطة واحدة مما يجري معك … فكيف وأنت كامل اليوم على تلك الحال …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version