جور نار
اِلتقيتُ صديقًا
نشرت
قبل 10 أشهرفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriحمدتُ الله أنني التقيتُه بعد نهاية جلسة عمل جمعت بين ممثلين عن جمعيتنا (التوجيه المدرسي والجامعي) وممثلين عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في ما يخصّ متابعة مضمون التقرير السنوي الرابع للجمعية الصّادر خلال شهر نوفمبر الماضي، والبحث في إمكانية تعديل ما يمكن تعديله في منظومة التوجيه الجامعي دون انتظار الإصلاح الشامل الذي سيأتي حتما لكن لا أحد يعرف متى وكيف… التقيتُه بعد الجلسة وليس قبلها. وبالرغم من كونه كان لقاءً إنسانيا راقيا لكنه كان مؤثّرا ومُربكا ومُثيرا لانفعالات قوية كانت ستهزمني حتما لو قُدّر لهذا اللقاء البرقي أن يجري قُبيل انطلاق الجلسة.
اخترتُ أن أكتب عن صديقي هذا لإشباع رغبة ذاتية أولا (لأنني لا أكتب بصفة عامة إلا في ما أحبّه ويمسّني من قريب ويُهيّج بعض سواكني) وللتعريف ثانيا بمثال نجاح حيّ من الشباب التونسي الذي يتقاضى راتبا شهريا خجولا ككل الموظفين التونسيين، لكنه لا يفكّر أبدا بالإقامة خارج ديارنا التونسية الوبريّة الدافئة (مهما ساءت أحوالنا) ولا تستهويه المسالك التي تدُرّ نقودا مُزيّفة، ويظل متشبّثا بقيم كنا نخالُها حِكرا على جيل “قدماء الذّهن” مثل المروءة والاستقامة والأصالة وطُهر الطويّة والوجدان. وثالثا لأنني رُمتُ من خلال هذه الورقة أن أردّ ولو قليلا من نُبل دموع التأثر التي دثّرني بها، ولم أهتدِ في تلك اللحظة إلى الردّ عليها بما يعادلها سوى اختصار اللقاء والتواعد باللقاء قبل المغادرة التي تشبه الهروب.
صديقي هذا أيها الأصدقاء وُلد بالعاصمة وترعرع في شوارعها وأزقّتها وبطاحها الشعبية وكذلك في ضواحيها وكل مربعات البهجة فيها.
ولكن قبل محاولة تلخيص ملمح صديقي، لا بدّ لي أن أكشف منذ البداية عن طبيعة العمل الذي كان مكلّفا به رسميا حتى يتمثّل القارئ بقية ما سيردُ لاحقا، إذ كان منتدبا بوزارة التعليم العالي بصفته موظفا يؤدّي مهام السياقة التي يتطلبها عمل إدارة معيّنة يتمّ تعيينه عليها.
كان يُبهرني بخاصيّة لم أرها عند غيره من الموظفين بمن فيهم أولئك الذي مضوا بعيدا في دراساتهم الجامعية والهندسية الرقمية تحديدا، وهي تنمية قدرته على تفكيك الحواسيب وإعادة برمجتها وتحميل أنظمة التشغيل وتركيب الفيديوهات ومواكبة آخر التطويرات التي تحدث في العالم…بما جعله يُشكّل ملاذا لقوافل الأميين الرقميين خاصة مع بدايات القرن الحالي عندما بدأت سلحفاة الإنترنت تشق طريقها إلى معابر الإدارة قبل أن تتأرنب وتشرع تدريجيا في إزاحة قسط كبير من آليات التراسل بالبريد والفاكس والهاتف والتيليغراف… والأمية الرقميّة التي أتحدث عنها هنا ليست خاصة بالفضاء العام وإنما بصورة أساسية داخل الفضاء الإداري نفسه المحمول على تولّي رفع الأمية.
الخاصية الأساسية الثانية لدى صديقي هذا أنه لم يكن رافضا لوظيفته الأساسية التي انتُدب من أجلها أو متعفّفا عنها بل كان يُجلّها ويؤدّيها باقتدار نادر…حتى أنني كنت أُمازحه مناديا إيّاه بمايكل شوماخر (بطل العالم 7 مرات في سياقة سيارات الفورمولا 1) بالإضافة إلى أن مهمته عادة لم تكن تقتصر على مهام “سُعاة البريد” بل تتعدّاها إلى المُفاوضة الندّية التي تقتضيها المهمة الخصوصية التي كُلف بها، مثل التأكد قبل العودة من مقر المطبعة الرسمية من توصّل التقنيين (بمساعدته هو) إلى فتح مضمون القرص المضغوط المُرسل إليهم قصد طبع دليل التوجيه الجامعي في حيّز زمني ضيق. أو كذلك تجاوز عتبة مكاتب الضبط داخل الوزارات والهياكل المعنية كلما اعترضته صعوبة ما، نحو مسؤولين في مستويات أخرى لحل الإشكال والعودة بإجابات يمكن البناء عليها (بدلا من الاكتفاء بــ “ماحبّوش يقبلوه عليّ في مكتب الضبط ” التي يعتمدها الكثيرون من نظرائه)…بحيث كان مُجتهدا في فتح آفاق لا ماكرا في تبرير التقصير.
السّمة الأخرى اللافتة أن صديقي هذا كان يقوم ببعض الأعمال الرقمية خارج أوقات عمله في غرفته بمنزل والديه التي حوّلها إلى أستوديو حقيقي يمارس فيه هوايته إلى ساعات متأخرة من الليل إن كان تصويرا أو تسجيلا أو تركيبا … ويتقاضى مقابل ذلك بعض المال الذي يوظفه كليا في شيئين : بيع جهاز الهاتف القديم مثلا واقتناء أحدث ما تُصنّعه كبرى الشركات في المجال، والسّعي دائما من ناحية ثانية للحضور إلى عمله في هيئة لائقة ونظافة فائقة في غير تصنّع أو كبرياء.
كذلك صديقي “مكشّخ” حدّ النخاع (وكيف لا يكون ترجيّا وهو الذي نبَتَ في باب سويقة ومارس كل شقاوات الطفولة والشباب فيها ؟!) يحضر كل مباريات الدّربي بصورة خاصة وكانت صداقاته في الطرف المقابل أقوى وأكثر طرافة من الصداقات التي يُتيحها انتماؤه إلى فريق “الحومة”. وربّما ذلك ما ربّى لديه كل تلك القدرات على حسن التواصل مع الناس وتثمين التفوّق والتميّز عندما يكونان نتيجة عمل وجهد جبّارين على الميدان.
لكن ما سرّ تأثّره يومها ؟
لاحظ يومها أن الزملاء الذين كانوا برفقتي أدهشهم أن تحصل مثل تلك المشاهد الانسانية المؤثرة في معابر وزارة يكاد حجم الانزياح فيها يُلامس الصفر، والتي لا نرى مثلها عادة إلا في “الزّردة” وحفلات الأعراس…فراح يحاول تبرير سُمك العلاقة التي تجمعنا مُعتبرا أنني كنت بالنسبة إليه أكثر من أخ وأكثر من صديق وأكثر من مجرد “عَرف” (كما يقول هو دائما على سبيل الدّعابة). ومن القصص الكثيرة التي تقاسمناها توقّف عند واحدة تحديدا… قال :
“ذات مرة رافقتُه إلى مناسبة مّا لا أتذكّرها تحديدا وكان هو من يمثل وزارتنا في ذلك الحدث. دخلنا وكانت القاعة غاصّة بالضيوف المحليين والأجانب وبينما كنت أُحاول الاختفاء قليلا والابتعاد عن أنظار “الرسميين”، ألحّ عليّ أن أرافقة ومحاولة استراق نصيبنا من “المملّحات والمُحليّات” التي كانت معروضة بسخاء في بهو القاعة في حذر وحياء… غفلتُ عنه لبعض اللحظات لكنه كان دائما في مرمى نظري لمّا رأيته فجأة يتحادث مع وزير الصناعة آنذاك فأومأ إلي طالبا مني الالتحاق بهما. وكان ذلك، سلّمتُ على الوزير (الذي كان لطيفا ومؤدّبا جدا) ثم تولّى تقديمي للوزير قائلا : هذا فلان، زميلي في التعليم العالي… دون أي إضافة أخرى ! كانت لحظة حاسمة في حياتي جعلتني أقارن بين من يُقدّمني كزميل ولا يتردّد في إظهار اعتزازه أمام سامي المسؤولين برفقتي وزمالتي، ومن مِن صغار الموظفين المتنافخين الذين لا يتردّدون في تقديمي – عندما لا يجدون بدّا من ذلك- كــ “شيفور” …متوهّمين أن ذلك قد يزيد من شأنهم في عيون الآخرين، ويُغذّي ربما حلما مريضا يسكن قلوبهم يُشبّهون تحت ظلاله أنفسهم بأسياد قوم لهم من الجاه والنفوذ ما يجعل لهم سائقين وخدم وحشم في خدمتهم وخدمة عشيرتهم.”
هكذا تكلّم صديقبي وليد الشنّوفي (وأخيرا !) الذي أرجو أن يعذرني على هذا البوْح الذي لم أستشره فيه، وقناعتي أنه سيفعل لمعرفته العميقة بما أكنّه له من مودّة تساوي في صدقها ما كان يحبوه بها والده عمّ الوردي رحمه الله.
ولكن عليّ أن أقول كلمة أخيرة لا يمكن أن تستقيم نهاية هذا المقال بدونها، وهي أن “الغارة العاطفية” التي مارسها ضدّي وليد يومها لم تُمهلني لا الوقت ولا حضور الذهن لأذكّره بكل الوقفات النبيلة التي كان لا يتردّد في القيام بها معي بصورة تلقائية، والتي تفوق في معانيها الحافّة ما كان يعتقده طيبة خارقة مني.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 13 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 13 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 24 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟