ومْض نار

بأي حال عدت يا عيد … هل تطفئ الديمقراطية نيران ثورة الجياع؟

نشرت

في

في مثل هذا اليوم من سنة 2010 اندلعت ما سمي بـ”الثورة” التونسية في سيدي بوزيد على إثر إضرام البائع المتجول محمد البوعزيزي للنار في جسده احتجاجا على معاملة التراتيب البلدية له و احتجازها لعربته التي تمثل مصدر رزقه الوحيد … و قد أدى ذلك كما هو معلوم لوفاته و اندلاع فتيل الاحتجاجات التي توسعت دائرتها لتشمل كل مناطق البلاد و أدت حدتها إلى مغادرة الرئيس الراحل بن علي للبلاد  في اتجاه المملكة العربية السعودية،يوم 14 جانفي 2011 بعد فترة حكم استمرت 23 سنة و شهرين و سبعة أيام.

<strong>نجاة ملايكي<strong>

و مثلت “الثورة” التونسية منطلق بقية الثورات في العالم العربي و التي لقبت بثورات الربيع العربي، حيث اندلع الفتيل الثاني في  مصر في 25 جانفي من نفس السنة و أدت إلى تنحية محمد حسني مبارك و سجنه بعد أن حكم مصر لثلاثة عقود، ثم ليبيا في 17 فيفري و نتج عنها الإطاحة بمعمر القذافي ومن ثمة قتله في سرت في 20 أكتوبر 2011 بعد فترة حكم استمرت 42 سنة، و اليمن حيث أدت إلى مقتل علي عبد الله صالح في 4 ديسمبر 2017 بعد أن حكم البلاد طيلة 33 سنة، و السودان حيث أدت الثورة الشعبية إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 19 أفريل 2019  و إيداعه السجن بعد ثلاثة عقود من الحكم …  أما الثورة في سوريا فقد اختلفت عن بقية الثورات إذ رغم عدم إطاحة “الثوار” بالرئيس بشار الأسد إلا أنهم دمروا سوريا وأنهكوا مقدراتها وجعلوها مرتعا للحركات المتشددة و للصراعات الدامية.

ما هو حالنا في في الذكرى العاشرة للثورة ؟

الاحتفال بالذكرى العاشرة للثورة كان باهتا و خافتا على عكس الاحتفالات التي رافقت السنوات الأولى للثورة عندما كان الجميع يأمل في تحسن الأوضاع الاجتماعية بتحقيق توزيع عادل للثروات و تنمية الإنتاج المحلي، و تحقيق عدالة جبائية و الحد من تصاعد الضرائب التي يتحمل وزرها الكبير الموظف المرتهن للدولة، و تحسن مؤشرات التنمية و تطوير فرص الإنتاج و تحسن مؤشرات التشغيل.

لكن شيئا من ذلك لم يحدث بل أن الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية  ازدادت سوءا و شهد الإنتاج المحلي أزمة  لم يسبق لها مثيل، مقابل فتح أسواقنا للمنتجات الأجنبية و بخاصة منها التركية التي سجلت حضورها بشكل خطير حتى في أبسط المجالات و تسببت في ركود البضائع المحلية و إغلاق عدد كبير من المصانع  و قضت على العديد من المشاريع … و كان من الطبيعي أن يشهد عدد العاطلين عن العمل تفاقما مخيفا ذهب بأحلام الشباب و منه بالخصوص الحامل للشهادات العليا الذي كان ينتظر من الثورة التي كانت شعارها البارز ” شغل حرية كرامة وطنية” أن تنصفه و تمكنه على الأقل من حقه في من حقه في التشغيل و العيش بكرامة.

 هذا و قد تفاقمت نسب الفقر بعد “الثورة” فقد بينت دراسة نشرها المعهد الوطني للإحصاء خلال شهر سبتمبر المنقضي أن نسبة الفقر في تونس تتراوح بين 0.2 و 53.5 بالمائة، مما يدل على أن التفاوت بين جهات البلاد قد تعمق عوض أن يتقلص.

و تفيد العديد من المؤشرات  ومنها التي قدمها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية أن الطبقة الوسطى قد تراجعت كثيرا بعد الثورة و تجاوزت نسبة تراجعها الخمسين بالمائة نتيجة لتراجع المقدرة الشرائية و غلاء المعيشة و تراجع قيمة الدينار التونسي و تحمل هذه الطبقة في كل مرة تبعات أخطاء المخططات الاقتصادية الناتجة عن سياسة الهواة.

اليوم تعود ذكرى الثورة في ظل إضرابات و اعتصامات و غليان سياسي و اقتصادي و اجتماعي خطير في كل أنحاء البلاد… اليوم لم نعد نواجه فقط البطالة و الركود الاقتصادي و الفقر و تراجع كل المؤشرات التنموية و تدهور كل القطاعات و خصوصا منها الصحة و التعليم ، و إنما أضيفت إلى كل ذلك تطاحنات حزبية و إسلاما سياسيا و أطرافا تتربص بمكاسبنا المدنية التي تحققت بدماء الشهداء و نضالات الشرفاء.

و عندما نتحدث عن الديمقراطية و حرية التعبير، الجانب المضيء للثورة نتساءل: هل هي كافية للاحتفال في ظل اقتراب اندلاع ثورة الجياع الميتين جوعا؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version