جور نار
بعض آخر من قصص الطفولة المدرسية
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriأولا : شعشوع والملف المهاري
لم يذهب شعشوع بعيدا في تعلّمه، فقد قذفته المدرسة خارج أسوارها (بالرغم من أنّ مدرستنا لم تكن مسيّجة آنذاك) منذ سنوات الابتدائي الأولى لمحدودية إمكاناته الذهنية كما يقول أغلب المدرّسين، وهي لعمري تهمة باطلة لأن في ذلك إغفالا لأهمية العوامل الأخرى المسؤولة عن فشل صاحبنا، ثم هو عندما سيكبر، ستلاحظون كم كان شعشوع مؤهلا ليكون مبدعا ومتألقا في مجالات عديدة لم تقدر مؤسسة المدرسة على التقاطها وصهره ضمن مسالك تنسجم مع خصوصياته وفرادة تشكيله النفسي والشخصي.
أذكر أنه كان حريصا جدا على تدبّر مقعد في قاعة الدرس ولكن لأسباب أضحت تونسية غائمة في ذهني، كان في كل مرة يتلقّفه سي الخزري قائلا “يا رابح برّة لتالي توّة ندبّرلك بلاصة” قبل أن تمتلئ كل المقاعد ويوصد الباب في وجهه… تكرّر المشهد مرات عديدة إلى أن يئس شعشوع وهجر المدرسة والدراسة وكره المدرّسين والدّارسين. كان بارعا جدا في صنع الفِخاخ بنفسه وكان أقدر من الجميع على التمييز بين الطيور الواقعة بين فكّي “مندافه” (وهو في الأصل آلةٌ يُطرق بها القطنُ ليرِقّ ويزول تلبّده كما تقول القواميس) فكان يُفرّق بين العُقاب والصقر والسمّان والغرنوق والتّرد والقبّرة والحجل وبين الحمام واليمام…
وكان شعشوع بطلا حقيقيا في ما يسمى اليوم بالغوص الحر لا يعادل طول نفسه تحت الماء أحد من جيله دون استعمال أي معدّات إضافية للتنفس… وكان سبّاقا بمهارات أولمبية لأنه كان يُطارد الثعالب والذئاب على مسافات خيالية، إذ تمكّن ذات مرة من اللّحاق بزيردة أخرجها عنوة من مخبئها بعد إغراقها بكميات كبيرة من الدّخان على مشارف منطقة الجريف أي على بعد 30 كلم تقريبا… إضافة إلى حذقه لفنون صيد السمك في وادي ملاق والحرث والزراعة والحصاد والدّريسة وجني الزيتون… وكان لشعشوع أيضا مهارات تجارية غير عادية لأنه كان يقتلع بيُسرٍ مصروفه اليومي من بيع الببوش المغلق الذي يعرف مكامنه تحت الأرض وبيع حزم الهليون البرّي asperges وحبوب العنّاب الصغيرة (النبق)…
تصوّروا طفلا بهذا الملمح في مجتمعات أخرى تؤمن أكثر منا بأهمية المهارات الحافّة غير المدرسية … لكان شعشوع طفلا مُشعّا له مكانته الثابتة التي تشبه تدفّق الحياة في عروقه وقدراته الفائقة على ترويض الطبيعة المتوحّشة، ولكان سبّاحا عالميا أو سبّاقا متميزا أو تاجرا متمرسا أو فلاحا رياديا أو أخصائيا مرموقا في مجالات دراسة حياة الطيور والحيوانات البرية وأشكال تكاثرها. ويبقى السؤال متوهّجا : كم من شعشوع اليوم عند أبواب مدارسنا لا تقدر منظومتنا الغبيّة والحزينة على تثمين مواهبه وصقل مهاراته وبراعاته المكبوتة ؟
ثانيا : الأرملة المرضع
النصوص الأدبية التي رضعنا حليبها ونحن صغار تدور أغلبها (أو هذا على الأقل ما بقي عالقا بذهني) حول معاني البؤس والفقر والخصاصة وضنك الحياة. فقد كنا نطرب لسماع “مات الذي كان يحميها ويُسعدها…فالدهر من بعده بالفقر أشقاها” ونتابع بشغف قصة الأم التي أنهكها الفقر فكانت تُوهِم أبناءها الذين صرعهم الجوع أنها تطبخ لهم وجبة العشاء في حين أنها كانت تطبخ الحصى والحجارة حتى يخلدوا للنوم دون أكل، وكنا نزهو بقصة القط الطمّاع والعجوز الشريرة وصورة الطفل الباكي التي كانت تُعلَّق في أغلب الديار التونسية، والصياد المنكود الحظ ومالك الحزين وكل تلك الترسانة من الجُمل التي أثّثت كتاب “اِقرأ” في السنة أولى ابتدائي من قبيل “أكل السبع نعجتي” و “لسعت عقربٌ حليمةَ فجعلت تبكي”…و “طرق مسكين بابنا فأطعمتُهُ تمرا ولبنا” و “نشرب من أحواض ماء حولها ضفادع تنقنق فضحك صالح من نقيقها” و “الضفدعة التي أخذت تشرب كما تشرب الأبقار حتى ورِم بطنها ورما شديدا فماتت” و “عصف الرياح وزمجرة الرّعود وشدّة الزمهرير …”
اعترضتنا لا محالة بعض النصوص الأخرى التي تغنّت بقيم العمل والإخلاص وحب الوالدين وجمالية فصول السنة، لكنها لا ترتقي في كمّها ولا في عمقها إلى مستوى كثافة البؤس الذي كان مخيّما على سطوح مدارسنا.
ثالثا : من هو “ميتول” ؟ (وهو اسم المدرسة التي قاومت إصرار شعشوع على التمدرس).
درست بمدرسة ابتدائية عُرفت بمدرسة ميتول MUTHUL لكونها تأسّست على أنقاض محطة سكة حديدية كان يستعملها المستعمر الفرنسي لنقل مادة الرصاص المستخرج من مناجم الطويرف بولاية الكاف، ولكن لا أحد حدّثنا ونحن صغار عن أسباب وجود هذا الخط الحديدي ولا عن دواعي التخلي عنه مباشرة بعد الاستقلال. كما لا أذكر أن معلما واحدا تساءل من هو ميتول الذي أُطلق اسمه على هذه المحطة ثم على المدرسة. (علمت بعد نصف قرن وحسب ما تذكره المجلة التونسية التي نشرها معهد قرطاج سنة 1930 أن ميتول هي ساحة المعركة التي شهدت انتصار الجيوش الرومانية بعد سنتين من الحرب بقيادةMétellus Q.Caeeilius على الجيش الذي كان يقوده يوغرطة ملك النوميديين سنة 111 قبل الميلاد ).
والغريب بل والمُضحك أن السلطات التربوية الباسلة قررت منذ بعض السنوات التخلي عن هذه التسمية الرومانية واستبدالها بـ “مدرسة السعادة” وفاءً منها لعقلية تونسية فذّة تعتقد أنه يكفي أن تُطلق صفة الخصوبة على قرية ما ليعمّ الرفاه فيها وأن تُطلق اسم الازدهار على حيّ شعبي لتشعّ السعادة وينتشر الفرح لدى جميع ساكنيه …
ومن المفارقات العجيبة أيضا أن مدرستنا تقع على بُعد بعض الكيلومترات من آثار شمتو التي كان يُستخرج من مقاطعها أثمن أنواع الرّخام في ظل الإمبراطورية الرومانية marmor numidicum الذي شُيّد منه ذلك العمود الروماني الذي أقيم في الساحة العامة (Forum) في عهد الامبراطور يوليوس قيصر… ولكن لا أحد حدّثنا عنها أو حفّزنا على زيارتها لأنهم كانوا يتصوّرون أن “حمار جحا” و “أشعب في بلاد الواق واق” ذات فوائد بيداغوجية وتربوية أكبر. وحصل نفس الشيء مع موقع بلاريجيا “مدينة الفسيفساء والطوابق البنائية والأخ التوأم لموقع شمتو جغرافيّا وحضاريا” الذي لم يحظ بصفحة أو دقيقة واحدة في كامل دراستنا الابتدائية.
ويمكن أن نستنتج بشيء من المرارة وفي علاقة بكل ما تقدّم من وقائع عشتُها دون كثير تجميل روائي، أن أي إصلاح جدّي لمدرستنا التونسية لا بدّ أن يمرّ عبر :
- ضرورة أن يرافق النتائج المدرسية لكل تلميذ ملفّ مهاري يكون أداة لرصد المهارات غير التقليدية للتلاميذ، ونوعا من الجواز التربوي الذي يتمّ اعتماده في الدخول إلى الجامعات والالتحاق خاصة ببعض المسالك التي تستدعي ملمحا خصوصيا لا تُترجمه بالضرورة النتائج الكمية.
- إكساب المدرسة ومضامين الدراسة فيها كل ما يجعلها جذّابة ومُحيلة على الحياة والسعادة والقيم الانسانية الإيجابية لا على الموت والبؤس وقيم الانغلاق والتحجّر.
- جعل التلاميذ في كل جهة يكتشفون خصوصيات محيطهم المباشر حضاريا وبيئيا ومناخيا…تعزيزا لشعورهم بالانتماء وتفعيلا لفكرة بيداغوجية أثبتت جدواها مفادها أن “المفاهيم النظرية الكبرى” تُبنى في أذهان الطفولة من خلال مشاريع ميدانية بسيطة.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل يوم واحدفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 16 ساعة
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 19 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 24 ساعة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يوم واحد
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يوم واحد
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يوم واحد
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل يوم واحد
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل يوم واحد
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية