لمْسُ نار

بلاد “الصانغو” وحكــومة البكــاكش !

نشرت

في

“علاش يخليوه ديما يحكي وحدو و حتى حد ما يجاوبو”

هكذا كان تعليق بنوتة صغيرة و هي تشاهد مقاطع لخطاب الرئيس تمّ تمريرها في نشرة الأخبار للقناة الوطنية في ثوبها الجديد الذي ارتدته بعد 25 جويلية

<strong>عبير عميش<strong>

 فللتلفزة في بلادنا مواسم تتبرج فيها و تستغلها لتغيير ملابسها وعباءاتها مع حلول كل فصل جديد عفوا  أعني مع حلول كل حكومة أو منظومة جديدة … و لكلّ زمن مقاساته و ألوانه المناسبة و لكلّ فصل سياسي ماكياجه و رداؤه و أقنعته … و لكن ليس الحديث عن التلفزة شأننا اليوم ، فلنعد إلى هذه الملاحظة الطفولية  التي يبدو أن الطاقم الاتصالي لرئاسة الجمهورية لم يتفطن إليها …  أو قد يكون يتفنن عمدا في استعمال هذه الطريقة فلا أحد يجب أن يتكلم غير سيدنا و لا صوت يجب أن يُسمع غير صوته … له الأمر و عليهم السمع و الطاعة … ” هو يفصل و هوما يلبسوا ويلبسونا “

نزولا عند بعض الضغوطات عيّن رئيس الجمهورية حكومة شكليّة لم نسمع لأعضائها صوتا و لا موقفا و لا برنامجا غير ما يأمرها به و ما يخطّه لها … حكومة فرض على المشرفة عليها أن تبقى بمثابة التلميذة التابعة له و أن تعمل صحبة أعضادها في ” وضع الصامت “

 أن تعمل ؟؟؟!!!!  ……. لا ندري إن كان هذا الفعل يليق بها أو ينطبق عليها

فهذه الحكومة لا ندري حقّا إن كانت تعمل أو  ماذا تعمل فعلا ؟؟ … فلن نطّلع على برنامج عملها إلاّ بعد مائة يوم من تنصيبها بعد أن طلبت رئيسة الوزراء من المديرين العامين و المسؤولين عن الهياكل الراجعة بالنظر إلى رئاسة الحكومة أن يقدّموا مقترحاتهم للإصلاحات التي يرونها ضروريّة

هذه  الحكومة  التي عجزت عن رفع النفايات في صفاقس و عن تجاوز الإشكال القائم منذ شهرين و عن إيجاد حلول قريبة المدى ناهيك عن تلك البعيدة المدى التي تحتاج تخطيطا و رؤية و استثمارات  ، هل هي حكومة تعمل ؟؟

هذه الحكومة التي عجزت عن فرض قانون بيع السجائر في المساحات الكبرى و تراجعت عن هذا القرار تحت ضغط المحتكرين لهذه التجارة و احتجاجات أصحاب الرّخص ، هل هي حكومة تعمل ؟

هذه الحكومة التي نعيش في عهدها فقدانا  لعدد كبير من الأدوية تجاوز الخمسمائة دواء ، هل هي حكومة تعمل فعلا ؟  

هذه الحكومة التي يبدو أنّ أهم انجازاتها هو توفير زيت الصانغو في الأسواق حسب ما تروّج له نشرات الأنباء و المواقع الرّسمية و تحركات الوزيرة و المديرين الجهويين للتجارة و حتى المعتمدين  و لا يجد المواطن صدى له في الدّكاكين  و الأسواق …

حكومة منذ شهرين لم نرَ لها إنجازا واضحا و لم نسمع  لها صوتا و رئيس جمهورية منذ انفراده بالسلطة يوم 25 جويلية قضينا معه أربعة أشهر دون تصوّر اقتصادي واضح  غير فكرة محاربة الفساد بمقاربة زجريّة لا ندري أين ستصل بنا ؟ و دون رؤية سياسية يمكن أن يفهمها الداخل و الخارج  و بأفكار هلامية يقع التلميح إليها دون إقرار أو تصريح

فكأن 25 جويلية  فاجأ رئيس الجمهورية نفسه فلم يحقق من الانجازات غير الانفراد بالقرار عبر إصدار المراسيم و لم يحقق من الغايات غير السيطرة على كلّ مفاصل السلطة التي كان يبحث عنها منذ انتخابه وتعيينه لرؤساء حكومات يسهل التحكّم بهم hommes de paille

إنّ الضحية الحقيقية في تونس هي تلك الفئة من التونسيين الذين يكفرون بما قبل 25 جويلية و يعتبرون أن النهضة و من تحالف معها طيلة عشرية كاملة قد خرّبوا البلاد و ركّعوها خدمة لمصالح ذاتية و رغبات إيديولوجيّة لا علاقة لها بالواقع التونسي … و لكنها كذلك تكفر بما بعد 25 جويلية و خاصة بما بعد 22 سبتمبر و تعتبر أن زمن الزعيم الأوحد قد ولّى و انقضى و أن الإصلاح يتطلّب رؤية تشاركيّة و قراءة دقيقة للواقع و عقدا مجتمعيا و نظرة استشرافيّة  نفتقدها إلى اليوم في توجهات الرئيس و خطاباته … فهل المشكلة الوحيدة في تونس هي الفساد و هل أن ” محاربته ” هي الحلّ السحري الذي سيقضي على كل أزماتنا و على حالة الاكتئاب التي صرنا نعيشها ؟

لماذا لا يركّز الرئيس في خطاباته إلا على الجوانب السلبيّة ؟ لماذا لا يتحدّث بإيجابيّة عن المستقبل ؟ لماذا لا يستعمل إلا عبارات التفرقة و التشتيت ؟  لماذا يصرّ على معسكري “الهُم” و “الأنا” و كأنه يعتنق مقولة سارتر “الجحيم هو الآخرون…”؟ لماذا تحيل عباراته و قاموسه اللغوي على عبارات الهدم لا البناء؟ لماذا لا يُعوّض التطهير و التنكيل و الصواريخ و الفحيح و الحشرات و الأفاعي و الخونة و الجراثيم بعبارات مثل البناء و الاستثمار و الأمل  و الإستراتيجيا و البرامج و المخططات السنوية ؟

لماذا يصرّ على بيع الوهم للشعب بـ”لوبانة” استرجاع الثروات المنهوبة و الانتقام من اللصوص و الفاسدين التي يعرف الجميع أنه ينطبق عليها المثل القائل “استنى يا دجاجة حتى يجيك القمح  من باجة”؟  هذه “اللوبانة” التي تزيد من تقسيم الشعب و تأجيج نقمته

لماذا لا يركّز في خطاباته على قيم العلم و العمل التي لا ترتقي بغيرها الشعوب ؟

هل غاية المواطن هي فقط توفّر الزيت المهدرج و الزّج ببعض الخصوم في السّجن؟ أم هي استقرار سياسي و سلم اجتماعي و رخاء اقتصادي و أسعار في متناول قدرته الشرائيّة و تعليم جيّد متجدد مواكب للعصر لأبنائه و نقل محترم و قوانين تسمح بالاستثمار و المبادرة و الخروج عن السائد و بيئة سليمة و صحّة عمومية متطوّرة و بنية تحتيّة عصريّة لبلد الثلاثة آلاف سنة من الحضارة، للبلد الذي لا تفصله عن أوروبا إلا ساعة واحدة بالطائرة و الذي كان يحسده الآخرون و  يضربون به المثل في الحداثة و الحضارة و الجمال والنظافة …؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version