جور نار

بلدي ديوان تطهير … أو ما معنى “ما يخلّيهم حدّ” ؟؟؟

نشرت

في

قضية النفايات الإيطالية جرفت معها وزارة البيئة جرفا أفقيا … و حتى لا يضيع القارئ في هذا التعريف الهندسي لما وقع منذ أيام، لا بد من التذكير بأننا في السابق جرفنا وزارة أخرى و لكن بطريقة عمودية، أي اقتلعناها مرة واحدة إسما و مسمّى بسبب قضية من القضايا، و هي وزارة الطاقة في عهد الشاهد … هذه المرة تركنا الوزارة المدانة و حالها، و رحنا نلتقط المسؤولين عن إخلالاتها راهنا و ماضيا و لو لعشر سنوات خلت … و هذا هو الصحيح حسب رأيي، و هذا هو المطلوب في مكافحة فساد هو كالنبتة الطفيلية عروقها ممتدة و أصلها ثابت و فرعها في السماء …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

لو عملنا بهذه القاعدة في جميع أركاننا المخزّزة  و بؤرنا الكثيرة التي عششت فيها اللصوصية و الرشوة و العبث بالمال العام، لاصطلح حالنا بشكل كبير و منذ سنين … تصوّر لو فعلنا ذلك مع الوزارات الأخرى و البنوك و الصناديق الاجتماعية و دور النشر و المصانع و المسابك و البنى التحتية … و لو تعاملنا بنفس الأسلوب مع المؤسسات العمومية التي أفلست تباعا بدل خوصصتها المتسرّعة و التي مثلت حلا سهلا أهال التراب على الجريمة و أرضى السارق القديم و خليفته السارق الجديد و أسدل الستار أمام متفرّج معتدَى عليه بالفاحشة في وضح النهار …

أو لو فعلنا ذلك مع شركات المناولة التي ما أن هلّت سنة 2011 حتى أتينا على أخضرها و يابسها دون تمييز فحرمنا المرافق العمومية من رافد كان يمكن أن يساعد على تجويد خدماتها، و أغرقنا القطاع العام بعشرات آلاف الانتدابات التي قصمت ظهره المعتلّ أصلا … و دون ربع فائدة … و الحال أنه كان يمكن استئصال الفساد الكامن بين ثنايا هذه الشركات و محتكريها و المسمسرين معهم و الساكتين على المتلاعبين بالقانون منهم …

و لو فعلنا ذلك أيضا مع هذه الفضيحة المسماة “شركات الغراسات و البستنة” التي عرضت عينة من تفاهتها بعض القنوات … تفاهتها و لكن كلفتها العالية التي ندفعها من لحمنا و عظمنا … كان مطلوبا أن يحاسب الذين انحرفوا بهذه الفكرة و حوّلوها إلى أصل تجاري و سياسي تمعّش منه من تمعّش، و ترك  حبله على غاربه من ترك، و استثمرت فيه أحزاب و اشتغلت حواضن و تزوّدت أوكار و امتلأ خزّان انتخابي و اشتُري صمت و تأجلت تنمية في أضعف الإيمان و أخفّ الحالات …

لو فعلنا ذلك مع كل المصائب التي تمرّ من موانئنا و تختم بطابع الدولة و تدخل إلى بلادنا و تنتصب على موائدنا وجبة سموم … نعم … مشكلة التهريب صارت ثانوية قياسا إلى ما يتدفق عبر مسالكنا العلنية و تحت نظر و سمع و إمضاء و مباركة جهازنا الرسمي الجمركي … إذ لم يعد سرّا أن هذه المصالح ليست فوق الشبهات كما يدعي أفرادها و تحتجّ و تعتصم نقاباتاها … جهاز الديوانة في حاجة إلى عملية تنظيف و تعقيم و حتى إلى اجتثاث عرق نافق و إعادة البناء من جديد …

  لا، سامحوني،  لستم خطا أحمر و لا قبة خضراء و لا قدسا شريفا و لا حصانة لكم أمام حصانة البلاد التي تتركونها نهبا للمفرقعات و الأسلحة النارية و القموح المسرطنة … و ماذا فعلتم مثلا بنوال المحمودي، بل ماذا فعلت الدولة إزاء صرخات هذه المرأة عن سلامتنا في البداية و عن سلامتها الجسدية في النهاية؟

أفعال كثيرة يمكن لحكومة محترمة أن تنجزها و ذاك واجبها لو كانت الدنيا دنيا … و لكن الحكومات تمرّ و تتعاقب دون أن تعاقِب أو تعاقَب … و كلما طرحنا هذا السؤال قيل لنا: لا يمكن، و لا يقدر، و لا يتركه أحد … يا ويلاه ǃ إذن يفعل ماذا؟ إذن يندب ماذا؟ إذن يصلح لماذا؟ إذن يبقى لماذا؟ … و يقيني أن حكومة لا تقدر على اتخاذ قرارات بسيطة (و لكن ضرورية) كهذه، هي حكومة زائدة، باردة، جامدة بل فاسدة و حتى فاسدة من الرأس حتى أخمص القدمين …

الحكومة قالت إنها لن تسكت على الفساد، و كذا كانت تقول الحكومة التي قبلها و التي قبل التي قبلها … و أنا أصدق ما قال النبيذ، و نصف ما قالته مايا … بتعبير النابغة القباني …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version