جور نار

بين الرئيس والحكومة … “واحد عاقل وواحد سفيه” !

نشرت

في

إنّ فرجة من دقائق على بعض المترشحين لانتخابات 17 ديسمبر تجعلنا نفقد الأمل أكثر فأكثر في انصلاح حال هذه البلاد، و نشعر أننا نعيش كابوسا ننتظر ساعة الخلاص منه أو فلما من أفلام الكوميديا السّوداء ننتظر ساعة انطفاء شاشته.

<strong>عبير عميش<strong>

فهل بهذه الأشكال يمكن أن تسير تونس في الطريق الصحيح و هل يمكن أن تتحسن البلاد أو نحلم بتقدّم و تطوّر …؟

من أين خرجوا؟ من جاء بهم إلى المجال العامّ؟ من وسوس لهم بالترشّح؟ من أوهمهم بسهولة دخول غمار السياسة؟ من ضمن لهم التزكيات؟

نماذج نادرة في السّخف و السفاهة و العته، يبدو البعض منهم و كأنه قد خرج للتو من مستشفى للصحة النّفسيّة يريدون أن يقودوا البلاد و هم لا يعرفون حتى صلاحيّات نوّاب البرلمان حسب دستور 2022 و لا يعرفون حدود مجال تدخّلهم و طبيعته … تراهم في حملات مضحكة  و تسمعهم يقدّمون وعودا سرياليّة لا مجال لتحقيقيها في الواقع …

 نماذج لا تعكس ما لدينا من ثروة بشريّة حقيقيّة و عقول نيّرة و طاقات خلّاقة  …نماذج  كأنّ همّها الوحيد كسر صورة التونسي الذّكيّ الواعي و المتفوّق ..

ضحكنا طويلا على مجلس أثثه القصاص و بن توميّة و أشباههما و يبدو أن ضحكنا سيتواصل أكثر مع هؤلاء المترشحين، ضحكا أشبه بالبكاء و نحن نرى البلاد تندفع بأقصى سرعتها نحو الهاوية .. أمام عجز الجميع عن إيقاف هذه المهزلة الانتخابية و باقي مهازل السلطة الأخرى و هل أكثر إثارة للضحك و البكاء و القرف من رئيس يعارض حكومة عيّنها بنفسه و يشرف عليها بنفسه و يسيّر دواليبها بنفسه – و إن من وراء ستار “نجلاوي” – و لا يحاسبها أحد غيره و لا  يخاطبها أحد غيره

فأقوال الرئيس في واد و أفعال الحكومة وسياساتها في واد آخر .. و كأنّهم يتعاملون معنا بالمثل القائل ” عاملين واحد عاقل و واحد سفيه “

فإن كان الرئيس مطلعا تمام الاطلاع على برامج الحكومة و سياساتها و قراراتها و موافقا عليها  و لكنّه رغم ذلك يطلع علينا بخطاب المعارض فيا خيبة المسعى ..

أمّا إن كانت بعض الأمور لا تُكشَف أمامه و يقع تمرير القرارات دون علمه و إرادته  فالخيبة مضاعفة حينها ..

فالتضارب بين تصريحات الرئيس و بلاغاته و بين قرارات الحكومة و ممارساتها لم يعد خافيا على أحد، فحتّى  أنصار 25 جويلية صاروا يتحرّجون من هذه الازدواجيّة الفظيعة بين “طرفي” الحكم و صاروا عاجزين عن الدّفاع عن خيارات الرئيس و بدأ البعض منهم يتّخذ موقفا نقديّا من ممارساته …

ففي الوقت الذي يمضي فيه الوزراء على قرارات التّرفيع في الأسعار يوصي الرئيس بضرورة التخفيض في الأسعار… و في الوقت الذي تختفي فيه المواد الأساسيّة يدعو الرئيس إلى ضرورة توفّرها … و في الوقت الذي تتفق فيه الحكومة مع صندوق النّقد على رفع الدّعم، يؤكّد الرئيس على أنّه لن يرفع … و في الوقت الذي تتباحث فيه الحكومة حول التفويت في بعض المؤسسات العموميّة يصرّ الرّئيس على أنّه لن يقع الّتّفويت فيها … فمن نصّدّق نحن يا ترى؟ كلمات الرئيس و خطاباته الرّنّانة  أم جيوبنا المثقوبة و أجورنا التي لم تعد تضمن لنا الكرامة ؟

و لكن رغم اليقين الجمعي بالتدهور المتواصل لكل الأوضاع و تأزم كل جوانب الحياة و مخالفة أعمال السلطة لانتظارات الشعب، إلا أنّه لا أحد قادر على الوقوف أمام هذا التّيار الجارف…  فأحزاب المعارضة من المستحيل أن تلتقي حول برنامج أو خطاب سياسي واحد  ـ وإن كان هدفها واحدا –  و هذا ما يفتح المجال لسعيّد و مناصريه ليرتعوا مثلما يريدون … أمّا الهيئات و المجتمع المدني فمازال صوتها خافتا فباستثناء المحامين و اتحاد الشغل مازالت باقي المكوّنات تتابع الوضع دون موقف واضح …

و لئن أصدر مجلس الهيئة الوطنيّة للمحامين بيانا يرفض فيه السياسات الاقتصاديّة و الجبائيّة للحكومة وما ورد في مشروع قانون الماليّة لسنة 2023، فإنّ اتحاد الشغل الذي نخرته مشاكله الدّاخليّة و أضعفته الصراعات على السّلطة بين أعضائه، قد جاء موقفه متأخرا حسب تقدير أغلب المحللين و لا تبدو معارضته إلا نوعا من المسكّنات لقواعده التي سيفقّرها الاتفاق المزمع مع الصّناديق الدّوليّة …

خطاب الطبوبي بالأمس لن يكون له كبير أثر على الواقع  و لن يغيّر مسار الحكومة و لا موقف الرئيس الذي يبدو أن لا شيء يعنيه في هذه الفترة سوى تجسيد قانونه الانتخابي على أرض الواقع و إن بهيئة فقدت كلّ مصداقيّة، و إن بفصول قانونيّة ستجعل من المجلس مجلسا منقوصا منذ أوّل يوم عمل له و ستسمح لبعض المترشّحين ببلوغ الكرسيّ دون خوض الانتخابات و دون الحاجة إلا إلى صوت واحد من أصوات الناخبين  في سابقة غير معتادة في التاريخ كما يقول الرّئيس … و ستتيح للبعض من التافهين و المعتوهين (حسب ما بشّرتنا به وعودهم و صور حملاتهم) التحكّم في رقابنا و المصادقة على القوانين و المشاريع التي تقدّم إليهم … و كأنّ “البلاد عقرت” كما يقول أجدادنا

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version