جلـ ... منار
تأثير الهالة
نشرت
قبل 3 سنواتفي
عامر صديقي – الاسم مستعار طبعًا – كان يملك تلك الطلعة الوقور الموحية بالثقة. حتى ونحن طلاب كان مهيبًا له نظرة هادئة راضية تشع بالحكمة وفهم الكون. لا أعتقد أنني رأيته في أي لحظة من حياتي من دون شعر شائب، خاصة شعر الفودين الذي يذكرك بشيب «جمال عبد الناصر». لابد أنه ولد شائب الشعر. بينما كنا نحن الصبية المراهقين نبدو كذلك بالضبط: صبية مراهقون شديدو الخفة والسخف.
كان عامر يدخل أي امتحان شفهي، فينبهر به الأستاذ على الفور ويكتفي ببعض الأسئلة السطحية ثم يشكره ويصرفه، بينما نفس الأستاذ كان يؤمن أن باقي الطلبة أوغاد شديدو الرقاعة يجب أن يعاقبوا بغلظة. وكانت الفتيات يؤمن أنه وسيم موح بالثقة ويحُمن من حوله بلا توقف لكنهن لا يجرؤن على الاقتراب من ينبوع الحكمة هذا.
على أن عامرًا كان إذا تركت له فرصة الكلام والاسترسال فيه يكشف عن أحمق حقيقي مسطح الآراء من طراز (النفوس تغيرت – التلفزيون يعرض مسلسلات عارية).. حمار حقيقي جدير بمقولة «آن للشافعي أن يمد رجليه». لكن برغم هذا لم نكن نمد أرجلنا في حضرته، فقد ظل موحيًا بالثقة حتى بعد كل هذا الكلام الفارغ.عامر كان ُيستدعى لفحص الجيران منذ كان في السنوات الأولى من الكلية، وكانت له نظريات خاصة مدمرة؛ منها أن أي غيبوبة هي نتيجة لنقص البوتاسيوم وأي تفاعل حساسية يحتاج لحقنة أدرينالين. عالج الكثيرين جدًا منذ كان طالبًا لا يعرف اسم عقار واحد، ومن الغريب أن المرضى كانوا يشفون من تلقاء أنفسهم.
في سنة الامتياز كنت أسهر وحدي في استقبال الطوارئ، وقد قمت بإدخال حالة لمريضة مصابة باشتباه التهاب في الزائدة الدودية .. الطبيب المقيم قال هذا وطلب أن نلاحظها، لكن المريضة كانت هستيرية وأهلها مجانين.. كانت تصرخ في فراشها طيلة الوقت وتقول تعبيرات أدبية رائعة على غرار (أنا قلبي شجرة بيقطعوا جدورها – أنا بطني خراج مفتوح) وهي تعبيرات تكفل لي جائزة نوبل في الأدب لو كنت قد دونتها. مع كل شكوى منها يهرع أحد أقاربها إلى غرفتي ليصارحني بأن المستشفيات مكان قذر، وأنا لا أصلح طبيبًا.. إلخ… المشكلة أنها بالفعل كانت قد تلقت أفضل علاج ممكن.
تصادف أن وصل صديقي عامر، وهو كعادته وقور موح بالثقة يلبس بدلة كاملة.. فتوسلت له أن يلعب دور طبيب أكبر سنًا ويفحص هذه المريضة ويطمئن أهلها. هذا ما فعله بالضبط.. دخل العنبر فتفرق أهلها من حول الفراش وساد صمت رهيب. وقفت جواره متظاهرًا بالذل.. هذا هو الأستاذ الكبير الذي سيقول كلمته الأخيرة. ظلت المريضة تنظر له في رهبة فتحسس نبضها وهز رأسه، ثم قال في ثقة:
“أنت أفضل حالاً.. لكن لابد من الانتظار قليلاً. فقط أرجو ألا تزعجوا د. أحمد فهذا يجعله متوترًا، والمتوترون يرتكبون أخطاء”
كساحر جاء من لا مكان ترك الفراش وأنا أتبعه في رعب وتوقير متذكرًا كل حرف في كتاب (فن صناعة النجم) الذي يشرح لك كيف تجعل من شخص ما محط الاهتمام. وخارج العنبر وقف يرد على أسئلة أهلها المتلاحقة. أهلها الذين تجاهلوني تمامًا وحالهم يقول: لماذا لا يجلس هؤلاء الأطباء العظام في الاستقبال ويفحصون الحالات بدلاً من المعتوهين الذين نقابلهم؟ وعندما انفردت وعامر في غرفة الاستقبال أطلقنا الضحكات المكتومة. وهكذا مرت الليلة كلها دون أن تصرخ المريضة أو يضايقني أهلها. وفي الصباح تبين أنها غير مصابة بشيء.
بالطبع لك أن تتوقع أن عامرًا افتتح عيادة صغيرة في أحد أحياء المدينة، ونال وظيفة بالجامعة. كانت عيادته مزدحمة دائمًا برغم أن قدراته الطبية لا تتجاوز قدرات طالب طب. وقد زود العيادة بنظام ملفات إلكتروني بسيط، فصار بالنسبة للمرضى الطبيب الذي يفحصهم بالكمبيوتر.
قرأت فيما بعد تعبير «Parvenu» الذي يعني الشخص الذي يبدو على غير حقيقته.. الأستاذ الجامعي الذي يملك حشدًا من الشهادات دون أن يفقه شيئًا. خطر لي أن هذا المصطلح خلق من أجل عامر. هناك كذلك تعبير «Halo effect»، تأثير الهالة.. الشعر الأبيض المحيط برأسه كهالة يقنع المرضى والباحثين المنافسين.
تأكدت من تأثير الهالة عندما كان يدخل امتحانات الترقية، فلا يسألونه تقريبًا.. غالبًا يتبادلون معه عبارات المزاح ثم يرقونه… في إحدى المرات لم يكن لديهم وقت كاف فقاموا بترقيته. ثم إن صاحبنا سافر للخليج.
توقعت له أن يعود مضروبًا بالأحذية، لكني توصلت إلى أنه يملك خليطًا من تأثير الهالة ومن الحظ المخيف.. يقضي في الخليج خمسة أعوام وهو لا يفقه شيئًا، وبرغم هذا هم يحبونه. ويرسل لي صورًا وسط أصدقاء يلبسون الغطرة والجلباب يعانقونه في مرح. ثم يرجونه بحرارة أن يبقى معهم للأبد لكنه يعتذر لأن مستقبله في الجامعة ينتظره. هكذا عاد من هناك حمارًا ثريًا ينظر له المجتمع بتوقير وإجلال.
هكذا في سن الأربعين توصلت إلى أن سر النجاح في الحياة ليس أن تكون بل أن تبدو.. وعليك أن تمتلك حظًا مذهلاً يشبه حظ الجندي الذي سقطت قنبلة في حجره ولم تنفجر، وفهمت مشاعر البطة دونالد – أو بطوط – تجاه ابن عمها المحظوظ المستفز.
لكن عامرًا أصر في ذلك الوقت – لدى عودته من الخليج – على أن يهاجر لكندا، وقد نصحته مرارًا أن يبقى بقدراته المتواضعة هذه، لكنه أصر. قلت لنفسي إن حظه الجبار وتأثير الهالة لن يخذلاه أبدًا.
بعد أعوام سمعت أنه متورط في كارثة.. يبدو أن نظام التأمين لم يخدمه أو شيئًا من هذا القبيل، وهو قد تسبب في عاهة مستديمة لمريض.
قلت لنفسي إن الدروس المستفادة هي أن الحظ الحسن لا يجب أن يظل حسنًا للأبد، وتأثير الهالة ليس فعالاً دائمًا خاصة في بلاد متحضرة متقدمة.
هناك لحظة ينكشف فيها كل شيء، وعندها ينهار كل شيء فلا تلومن إلا نفسك. على من لا يملك خوذة فولاذية أن يبقي رأسه تحت الأعشاب
تصفح أيضا
جلـ ... منار
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
نشرت
قبل يوم واحدفي
9 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.
“ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.
ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.
ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.
في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.
وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.
كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!
والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.
وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.
ـ عن “القدس العربي” ـ
وفاء سلطان:
مضى على وجودي في أمريكا 36 سنة.
لم أدخل يوما مطعما إلا وتركت للنادلة بخشيشا يفرح قلبها وفوق تصورها.
معظم الذين يخدمون بالمطاعم في أمريكا هم طلاب جامعات ليسدوا مصروفهم، فلقد اشتغل أولادي في المطاعم أثناء جامعاتهم وأعرف كم كان البخشيش هاما بالنسبة لهم.
إلا البارحة قررت أن لا أترك لها سنتا، لكن زوجي رفض القرار وقال كعادته: حرام!
(نعم هو ألطف مني في هكذا مواقف)
أوقح نادلة رأيتها في حياتي، تخبط الصحون على الطاولة وكأنها خرجت لتوها من معركة مع زوجة أبيها.
ضبطت أعصابي بشق الأنفس
لقد اعتدنا ان نفتح حديثا مع من يخدمنا في المطاعم حتى نعرف حياته من ألفها إلى يائها،
ولكن هذه النادلة لم تترك لنا مجالا لنقول: شكرا!
نحن نذهب إلى المطعم ليس من أجل الأكل فقط، بل لتغير الجو وتحسين النفسية، وعندما تقارب الفاتورة المائة دولار وتلقى هكذا معاملة تصاب بالإحباط
حسب رأيي خدمة الزبائن في أمريكا أفضل من أي بلد في العالم زرته، ولنفس السبب لم أحب دول أوروبا!
القاعدة العامة في أمريكا تقول: يجب أن تتعامل مع الزبون كما لو كان دوما على حق!
لو كانت ابنتي محلي لقالت: ماما ارجوكِ سامحيها، لا أحد يعرف كيف كان يومها
هذا صحيح، ولكن على من يشتغل في المرافق العامة وخصوصا المطاعم أن يكون لطيفا تحت أي ظرف!
الحياة لا تعاش إلا ببعض التنازلات، وعندما يتعلق الأمر بعملك يجب ان تتمتع ببعض القدرة على إخفاء آلامك الشخصية ولا تنقل طاقتك السلبية لغيرك!
طاقة كل إنسان تشدّ أو تحجب عنه رزقه، وذلك حسب طبيعتها
كنا ندفع على الأقل 20٪ من قيمة الفاتورة، لكن بعد تراشق بالنيران وشد شعر ترك لها زوجي مبلغا، وأنا أتمتم: يا خسارة
فالسلوك الذي يُكافأ يتكرر!
وفاء سلطان:
في الثمانينات من عمرها.
أحنى الزمن ظهرها قليلا، لكن روحها مازالت تعانق السماء.
التقينا في المكان المخصص لعربات التسويق على باب أحد المحلات.
وبينما هي تسحب عربتها التقت عيوننا فصبّحت علي.
رددت التحية، وتابعت: تبدين جميلة جدا، إذ من النادر أن ألتقي بامرأة بهذه الأناقة والترتيب!
فعلا الحياة الأمريكية العملية أنستنا الكثير من أصول الأناقة والتزين.
إلى حد ما، تعجبني هذه العفوية في أمريكا،
فلقد خففت عنا نحن النساء مهمة التبرج كل صباح، وزادت ثقتنا بأنفسنا.
لكن من ناحية أخرى، من الجميل أن نحافظ على أناقتنا ومظهرنا طالما لا نبالغ
نعم لا نبالغ، فلقد أصبحت الكثيرات من النساء اليوم نسخا متكررة من لعبة باربي:
قشرة من الخارج وفراغ من الداخل
المهم، أشرقت ابتسامتها حتى أضاءت وجهها المهندس بطريقة فنية غير مبتذلة، وقالت بعد أن وضعت يدها على كتفي:
حبيبتي كل سلوك تتقنينه عادة، فمتى تعلمتِ عادة تصبح طريقة حياة
ثم تابعت:
منذ سنوات مراهقتي لا أخرج من البيت حتى أتأكد من أنني أسر الناظر إليّ، فمظهرنا الخارجي يعطي الانطباع الأول
أكدت لها أنها فلسفتي كذلك، وتمنيت لها يوما جميلا
المنستير… مشروع لبعث فضاء موسيقي عمومي لذوي الاحتياجات الخاصة
لعلّي أراكم
فيما بايدن يجمع أدباشه… بوتين يقيم علاقات شراكة مع دول إفريقيا
أمستردام: “هوليغانز” من دولة الاحتلال يستفزّون جماهير عربية وهولندية… والسلطات تقلب الحقائق خوفا من نتنياهو!
فيما العدوان لا يتوقف ضد الأبرياء… المقاومة تجهز على 15 جنديا وتستهدف عتادا عسكريا ومستوطنة
استطلاع
صن نار
- ثقافياقبل ساعتين
المنستير… مشروع لبعث فضاء موسيقي عمومي لذوي الاحتياجات الخاصة
- شعريارقبل ساعتين
لعلّي أراكم
- صن نارقبل ساعتين
فيما بايدن يجمع أدباشه… بوتين يقيم علاقات شراكة مع دول إفريقيا
- صن نارقبل ساعتين
أمستردام: “هوليغانز” من دولة الاحتلال يستفزّون جماهير عربية وهولندية… والسلطات تقلب الحقائق خوفا من نتنياهو!
- صن نارقبل ساعتين
فيما العدوان لا يتوقف ضد الأبرياء… المقاومة تجهز على 15 جنديا وتستهدف عتادا عسكريا ومستوطنة
- صن نارقبل 3 ساعات
ترامب يبدأ في تشكيل إدراة جديدة… والديمقراطيون يحمّلون بايدن مسؤولية الهزيمة
- جور نارقبل 15 ساعة
آفة المخدرات بتونس: التاريخ… التوسع… الحلول
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!