جور نار

تخاريف يوم نحر الخروف

نشرت

في

للعام الثاني على التوالي، نحتفل بالعيد تحت وطأة الخوف …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

بل يمكن من باب الحصر، بما أنه على مجمل أعدائنا لم نتفق إلا على هذا الوباء القادم إلينا من وراء الحدود … فيروس انطلق منذ واحد و عشرين شهرا، ثم عمّ على جميع الأوطان و القارات و لم يسلم منه شعب و لا لغة و لا دين و لا نظام سياسي و لا بنية تحتية مهما كانت متانتها … و إذا كان في المصائب ما يُحتمل، فإن ظرف تخفيف هذه البلوى هو شموليتها كما أسلفنا، مما يعطي بعض الراحة للمحكومين، و أكثر الراحة للحكّام ممن يهوون إخلاء مسؤوليتهم عند حصول فاجعة ما …

و هذا ما يبدو لنا من خلال أقوال و أفعال القائمين على شؤون بلادنا … هم أولا، لا يعترفون بمسؤولية أي شيء يقع على رأس تونس، حتّى لو شجّه إلى نصفين … و منهم طائفة تمسك بكل خيط يتحرك في مشهدنا، و مع ذلك تعلن من الصباح لليل بأنها لا تحكم، و أن وجودها في الحكومات الفاشلة المتعاقبة لا يزيد عن وزير وزيرين ثلاثة “إذا خلات” … و تتعب نفسك و ترهق ذهنك و يجفّ ريقك و أنت تؤكد أنهم هم الذين يديرون دفة السفينة دون شريك منذ عقد من الزمن … زائد …  مع العلم بأن هذه النادرة تحصل لأول مرة في دولتنا منذ خُلقت هذه الدولة على امتداد 2835 سنة !

فلا أسباط قرطاج، و لا عائلة برقا، و لا الاحتلالات الرومانية و البيزنطية و الفندالية و التركية و الفرنسية، و لا فترة الفتح الإسلامي، و لا ممالكنا الأغلبية و الفاطمية و الحفصية، و لا جمهورية بورقيبة، و لا جمهورية بن علي … لم يزعم حاكم من كل هؤلاء، أنه مسكين مكتوف اليدين يملك البلاد و لا يحكمها على غرار ملكة بريطانيا … كل السلالات التي أدارت أرضنا على مدى ثلاثين قرنا، كانت لها على الأقل فضيلة الإقرار بأنها تقود و تتحمل تبعات القيادة خيرا أم شرّا … إلا هؤلاء الذين يسيطرون على مجريات أمورنا و يحكمون مصيرنا و يجمعون أموالنا و يوزّعونها على هواهم منذ 2011 و بالطول و العرض أيضا …

و على ذكر التغطّي بالجائحة العالمية لتبرير إدارة سيئة، فإن هذا لم يشفع لآخرين في بلدان أخرى … دونالد ترامب حقق أرقاما اقتصادية قياسية، رفع نسق نموّ بلاده، خفّض البطالة إلى أدنى مستوياتها، وضع حذاء أمريكا على رقبة الكلّ شرقا و غربا، جلب في زيارة واحدة إلى السعودية ما يعادل ميزانيتنا لـ 30 سنة … و مع ذلك، فإن فشله في إدارة موضوع كورونا جعل كل إنجازاته الضخمة تسقط في الماء … و أسقطه شعبه عند أول محطة انتخابية، و فضّل عليه رجلا عجوزا من بقايا عهدهم السابق … و لم نسمع بهما (الرابح و الخاسر) استقلاّ طائرة سليم الرياحي، و لا اجتمعا في أوتيل بباريس، و لا اتفقا على اقتسام السلطة شطر لولدك و شطر لأولادي !

للعام الثاني على التوالي، نعيّد تحت ساطور الخوف …

للعام الثاني؟ بل قل للخماسية الثانية لو عدنا إلى نظام مخططات التنمية و أين هي يا حسرة … خوفنا قائم على المستقبل الذي لم يعد آمنا حتى القريب منه، و كم أرثي لمن وُلدوا و يولدون و ما ينتظرهم و في عنق كل منهم ديون ثقيلة لا ذنب له فيها … خوفنا أيضا على الحاضر و في كل لحظة عندك خبر عن زيادة سعر أو حدوث اقتطاع أو وعيد بحرق البلاد إذا لم ندفع لهم جزية تليها جزية … صرنا نخاف كل الخوف حتى على الماضي و مكاسبه الشحيحة و هي تذوب مثل الشمع في فوهة نار … مكاسبنا الاجتماعية و الاقتصادية و السيادية و المعيشية و آخرها الماء الذي قد نتحول بفعل خوصصته إلى زبائن مصطفين بالملايين على “سيترنات” مستثمرين تونسيين و أجانب …

تحسد أحيانا أغنام عيد الأضحى، على عمرها القصير الذي ينتهي بشرف الفداء و صحبة الملائك و الأنبياء …

و مع ذلك، أتمنى للجميع عيدا سعيدا و صمود أبطال و أياما أكثر أمانا.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version