عندما غنى عبد الحليم حافظ “باحلم بسماها و بترابها” لم تكن مصر تعيش أحلى أيامها و لم يكن يتغنى بانتصاراتها بل كانت أحزان النكسة و انكساراتها تلاحقها وقتها … و رغم ذلك لم يتوان حليم عن التغني بها و بدروبها و أبوابها و أولادها ..و لم يهمل الأبنودي و هو يكتب الكلمات شمسها و قمحها و مصنعها .. و لم ينس الطويل أن يلحن فيها للمستقبل و الأيام الجاية… أسعدوها و أعلوا اسمها و لم يتنكروا لها في هزيمتها و محنتها، مثلما أسعدتهم و احتضنتهم في رخائها و انتصاراتها و هذا هو ديدن كل الوطنيين و كل من يحبون بلدانهم…
مثلما تغنى العندليب بمصر زمن أزمتها.. يحق لنا اليوم، بل من واجبنا اليوم أن نتغنى بتونس … من حقها علينا أن لا نقف عند مهاترات السياسيين و صراع أهل السلطة و تنازعهم على الكراسي و المكاسب من حقها علينا أن نجلو الظلام و نزيح الغبار على جوانبها المشرقة و أركانها الدافئة … نعم تونس رغم كل شيء تبقى أرضنا الطيبة التي نحلف بكل ذرة تراب فيها و نعشق التيه في دروبها و ندمن حب تفاصيلها… تونس لنا و نحن وحدنا القادرون على استخلاص الحلو من المر و استخراج نكهتها الأصلية الأصيلة، نكهتها الأصلية في دعوات الأم الصباحية و في تسابيحها المسائية، نكهتها الأصلية في كفاح الأب اليومي و إيمانه بحق أبنائه عليه …
تونس أرضنا الطيبة نرى جمالها في يدي عامل يبذل جهده و يتفانى في عمله دون أن يتذمّر … نستنشق عطرها في خبز الطابونة يحمله معه الفلاح قاصدا أرضه منذ تباشير الصباح الأولى، أو في شبكة صياد يجابه لفح الشمس و قرّ البرد أياما و ليالي … نسمع ترنيمتها في حفيف العلم يحييه جندي يرابط ليلا نهارا ذودا عن حمى الوطن … نستطيب طعمها في إصرار شبابها الذي يتحدى العراقيل و الصعوبات ليبني مشروعا أو يطلق حلما أو يدافع عن فكرة … نستعذب ملمسها في رقة طفل حالم يقصد المدرسة و كله شوق إلى العلم و إيمان بالمستقبل …
نستلذ نعومتها في طبطبة جار على جاره و مساعدة القادر للمحتاج و تضامن أهاليها في قوافل المساعدات و تبرعات الجائحات و تيليتون الفيضانات … نتحسس أنفاسها في ابتسامة طبيب أنقذ للتو مريضا من الموت أو نظرة رضى من محام أو معلم أو مهندس أنهى عمله على أكمل وجه … تونس هي أرضنا الطيبة التي نسكر بنبيذ حبها المعتق، حبها الذي أورثه لنا نساء و رجال ضحّوا و تعبوا لنكون نحن و تكون تونس…