وسط معارك السياسيين و مهاتراتهم التي لا تنتهي و عقلية ” البونتوات” التي يعتمدونها في التعامل مع بعضهم أو ضد بعضهم.. و ردود فعل المتفرجين و هتافهم تصفيقا لهذا أو نهليلا لذاك و وسط تخبّط الحكومة في مواجهة وباء يحصد الأرواح و يبدد الأرزاق يوميا و دولة تغرق في الديون و تكاد تعلن إفلاسها ،
وسط سلطة بكل أطرافها عاجزة عن الإيفاء بتعهداتها تجاه مواطنيها فلا التلاقيح متوفرة و لا أسرة الإنعاش و لا آلات الأكسجين في المستشفيات كافية.. و عاجزة عن وضع المصحات الخاصة على ذمة المواطنين و تسخيرها ـ ولو جزئيّا ـ للمصلحة العامة و وسط غلاء فاحش و ارتفاع جنوني للأسعار و تدهور للقدرة الشرائية و فقدان متواصل لمواطن العمل و تفاقم جنوني لأعداد العاطلين و وسط أجواء رمضانية باهتة خافتة لا بهجة فيها و لا مظاهر جمال أو جلال فرائحة الموت تنتشر في البيوت و طائر الموت يحوم فوق الرؤوس وسط كل هذا الخراب و هذه الأجواء القاتمة و الأوضاع الخانقة …
وسط كل هذا، تُطلّ من وراء الغيوم، تونس أخرى ممكنة تونس أخرى تدعونا فقط إلى نجلُوَ عنها السواد و نُزيح ستائر الإهمال و اللامبالاة… هي تونس الناجحة بعقول أبنائها و سواعدهم و إرادتهم تونس الشباب المكافح الذي رفض الاستسلام للروتين و طوابير الانتظار أو الهجرة و مغادرة البلاد نحو عوالم أرحب. تونس الشباب المبتكر المجدد المطوّر في كل الميادين ليبني واقعا مغايرا و مستقبلا أجمل لو لقي الدعم و التشجيع تونس الشباب الذي آمن أن الفرصة لا تأتي لوحدها و أن العمل و المثابرة قادران على تحقيق النجاح …
تونس الشباب الذي يفكر و يخطط بعيدا عن المألوف أو كما يحلو لهم أن يعبروا عن أنفسهم “think out of the box ” هذا الشباب الذي يهمله الإعلام و لا يتحدّث عنه أحد و تُغلَق في وجهه أبواب الإذاعات و التلفزات و لا تُنشر صوره على أعمدة الجرائد و المجلات إعلامنا الذي لا يفتح ” بلاتواته ” و منابره على مصراعيها إلا لسياسيي الصدفة و المتطرّفين و محترفي المهاترات و مسرّبي الإشاعات و الأكاذيب المتلَوِّنين بتلوّن مصالحهم… أو لفناني الصف الرابع و ” انستاغرامورات” الموضة و ” يوتيبورات” التفاهة و مروّجي الأفكار الهدامة فمن منكم مثلا أخبرته التلفزات أو الإذاعات عن تولّي مجموعة من الشباب غراسة 60 الف شجرة في غابات الشمال التونسي منذ أسبوعين..؟
أو من منكم قرأ في إحدى المجلات خبرا عن السيارة التي أنجزها ثلاثة إخوة شبان من نابل بإمكانياتهم الذاتية و طوّعوها للتنقل في المسالك الريفية الوعرة؟ أو من سمع في إحدى الإذاعات عن قيام اثنين من الشبان بتأسيس شركة مختصة في تربية الذباب و تصدير مستخرجاته من البروتيين إلى الخارج، ؟ أو من تابع أخبار الروبوت أطلس الذي تمّ تصنيعه بإمكانيات تونسية خالصة و يُستخدم في تقييم المحاصيل الفلاحية و مراقبة الأمراض التي تصيبها.؟ و الأمثلة كثيرة و كثيرة في كل المناطق و كل الميادين..
فمتى نهتم فعلا بهذه الطاقات و نعطيها حقها من النور و الضوء .. ؟؟ ماذا ننتظر لنجعل منها قدوة و مثالا لباقي الشباب الذي أصابه اليأس و الإحباط..؟؟ ماذا ننتظر لنعطي الثقة في هذا الشباب ليُغيِّر و يطوّر و يساير النسق العالمي المتسارع حولنا ؟؟ متى نعيد الرّوح لمستقبل هذه البلاد.. متى.. متى؟؟