لمْسُ نار

تونس برجالها

نشرت

في

  هذه العبارة وردت على لسان وزير الشؤون الدينية إبراهيم الشايبي في أحد تصريحاته و تم التّأكيد عليها في تدوينة بالصفحة الرّسمية للوزارة على فايسبوك

<strong>عبير عميش<strong>

هذه العبارة التي لم نتوقع يوما أن تصدر في خطاب رسمي و ممن ؟ من وزير الشؤون الدينية في تعليق على مطالبة الأئمة و الوعاظ بتوضيح بعض الإشكاليات المتعلّقة بدعوته إلى إقامة صلاة التهجدّ في ليالي رمضان

عبارة و خطاب يذكراننا بعرك الحْوِمْ وكلاشات الرّابورات و لغة الباندية و الفرارات

عبارة تعكس ميزوجينّيّة متبنّيها وتحمل رغبة دفينة في إقصاء المرأة يخفيها خطاب ذكوري في إحالاته و مرجعياته  ..

عبارة تخفي وراءها خيباتنا و تقهقرنا على امتداد عشر سنوات أو أكثر من التجهيل و الارتداد ..

برامج و أعمال تلفزيّة و حتى بيانات وزارية و خطب رئاسية  تهمل قيمة العمل و الاجتهاد و تركّز على الغيبيات و الماورائيات و تدعو إلى حلّ المشاكل بالتضرّع و الدعاء في مزج هجين بين السياسي و الدّيني ..

تونس برجالها كان يمكن قولها قبل أن يفكّر الإيطاليون في تسميم موانئنا و بلادنا و إرسال نفاياتهم إلينا …  

تونس برجالها كان يمكن قولها قبل أن نسمح لبعض مواطني البلدان الافريقية المجاورة بالتهكّم علينا والانتقاص من قيمتنا …

 تونس برجالها كان يمكن قولها قبل أن تقرر إحدى الشركات البحرية التخلص من سفينتها المتهالكة بإغراقها في مياهنا …

فلو كان العالم يعتبر أننا بلد ذو هيبة و عنده رجال و نساء واقفين مليح على مصالحه لما استهانوا بنا و لما فكروا في إلقاء نفاياتهم في بحارنا و أراضينا و في إطلاق العنان لألسنتهم لشتمنا و احتقارنا …

تونس برجالها هذه العبارة التي جاءت في سياق تحدّ بين الوزير و منظوريه ، كان يمكن أن تكون صحيحة لو اعتمدت في سياق آخر .. سياق الفخر و الاعتزاز

” تونس برجالها و نسائها ” الذين آمنوا بقيمة العلم و شرّفوا تونس و رفعوا رايتها في عديد المناسبات الدّولية و العالميّة .. دكاترة و مختصون و علماء و باحثون يعترف بهم العالم و يستفيد منهم و بثمّن أعمالهم في حين تنساهم و تهملهم بلادهم

” تونس برجالها و نسائها ” الذين آمنوا بقيمة العمل و الاجتهاد فزرعوا الأراضي و بنوْا المؤسسات وأسسوا المصانع و شغّلوا المواطنين و ساهموا في تنمية موارد الدولة

” تونس برجالها و نسائها ” من شخصيات دخلت التاريخ من أوسع أبوابه و حفرت أسماءها في سجلّات مآثره و خالديه من حنبعل إلى الكاهنة إلى عزيزة عثمانة إلى أحمد خير الدين إلى مجيدة بوليلة إلى فرحات حشاد إلى الحبيب بورقيبة الذي رغم وقوفه في وجه الاستعمار الفرنسي إلا أنّه كان حاضرا بقوة في المواجهة الأخيرة  بين المرشحين للرئاسة الفرنسية  و ما ذِكره و الاعتراف به و بإنجازاته الوطنية إلا دليل على قيمة الرجل و البصمة التي تركها في التاريخ الوطني و العالمي

هؤلاء الرجال و النّساء داخل تونس و خارجها هم صورتها و سفراؤها و هم من يصح عليهم القول ” تونس برجالها و نسائها “

لكن و في ظلّ ما نعيشه هذه الأيام من ضعف و هوان اقتصادي ومن انتكاسة سياسيّة و عودة سريعة إلى نظام الفرد الواحد الأحد المالك لرقاب الجميع، المتحكّم في كلّ الأجهزة فلا صوت يعلو فوق صوته و لا رأي غير رأيه و لا قرار غير قراره، هل مازال لهذه العبارة من معنى ؟ و أين هم الرجال و النّساء الذين سيقفون في وجه المشروع الفردانيّ و سيبنون الدّيموقراطيّة الحقيقيّة التي أضاعها علينا جيل من الهواة و الانتهازيين وأوصلونا إلى هذا الوضع البائس؟ أين هم الرّجال و النّساء الذين سيعيدون بناء اقتصاد البلاد و ترميم مؤسساتها و بناء استراتيجياتها للعقود و الأجيال القادمة؟

 أم أنّ قدرنا أن نعيش على إيقاع الخصومات و الصراعات و الإقصاءات التي تكرس عقليّة  ” التّوب رجلة ” 

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version