وهْجُ نار

تونس بين كذبتين…14 جانفي و25 جويلية

“ليهْ تِهدمُوني وأنا اللِّي عِزّكمْ باني” !

نشرت

في

بمجرّد أن تكتب شيئا لا يعجب اتباع مولانا، يخرج علينا هؤلاء أو بعضهم يصرخون في وجوهنا…يتصبّبون عرقا من شدّة انزعاجهم مما كتبنا ونكتب…وينفجرون غضبا بقولهم “كونوا وطنيين ولا تعارضوا السلطة وساعدونا”…

<strong>محمد الأطرش<strong>

هكذا هم يُخرجون أسلحة دمارهم اللفظي الشامل حين تزعجهم الحقيقة التي نكتب …فهم يعدّون العدّة للنيل منّا بتهمة “اللاوطنية” في كل مرّة يقرؤون سطرا لا يعجبهم ولا يليق بمقامهم…فمن يعارضهم ليس وطنيا…ومن يقول لهم أخطأتم ليس وطنيا…ومن يتحدث للإعلام الأجنبي عن الأوضاع بالبلاد ليس وطنيا… ومن يحضر ندوة عالمية عن حقوق الانسان يصبح خائنا وعميلا…ومن لا ينخرط في استشارتهم ليس وطنيا…ومن لا يقبل بدستورهم ليس وطنيا…ومن لا يشارك في انتخاباتهم ليس وطنيا…هكذا هم…

هم يريدون حكما دون معارضة…وحكما دون وجع رأس…ألم يعارضوا هم من كانوا شركاء معهم في الحكم…ألم يعرقلوا أغلب مسارات من كانوا معهم…ألم ينقلبوا هم على من شاركوهم الحكم لأكثر من سنة…فكيف يرفضون ما كانوا يأتونه هم…فعن أية وطنية يتحدّثون…

وطننا هذا أم غابة…وطننا هذا أم قبيلة وعشيرة…وطننا هذا أم مخزون استراتيجي من الحقد والكراهية…أوطن هذا أم مسخرة…عن أي وطن تهذون؟ تتهمون هذا…تنعتون الآخر…تشيطنون البقية…تهتكون عرض هذا…تحاكمون الآخر…كيف تريدون من الشعب أن يكون وطنيا…وبعض كرامته مهدورة…كيف تريدون من الشعب ان يكون وطنيا …وهو يعيش المأساة كل يوم…وبعضه يجوع كل يوم…وبعضه ينتظر دواء لن يأتي…وبعضهم ينتظر مورد رزق قد يموت ولا يلقاه…وبعضهم ينتظر نظرة وداع على جثّة ابنه الذي مات غرقا في بحر الهروب من جحيم وطن أوجعه…شرّده…جوّعه…أحبطه… وطن لا مكان له فيه…

كيف تريدون من الشعب ان يكون وطنيا…والشعب يشعر بالغبن وهو يشاهد سذاجة بعض المسؤولين وافعالهم التي لا تليق بتاريخ الوطن…الوطن الذي أنجب ابن خلدون…أنجب محمود المسعدي…أنجب بورقيبة…انجب منجي سليم…انجب فرحات حشاد…أنجب محمد علي الحامي…انجب الطاهر الحدّاد…أنجب بشيرة بن مراد…أنجب الطاهر بن عاشور…وأنجب غيرهم من الصادقين والصادقات…الوطن ليس فقط حفنة تراب تحتضنك…ولا مضمون حالة مدنية يثبت هويتك، ويؤكد ولادتك في أحد مستشفياته التي تفتقد لأبسط تجهيزات التوليد…الوطن ليس فقط ارضا تعيش عليها… ليس فقط ما تأكله من ثمارها وثومها وبصلها… ليس فقط عائلة أعطتك اسمها…والوطن ليس سلطة تتهم شعبها وتنكّل به… هذا تمنعه من السفر والآخر تتهمه ظلما…والبعض الآخر ممنوعون من التنظّم…

الوطن ليس مملكة يقول فيها السلطان ما يريد ومتى يريد وكيف يريد عن شعبه…يتهم هذا…ويحقد على الآخر…ويشهّر بهذا…ويهتك عرض الآخر…الوطن ليس مرسوما يمنعك من فتح فمك خارج غرفة طبيب الاسنان…الوطن ليس مرسوما يسلب منك مالك للتغطية عن عجز الدولة في تأمين قوتك…الوطن ليس مرسوما يعفي فيه الحاكم من يريد ممن لم يبايعوه ويعلنوا له الولاء…الوطن ليس مرسوما يعيّن فيه الحاكم من يريد في المناصب العليا دون كفاءة ولا تجربة ولا حتى مظهر لائق يليق بسمعة رجالات تاريخ الوطن…الوطن ليس مرسوما نلغي فيه حقّ كل خصومنا من التواجد ومن التحرّك ومن النشاط…

الوطن هو الذي ينصفك حين تكون مظلوما…والوطن هو الذي يعاقبك حين تكون ظالما… الوطن هوَ الذي تشعر فيه بالأمان على نفسك وعائلتك وممتلكاتك…الوطن هو الذي يتعلم فيه حكامه وشعبه من أخطاء الماضي…الوطن هو الذي لا يتعامل فيه حكامه مع الشعب بسياسة فرّق تسدّ…الوطن هو الذي يوفّر لشعبه كل مكونات العيش الكريم…

الوطن ليس ذلك الذي ينشر حكامه بين مواطنيه الخوف والقهر واليأس وفقدان الأمان …الوطن ليس ذلك الذي نتعارك فيه ونتنابز بالألقاب وننعت بعضنا بعضا بأبشع الألفاظ…وكأننا من الملائكة وخصومنا من أحفاد ابليس…الوطني ليس ذلك الحاكم الذي لا يأبه لما يحتاجه شعبه ويواصل تعنته ورفضه لما ينصحه به خصومه…الوطن ليس من لا يأبه لشعبه إن جاع وإن عانى غلاء الأسعار وندرة وفقدان بعض المواد الأساسية…والوطنية ليست وساما يعلّق على صدر كل من يعلن البيعة والولاء للسلطان…فالمعارضة من الشعب ومن الوطن…والخصوم من الوطن ومن الشعب…الوطن هو تلك القطعة من الأرض التي نشتاق إليها ونحن خارجها… الوطن ليس ذلك الذي يستعبد فيه أتباع السلطان والحاكم الشعب ويسلبونه حريته، ويقسمونه فئات ومناطق، وأولويات وأتباعا وخصوما …وأعداء و”بين بين” وعبيدا …

تعالوا لنتحدّث بصراحة…تعالوا لنكشف المستور…فــ14 جانفي كان أكبر كذبة عرفتها تونس على مرّ التاريخ…كذبوا، فقالوا بن علي كان مستبدا…ونظامه كان فاسدا…كذبوا…وأطردوا رجالات النظام…كذبوا، وأفرغوا مؤسسات الدولة من أهمّ كفاءاتها…كذبوا، وألقوا بالعديد من الإطارات العليا ظلما في السجون…كذبوا، واتهموا الجميع بالفساد…كذبوا، وقالوا إنهم سيغيّرون وجه البلاد…كذبوا، وقالوا إنهم سيعدلون بين الناس…كذبوا، وأغرقوا مفاصل الدولة بالموالين لهم…كذبوا، وقالوا إنهم سيحققون مطالب الشباب التونسي…كذبوا، وقالو انهم سيحققون العدالة الاجتماعية…كذبوا، وقالوا انهم سيصلحون وضع التعليم…كذبوا، وقالوا ان لهم لقدرة على الاستجابة لمطالب الجهات الداخلية الفقيرة في التنمية والتشغيل…كذبوا، وقالوا سيوفرون الصحّة للجميع…كذبوا، وقالوا انهم سيوسعون دائرة الاستثمار لخلق الثروة…كذبوا…جميعهم كذبوا…وتعالوا نكن أكثر صراحة قبل أن يسقط البناء على رؤوسنا جميعنا…فـــ25 جويلية كان أيضا كذبة كبيرة …وصدقناها… 25 جويلية لم يأت بشيء يصلح حال هذا الوطن…فما أتيناه من أخطاء بعد 14 جانفي نعيده اليوم مع فارق في المأساة…وفارق في المعاناة…ووجع أكبر… فنحن اليوم شتات…تعالوا نتعظّ من أخطاء الماضي…تعالوا ننزع الأحقاد…

لا بد من مصارحة حقيقية بين كل مكونات هذا الشعب… لا بد من وضع أسس لإعادة بناء دولة إخاء وتسامح دون أحقاد…ودون ثأر ولا انتقام…تعالوا ننس ما علق بهذا الوطن من فتن…وضغائن…ولن يتم ذلك إذا اعتبر كل طرف نفسه هو الأسلم والأصح والأقوى…فماذا يعني أن يصبح الحاكم عدو المحكوم…فكيف سيحكم وسيبني وسيخدم وسيصلح الحاكم حال المحكوم، دون أن يكون معه المحكوم… لا بد من كسر الخوف على المصير لمن نعتبرهم خصوما…ولمن ليسوا من الأتباع والمساندين…فإن نزعنا الخوف نزعنا كل المطبّات…فالجميع اليوم مطالب بالمشاركة في إعادة بناء هذا الوطن…دون أحقاد…ودون عناد…فلا أحد منّا ولد ملاكا…ولا أحد منّا جاء من نسل الشيطان…دعونا نتخلّص من أزمتنا التي طالت وقد تحرق كل الزرع…

دعونا نتخلّص من عناوين التفرقة…هذا من الأتباع…والآخر ممن حكموا قبل الخامس والعشرين…والآخر من أزلام نظام بن علي رحمه الله…والآخر من العملاء… لا أحد سيقبل بالإقصاء…فالوطن إن أردتموه وطنا…فهو للجميع…وطن لا تكون فيه غريبا…ولا تشعر فيه بأنك مسلوب الحرية…ولا يكون فيه الحاكم خصما لك أو عدوا…فإن عاداك الحاكم…فأنت لست في وطنك…فالوطن الذي لا يكفل فيه الحاكم حريتك وحقوقك ولا يضمن لك العدالة والكرامة وما تعنيه في مفهومها الشامل ليس وطنك…غادره وستكون اسعد أينما كنت…وتكون…

نحن اليوم وكأننا في مركب من مراكب “الحرقة” أو مراكب الموت…تعالوا نسدّ الثقب الذي أوجدناه بمشيئتنا بمركب أصاب السوس لوحه قبل أن نغرق جميعا…تعالوا نسال عمّا سأل عنه بيرم التونسي…وقال:

” ليه أمشي حافي وأنا منبت مراكيبكم؟

 ليه فرشي عريان، وأنا منجّد مراتبكم؟

 ليه بيتي خربان، وأنا نجّار دواليبكم؟

 هي كده قسمتي؟ الله يحاسبكم!

 ساكنين علالي العتب،

 وأنا اللي بانيها

 فارشين مفارش قصب،

 وأنا ناسج حواشيها

 قانيين سواقي دهب،

 وأنا اللي أدور فيها

 يا رب ماهوش حسد

 لكن بعاتبكم

 من الصباح للمسا، والمطرقة فيدي

 صابر على دا الأسى حتى نهار عيدي

 ابن السبيل انكسى، واسحب هرابيدي

 تتعروا من مشيتي واخجل أخاطبكم

 ليه تهدموني وأنا اللي عزكم باني

 أنا اللي فوق جسمكم قطني وكتاني

 عيلتي في يوم دفنتي ما لقيتش أكفاني

 حتى الأسيّة وأنا راحل وسايبكم.”

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version