جور نار

تونس .. هل تقدر على تحمّل تبعات عدم التعامل مع صندوق النّقد الدّولي؟

نشرت

في

ضبابية وتعثر يكتنفان علاقة تونس مع صندوق النقد الدولي

في إجابته عن سؤال صحفي حول تعامل تونس مع صندوق النقد الدولي اثناء زيارته لمدينة المنستير، قال رئيس الجمهورية : ” الإملاءات التي تأتي من الخارج و تؤدي إلى مزيد التفقير مرفوضة … ” و في إجابته عن البديل الممكن قال ” يلزم نعملو على رواحنا “.

<strong>عبير عميش<strong>

هذه الإجابة فيها الكثير من روح بورقيبة الذي كان سعيّد يتحدث من روضته في إحياء الذكرى الثالثة و العشرين لوفاته … و لا يوجد وطني واحد يمكن أن يرفض هذه الفكرة و لا أن يساند هذا التوجه بل إنّ كثيرين ـ و أنا منهم ـ قد بحت أصواتنا و نحن ننادي بذلك طيلة سنوات… منذ 2011 و إلى اليوم و نحن نطالب باستعادة قيم العمل و الاجتهاد و نبذ التّواكل و التعويل على الذات لخلق الثروة ، و رفض التصرفات الشعبوية التي يطالب أصحابها بالحصول على مناباتهم من البترول و الفوسفات و حتى الملح و هم يواصلون الجلوس في المقاهي و تصفّح هواتفهم الجوّالة … التعويل على الذات ممكن بل أكثر من ذلك هو مطلوب … و لكن في ظلّ الأزمة الحالية هل بإمكان الدولة و الشعب انتظار نتائجه التي لا يمكن أبدا أن تكون فورية و الإكتفاء به كآلية وحيدة لحلّ الأزمة ؟ التعويل على الذات ليس مجرد شعار أو شقشقة لغوية إذ لابدّ من أن تتوفر الأرضية الملائمة لتحقيقه…

فهل نحن قادرون حاليا و بصورة فورية على إيقاف توريد المواد الاستهلاكية و تعويضها بالصناعات المحلية و على الحدّ من المنتوجات الفلاحية المستوردة و دعم الفلاح لتحسين الإنتاج و المردودية ؟ هل نحن قادرون حاليا و بصورة فورية على إعادة النظر في سياساتنا الطاقية و التشجيع على إنتاج و استعمال الطاقات البديلة ؟ هل نحن قادرون حاليا و بصورة فورية على استقطاب المستثمرين الأجانب و مراجعة الإجراءات الجبائية لدعم التنمية و تطوير النسيج الصناعي ؟ … التعويل على الذات يحتاج أيضا نبذا للخلافات و توافقا مجتمعيا و مشروعا متكاملا و حلما مشتركا يجعل الشعب – كلّ الشعب – يسعى إلى تحقيقه و يتحمل ما يقتضيه من صعوبات . فهل لدينا اليوم شعب متماسك له نفس الأهداف و التصورات ؟

هل لدينا سياسيون (سلطة و معارضة ) قادرون على الاتفاق حول تونس التي نريد في المستقبل حتى يتمكنوا بعد ذلك من إقناع الشعب و دفعه إلى التضحية في سبيل هذا الهدف ؟ إنّ خطابات التشنّج و التشفّي و الكراهية و التّقسيم (من كلّ الأطراف) لا يمكن أن تساعد على تكوين جبهة داخلية متماسكة قادرة على الوقوف في وجه إملاءات صندوق النقد و مطالبه التعسفية كما ينعتها بذلك مَنْ في السلطة … التعويل على الذات لا يكون كذلك بترويج أفكار هلاميّة، ففكرة الصلح الجزائي لم تثبت جدواها إلى اليوم رغم مرور أشهر على تأسيس الهيئة و اضطرار الرئيس إلى إقالة رئيسها حينما لم يحقق ما طلب منه .. و لا يكون بالشركات الأهلية التي مازال أصحابها أنفسهم ينتظرون أن تضخ الدولة فيها الأموال اللازمة … أما ملف الأموال المنهوبة في الخارج الذي ما فتئ رئيس الجمهورية يكرر الحديث عنه منذ 3 سنوات أو أكثر فقد صار ملفا ميؤوسا منه على ما يبدو بعد أن عجزت مؤسسات الدولة عن إدارة الملف منذ سنوات .. إن من في السلطة عليه ان يستمع إلى معارضيه قبل أنصاره فليس وحده المالك للحقيقة و قد لا يكون مشروعه هو المشروع الأمثل و لا البديل الأمثل لحل الأزمة ….

من ناحية ثانية كيف يمكن الحديث عن رفض التوجه إلى صندوق النقد الدولي بعد أن عشنا أكثر من 14 شهرا على وقع أخبار التفاوض و تبادل الوفود بين الحكومة و مسؤولي الصندوق و بعد أن هلّل الوزراء عند توصلهم في أكتوبر الماضي إلى الاتفاق التقني و أعلنوا خبر موافقة الصندوق على منح تونس 1.9 مليار دولار و ما يترتب عن ذلك من اتفاقيات لاحقة باعتبار أن صندوق النقد هو ضمان الحصول على قروض أخرى سواء من صناديق أخرى أو من خلال اتفاقيات ثنائية الحكومة نفسها قدّمت مقترحا لبرنامج الإصلاح (لا نعرف إلى اليوم محتواه) حتى تستطيع توفير الموارد و التحكم في النفقات العمومية . و ميزانية سنة 2023 بُنِيت على أساس التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد فحسب مرسوم الميزانية الصادر بالرائد الرسمي فإن تونس تحتاج إلى اقتراض حوالي 15 مليار دينار من الخارج (إضافة إلى 9.5 مليار دينار من الاقتراض الداخلي).

إنّ ارتفاع الأسعار و ما نعيشه من تضخم مطّرد و شحّ بعض المواد الغذائية في الأسواق و فقدان عدد كبير من الأدوية و أزمة التزويد التي تتواصل منذ أشهر ، ناتجة عن ضعف الموارد بالعملة الصعبة و عن عجز الدولة عن استيرادها و هي كلّها مؤشرات تدلّ على حاجة البلاد إلى هذا القرض إذ لا تكفي موارد السياحة و تحويلات المقيمين بالخارج لتغطية العجز … فإذا كانت النية تتجه منذ البداية إلى رفض مقترحات الصندوق فلم إضاعة الوقت ؟ و لم إهدار الأموال في إرسال الوفود المفاوضة … ؟ و لماذا لم يتمّ الإعلان عن البديل إلا الآن ؟؟ هذه التناقضات بين توجهات الحكومة و تصريحات الرئيس مؤخرا أدت إلى تراجع مصداقية الدولة و تسببت في تراجع قيمة السندات التونسية في الأسواق ،

فهل يعمل سعيّد إلى دفع الأزمة إلى منتهاها – رغم ما في ذلك من مخاطر – حتى يحرج صندوق النقد و الدول المانحة لتتراجع عن شروطه المجحفة، خاصة أن دول الاتحاد الأوروبي و أساسا دول جنوب أوروبا التي يضغط عليها بملف الهجرة صارت هي التي تسعى إلى الدفع من أجل حصول تونس على القرض خشية على حدودها من تنامي تدفّق موجات المهاجرين بسبب تأزم الأوضاع الاقتصادية؟؟ هل ينوي سعيّد تغيير تحالفاته و التوجه إلى المعسكر الشرقي و السير في ركاب الجزائر في محاولتها الإنضمام إلى مجموعة البريكس كما يدعوه إلى ذلك بعض أنصاره ؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version