جور نار

تونس و ثقافة “هنّي على روحك” !

نشرت

في

هذه أسباب لفهم "احتكار" المجتمعات العربية لظاهرة تعدد الزوجات

أثار تصريح  فتحي تيتاي عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بقفصة، الذي علّق فيه على حادثة  تعنيف أب لابنته و اعتدائه الشديد عليها ممّا تسبّب  لها في نزيف في أذنها لأنها رفضت الانقطاع عن الدّراسة للاعتناء بشؤون البيت، مبرّرا ذلك بمرض الزّوجة مرضا شديدا و مدافعا عن حق الزّوج قانونا وشرعا في أن يتزوج بامرأة أخرى مادامت زوجته عاجزة ،  و يترك البنت حينها تواصل دراستها.

<strong>عبير عميش<strong>

أثار هذا التصريح الكثير من ردود الفعل المتباينة بين مؤيّد  للفكرة (من أصحاب الفكر السّلفي الذين يريدون العودة إلى تعدّد الزّوجات ، ومن الباحثين عن البوز و المتطفّلين على عالم السّياسة و الإعلام) وبين مستنكر لأن يصدر تصريح كهذا عمّن ينتمي إلى الرّابطة و يدّعي الدفاع عن الحقوق في كونيّتها دون تمييز بين ذكر و أنثى .

ورغم بيان الرّابطة المتملّص من هذا الموقف، و رغم اعتذار تيتاي نفسه عن هذه “الزّلة” إلا أنّ التصريح أثار الكثير من الحبر و دفع إلى الواجهة هذا النّوع من التّفكير فما قاله لا يختلف كثيرا عمّا يقال في محيطنا و في مجتمعنا …  و هو ما يستبطن نظرة دونيّة للمرأة .. نظرة تجعل منها مجرّد كيان تابع للرّجل، مجرّد خادمة له و لبيته و أبنائه، مجرّد وعاء جنسي يحقّق من خلاله رغباته و متى عجزت عن القيام بأيّ من هذه الأدوار من حقّه تعويضها أو تغييرها مثلما يغيّر ثيابا أو حذاء و قد نسي الجميع انبناء الأسرة على المودّة و السّكينة و الأمان …و هو ما دفع البعض إلى التّساؤل : ماذا لو قلبنا الآية؟ ماذا لو كان الزّوج هو المريض، هل كانت زوجته ستتركه أو ستطالب بحقّها في أن تتزوّج بغيره ؟؟

إنّ كلّ ما نتشدّق به من ريادة المرأة التونسيّة و ما كفلته لها مجلّة الأحوال الشّخصيّة من حقوق، يبقى حبرا على ورق إذ نصطدم في الواقع بعقليّات مغايرة تماما تؤيّد تعنيف المرأة و تكرّس مرتبتها الدّونيّة و تسحب منها حقوقها و تسلبها حتّى حقّها في الحياة. 

ففي الوقت الذي مازالت فيه حادثة قتل رفقة الشارني على يد زوجها الأمني راسخة في ذاكرتنا … ها أنّ حادثة ثانية تطالعنا هذا الأسبوع، حادثة هلاك وفاء السبيعي بعد تعمّد زوجها عون الدّيوانة تعنيفها و حرقها  …

رفقة و وفاء و غيرهنّ كثيرات هنّ ضحايا مجتمع ذكوري بامتياز (و قد ازداد تغلغل الفكر الذكوري بعد 2011 بصورة تستوجب دراسات نفسية و اجتماعيّة عميقة و عاجلة) هنّ ضحايا ظروف اجتماعيّة و اقتصاديّة بائسة و ضحايا  عادات و تقاليد بالية و أسر لا تتفهّم معاناة المرأة و تتبنّى مقولات من قبيل “هنّي على روحك .. و عاد أش بيه كان ضربك؟ ماهو إلاّ راجلك و يربّي فيك … و ما عندناش نساء تتطلّق … و اللي صبرت دارها عمرت …” و الأجدر مع مثل هذا السّلوك أن يصبح المثل “اللي صبرت قبرها عمّرت”

 نساء مستضعفات مضطهدات في مواجهة ذكور يتفنّنون في تعذيبهنّ نفسيّا و جسديّا يستعينون في ذلك بفحولة مزيّفة و بتشجيع من مجتمع قروسطيّ متخلّف يريد أن يفرض عليهنّ واجب الطاعة… مجتمع يلوم على الضحية و يسامح المعتدي…

و هذه النظرة الدّونيّة للمرأة تتجاوز الأسرة لتمتدّ إلى كل جوانب الحياة فـتُسلب المرأة حقوقها الاجتماعية و السّياسية و الاقتصاديّة، و تُبخَسُ حقّها في الترقية و في الحصول على المناصب العليا، و تحرم من الإرث في بعض المناطق و يقع استغلال جهدها بأجر أدنى من أجر الرّجل و  تضطر للعمل و التنقّل في ظروف غير آدميّة  … في دولة صارت تعتبر المرأة إنسانا ناقصا و مواطنا من درجة ثانية..

أذكر جيّدا كيف فرح الكثيرون في السنة الماضية وهللّوا و كبّروا لتعيين امرأة جامعيّة على رأس الحكومة التّونسية، لكن أين هي هذه المرأة من حقوق النّساء ؟ أين هي هذه المرأة من تفاقم ظاهرة تعنيف النّساء ؟ أين هي هذه المرأة من استغلال النّساء و سوء معاملتهنّ ؟

ماذا فعلت هذه المرأة لتغيير التشريعات و القوانين أو الحرص على حسن تطبيق ما وجد منها ؟

 ماذا فعلت هذه المرأة للحث على تغيير العقليات أو فتح باب نقاش مجتمعي مواطني من أجل التّوعية بالحقوق الإنسانيّة للنّساء ؟

أين وزيرة المرأة و هي الشاعرة الرقيقة أو وزيرة الثّقافة من هذه المواضيع الحارقة ؟

أين هنّ من الدّفاع عن حقوق المرأة عموما و هنّ يرين نكوصا عن مبدأ التناصف الذي تمّ إرساؤه  في دستور 2014 …   أين هنّ و قد صار وجود المرأة مهدّدا في المجال السياسي بعد القانون الانتخابي الإقصائي الذي لم يشترط التناصف إلا في  عدد التّزكيات ممّا جعل عدد المترشحات للمجلس ـ رغم أنّه صوري ـ  لا يتجاوز 122 امرأة بنسبة 13% من العدد الإجمالي للمترشحين لا ندري كم منهنّ سيبلغن المجلس فعلا و لو أنّ التقديرات الأوّلية تشير إلى النسبة لن تتجاوز 5 % في أفضل الأحوال … !!؟؟

و لكن هل نرجو صلاحا من رئيسة حكومة  لم نسمع لها صوتا و لم نر لها موقفا  أو مبادرة؟ هل نرجو صلاحا ممّن كرّست  صورة المرأة الضعيفة وأهانت  صورة المرأة التونسية وحطّت من كرامتها ومكانتها  و فضّلت أن تعيش في جلباب رئيس الجمهورية ؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version