لم ينتظر هذا الشعب كثيرا حتى يُسقط ورقة التوت عن “شرعية وهمية مغشوشة” أوهم بها بعضهم ساكن قرطاج… فساكن قرطاج خدعته نسبة التصويت التي فاز بها في الدور الثاني من انتخابات 2019…ونسي أو أنساه بعض من هم حوله لغاية في نفس “بعضهم” و”بعضهم” هم ضمير مستتر تقديره “الانتهازية”…
أقول نسي أو أنساه بعض من حوله أن تلك النسبة لم تكن لترتفع إلى ذلك الحدّ لو لم تتجنّد كل الأحزاب السياسية لقطع الطريق أمام خصمه الذي اتهموه بكل الفساد الذي تعيشه البلاد…فالنسبة المرتفعة خدعت ساكن قرطاج وأصبحت وسيلة في يد البعض ممن يبحثون عن مكان تحت شمس السلطة والحكم من أحزاب “سيارات النقل الريفي” …هؤلاء نفخوا في شعبية ساكن قرطاج وأوهموه أنه حقّق سابقة في الدول العربية لم يحققها أي زعيم قبله…فأعجبته الحكاية…وقرر أن يواصل كتابة احداث وصياغة الرواية إلى ابعد ما يمكن…ليصبح زعيما في نظر من أوهموه بذلك…
هؤلاء الذين خدعوا ساكن قرطاج وأوهموه بما ليس فيه، وما ليس موجودا، خاب ظنّهم مع حلول حكومة الفخفاخ ثم خاب أكثر مع وصول حكومة المشيشي إلى القصبة…فلم يسعدوا بنصيبهم الذي حلموا به طويلا من كعكة الحكم، فقرروا التخلّص من كل خصومهم بحجر واحد من خلال دراسة اجتماعية سياسية عميقة لما تعيشه البلاد ومن خلال مزاج ساكن قرطاج… هذا الأخير كشف ربما عن قصد أو عن غير قصد حقده الكبير على كل المنظومة الحاكمة منذ 2011 وعلى التي سبقتها، فالتقى بذلك مزاجه السياسي مع مزاج نسبة كبيرة من الشعب التونسي الذي بدأ يشعر بالإحباط واليأس من كل من حكموا البلاد منذ 14 جانفي وخاصة من منظومة تقودها حركة النهضة…هذا الأمر جعل من هم حوله يخططون لاستغلال هذا المخزون الكبير من “الحقد” الذي أظهره ساكن قرطاج ومزجه مع حقد نسبة كبيرة من الشعب، لتحقيق مآرب أخرى والإطاحة بكل من حرموهم من نصيبهم من كعكة السلطة والحكم…منذ 14 جانفي…
الكوفيد ودوره المحوري في “الانقلاب”…
جاء وباء الكوفيد وكأنه “هدية من السماء” لتكون مبررا وآلية من آليات ضرب خصومهم وخصوم ساكن قرطاج…فجعلوا من هذا الأخير احدى آليات صنع مبررات التخلّص من ساكن القصبة ومن يدعمه ويسانده من الأحزاب…كما جعلوا من الفشل الذي صاحب حكومة المشيشي منذ يومها الأول ومن الأحداث والصراعات التي يعيشها مجلس النواب آلية أخرى لصناعة مبررات ضرب خصومهم وافتكاك الحكم، ووضعه كاملا تحت تصرّف ساكن قرطاج لضمان نصيبهم من الكعكة في قادم السنوات…فزرعوا طريق المشيشي ومن معه ألغاما من خلال رفض ساكن قرطاج لجزء كبير من حكومة المشيشي وعدم الاعتراف بهم متهما بعضهم بشبهات فساد…ومن خلال رفضه أيضا الإمضاء على العديد من القوانين والاوامر التي صادق عليها مجلس النواب، والتي كانت تحتاجها حكومة المشيشي لتسيير شؤون البلاد والتخفيف من وطأة تبعات الوباء…واصبحت حكومة المشيشي عرجاء لا تقوى على الحراك ولا التصرّف بعد أن كتموا أنفاسها وشلّوا حركتها انطلاقا من قصر قرطاج (هذا لا يعني طبعا ان المشيشي أوجد الحلول لمشاكل البلاد ونجح في خفض تبعات الازمة التي تعانيها البلاد، المشيشي وقع في فخّ وقبضة مجموعة من النواب الذين استحوذوا على كل مكاتب القصبة وحوّلوها إلى مزرعة خاصة…)
كل ذلك كان تحضيرا لما هو أهمّ…للضربة القاضية، فكل ما أتاه ساكن قرطاج ومن أوهموه أنه “السلطان سليمان” كان من أجل ايجاد المبررات اللازمة لتفعيل الفصل 80 من دستور 2014 …وكان أن بدأ زبانية من هم حول ساكن قرطاج في الإعداد ليوم الحسم واختار ساكن قرطاج يوم عيد الجمهورية لــ”رمزيته” من اجل بناء جمهورية جديدة على مقاسه ومقاس من أوهموه أنه سينجح في ما سيأتيه…وجاء خطاب يوم الخامس والعشرين من جويلية ليؤكّد كل ما خطّط له من هم حول ساكن قرطاج…وخرج اتباعه ومن أوهموه أنه “هارون الرشيد” و”الفاروق عمر” إلى الشوارع رافعين أكفّهم إلى السماء “بالروح بالدم نفديك يا قيسون”… وسعد ساكن قرطاج بكل ذلك وقد يكون غيّر استراتيجيته حين رأى تلك الحشود تنادي باسمه وتدعو له بطول العمر والبقاء …فهو لم يعد في حاجة إلى من أوهموه بأنه الزعيم الأوحد…ولم يعد في حاجة إلى اتباع ما جاء في الدستور أصلا…بل في حاجة إلى دستوره الخاص …
كانت أطماع من أوعزوا لساكن قرطاج بالانقلاب دستوريا على شركائه في الحكم كبيرة…وكانوا يمنون النفس بالاستحواذ على الحكم محليا وجهويا ووطنيا من خلال زرع أتباعهم وقواعدهم في كل مفاصل الدولة…لكن خاب ظنّهم من خلال دخول أطراف أخرى على خطّ ساكن قرطاج لتحوّل وجهته نحو مخطّط آخر مخالفا لكل ما كان يتمناه من أوهموه بأن له شرعية الشعب والجماهير…وأنه أصبح الزعيم الأوحد “معبود الجماهير” الذي لن يقدر على إزاحته أي طرف سياسي آخر…
كبرت أحلام كل أتباع وداعمي ساكن قرطاج…وأحلام الشعب الذي أصبح يرى في قيس سعيد “الفاروق عمر” والرئيس العادل الذي يبحث عنه والذي سينسيه كل من حكموا بعد بن علي رحمه الله…ونجح ساكن قرطاج من خلال إسراعه بحشد كل القوى لمقاومة الوباء، ومن خلال نزع كل الألغام التي زرعها في طريق حكومة المشيشي الذي اختاره هو لكرسي القصبة ثم “اطرده” في إطار تنفيذ مخططه للاستحواذ على كل مفاصل الحكم التشريعية والتنفيذية…ونجح ساكن قرطاج من خلال اتصاله بأغلب الدول الصديقة طلبا للمساعدات الطبية والمادية لمقاومة “الكوفيد”، في رسم صورة جديدة عنه في قلوب أتباعه وأغلب الشعب الذي اكتوى بنار “الكوفيد”…فزاد ذلك من يقينه أنه أصبح فعلا “الزعيم” الذي سيتبعه كل الشعب حتى وإن جاع أو عاش الخصاصة…
انتهت الحرب على الوباء ولم يتغيّر شيء في حياة المواطن التونسي، وبدأت أخطاء ساكن قرطاج في تعكير مزاج المشهد السياسي العام، وتوالت الأخطاء والقرارات التي لا نفع من ورائها غير إظهار الحقد وتصفية حساب قد يكون قديما…فبدأت بعض الالسن تخرج عن صمتها وبعض المكونات المعارضة لساكن قرطاج وانقلابه في التشكل والتنظّم… وبدأت ملامح فشل ساكن قرطاج وحكومته التي طال انتظارها تظهر على حياة المواطنين…وانقطعت لغة الكلام بين تونس وعديد المنظمات المانحة… وأصبح الشكّ يدبّ في نفوس العديد من المكونات السياسية والحقوقية والديبلوماسية… وخاب ظنّ من أوقعوا ساكن قرطاج في هذا المأزق وهذه الورطة من الحصول على نصيبهم من كعكة الحكم…
اختار ساكن قرطاج ومن بقي معه من المقربين اتباع سياسة الإلهاء لتحويل وجهة الشعب والطيف السياسي والناقدين والرافضين لسياساته عن كل فشل او خطأ سياسي كبير…وبدأت موجة الإلهاءات…وغرقت البلاد في الاشاعات والقضايا الوهمية المفبركة وتحجير السفر ووضع البعض في الإقامة الجبرية …والتشهير ببعض كبار تجار مواد البناء…دون سند يدعمها ويؤكدها…وبعد أن طال انتظارها أصدر ساكن قرطاج (يقول البعض انها جاءت بعد ضغط بعض الأطراف الفاعلة في الدولة) أقول اصدر ساكن قرطاج روزنامة المحطّات السياسية القادمة والتي سيفتتحها باستشارة اختار لها من المواعيد موعدا آخر يعتبر رمزية وطنية…يوم ذكرى اعلان الاستقلال…
جاءت خيبة الاستشارة التي اختار لها ساكن قرطاج موعدا ليضرب به رمزية الاستقلال…ثم تبعتها خيبة الاستفتاء على الدستور لتكشف أولا عدم حيادية فاروق بوعسكر وجماعته ولتؤكّد بداية تآكل شعبية ساكن قرطاج ونفاد صبر المواطن التونسي الذي بدأ يعيش وجعا لم يعشه سابقا مع كل الحكومات المتلاحقة منذ استقلال البلاد…كل هذا وبعض من هم حول الرئيس يواصلون “ايقاعهم” به وتحويل وجهته عن ام المعارك وتوسيع الهوّة بينه وبين بقية مكونات المشهد السياسي…ثم تتالت الخيبات والأخطاء القاصمة لظهر المواطن…وصولا إلى المشاركة في القمة الأمريكية الأفريقية بواشنطن التي لم تأت بجديد ولم تبشر بمؤشرات إيجابية للخروج مما نحن فيه…وقد تزامنت هذه القمّة مع الاجتماع الذي تمّ تأجيله إلى موعد لاحق بين صندوق النقد الدولي والدولة التونسية، وزاد هذا التأجيل وجعا على وجع للشعب التونسي الذي اصبح ومنذ حوالي ثلاث سنوات يعيش على القروض والهبات والمساعدات…وجاء توقيت هذه النكسات في غير صالح ساكن قرطاج ومن معه…قبل يومين من الموعد الانتخابي المنتظر…
وجاء موعد الانتخابات…
جاء موعد الانتخابات التشريعية على مقاس القانون الانتخابي الجديد والذي اختاره ساكن قرطاج لبناء دولته التي يريد أن يُنسي بها الشعب كل من حكم البلاد قبله، فساكن قرطاج أظهر حقدا غريبا وكرها عجيبا على كل المنظومات التي حكمت البلاد قبله ووعد بالبديل عنها فلم يأت بمنجز واحد ينسينا أسوأ المنظومات التي سبقته…ساكن قرطاج كان يعوّل كثيرا ويعلّق امالا كبيرة على هذه الانتخابات، فهي التي أرسل من أجلها بزبانيته للتفسير واغرق برجاله واتباعه ومفسري برنامجه الغامض المنابر الاذاعية والتلفزية تبشيرا بعهد جديد يُنسي الشعب خيبات كل الماضي البعيد والقريب…فنجاح الانتخابات التشريعية ومحافظتها على الأقل على نفس نسبة الحضور التي كانت عليها وزعمته هيئة الانتخابات خلال الاستفتاء، سيكون ورقة أخرى ترجّح كفّة ساكن قرطاج للدخول في معركة أكبر من أجل ولاية ثانية تبقيه جالسا على كرسي قصر قرطاج…لكن الخيبة كانت كارثية…ولم يبق شيء غير الفتات من الشعبية التي اكتسبها ساكن قرطاج من “انقلابه يوم 25 جويلية والتقاء مزاجه مع مزاج أغلب فئات الشعب”…
فحتى من خرجوا وزاروا مراكز الاقتراع ومكاتبه لم يذهبوا من أجل ساكن قرطاج بل ذهبوا حفاظا على صلة الرحم والصداقة والزمالة دعما لمن ترشحوا لقبة البرلمان…فقلّة قليلة خرجت يوم السبت من أجل تأكيد وترسيخ شعبية ساكن قرطاج…فنسبة الإقبال حتى بعد أن حيّنوها واضافوا إليها أكثر من مائتي ألف صوت…لا أحد يعلم كيف ومتى صوّتوا …هل هي أصوات يهود جربة وجرجيس التي قالوا انهم اضافوا ساعتين في التوقيت من أجلها، أم هي أصوات سهَوْا عن إدراجها في اليوم الأول حين اعلنوا عنها بعد غلق المكاتب…وجميعنا يعلم أن سكان جربة وجرجيس من المسلمين واليهود لا يمكن أن يصل عدد ناخبيهم إلى ما اضافوه؟ وأن عدد اليهود الناخبين لا يفوق الالف يهودي في المدينتين…
الخلاصة…
تونس حققت رقما يصعب تحطيمه من خلال هذه النسبة المخجلة والمذلّة والمضحكة والمهينة من الاقبال على الانتخابات التشريعية…ولا أحد يمكنه تبرير هذا الإنجاز التاريخي المخجل…والكارثي…فبوعسكر خرج علينا مبررا ليؤكّد مرّة أخرى بذلك أنه لم يكن قط محايدا بل كان في خدمة صاحب الدستور ومن معه…فهل يستفيق ساكن قرطاج من غفوته ويدرك خطورة من اختارهم لينصحوه ويستشيرهم في ما ينفع البلاد والعباد…فتآكل شرعيته اصبح ظاهرا للعيان…وفشله في تحقيق انجاز واحد يحسب له، واضح للجميع ويدركه كل العالم…ولا خيار أمام ساكن قرطاج غير التراجع عن مخططه السياسي الفاشل…ودون أن يجمع الجميع حول طاولة الوطن ويعلن عن انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها لاختبار شرعيته المتأكلة في ظرف ثلاثة اشهر من الآن (انتخابات 17 ديسمبر لا يمكن اعتبارها شرعية) لن يخرج مما هو فيه وستواصل شعبيته تآكلها لتصل الى ما تحت الصفر ونحن على أبواب شهر الغضب… ودون ان يخفّض من منسوب الحقد الذي أصبح شعار هذه المرحلة لن ينجح في الوصول إلى ما يطمح إليه…
وعليه ان يدرك أنه أصبح من شبه المستحيل أن يفوز بولاية ثانية بعد كل هذا الفشل الذي صاحب عهدته…فهل يفعلها ويخرج من جلباب من هم حوله ومن حوّلوا وجهته إلى حيث لا يخدم البلاد والعباد…وهل يمكن أن نقول “وقفت الزنقة للهارب…؟؟”…