جور نار

“جاكم القرصان يا ڤدعان”!

نشرت

في

محمد الأطرش:

تساؤلات كثيرة أصبحت على كل ألسن المتابعين للشأن السياسي العالمي بعد عودة ترامب في نسخة طغى عليها خطابه “الامبريالي” التوسعي… وتميزت بحجم من حضروا من عمالقة الطاقة والفِكر الرقمي والذكاء الاصطناعي وأحاطوا بالساكن الجديد للبيت الأبيض يوم تنصيبه… فهل انتقلنا مع عودة “المستر” ترامب إلى عالم أكثر عنفا من كل ما عشناه سابقا حيث تتنازع كل القوى الكبرى دون استثناء على الموارد والثروات، في ظل تغيّر المناخ إلى ما هو أسوأ وفي زمن تشهد فيه الديمقراطية انحسارا في مواقعها ومستوطناتها وضيقا في مساحة تواجدها؟

هل يمكن أن يسعد سكان غرينلاند بالأمن الذي يستمتعون به الآن وهم يستمعون إلى التصريحات العدوانية لترامب وهو يكشّر عن أطماعه؟ هل يمكن ان يتذوقوا طعم النوم وهم ينامون على مليارات الأطنان من الموارد والثروات الباطنية الثمينة والنادرة التي تسيل لعاب العم سام وحفيده ترامب…؟ وهل يمكن ان يبتسموا وهم يشعرون بأنهم محاصرون في إطار لعبة جديدة بين بلاد العم سام والصين وروسيا؟ هل يمكن أن يشعر سكان غرينلاند بالأمن وهم يعيشون تدهورا مناخيا كاملا أذاب الجليد الذي كان يحميهم من النهب الامبريالي ومن أطماع القوى الكبرى؟ هل يمكن أن يبتسم سكان غرينلاند وهم مهدّدون بفتح طرق نهب تجارية وامبريالية جديدة على أراضيهم بعد أن أذاب تغيّر المناخ الجليد الذي كان يأويهم ويحميهم، فهل سيأمنون شرّ هذه الطرق وشرّ من فتحها؟

هل عاد ترامب بهدف واحد (محاولة الاستيلاء على العالم) من جديد؟ وهل يمكن اعتبار ما سيعيشه العالم في قادم السنوات مقدّمة لتوسع امبريالي كبير سيدفن المنافسة الحرة إلى الابد؟ هل ستعود القرصنة البحرية إلى تاريخها “المجيد” وتتسلح البواخر التجارية بصواريخ مضادة للطائرات ومسيّرات لتحمي نفسها من قراصنة الدول الكبرى والصغرى، والقراصنة الذين يعملون بالمناولة لحساب الدول التي لا تقدر على مزاحمة القوى الكبرى في نهب خيرات الدول الصغرى وغير القادرة على حماية تجارتها من “الحيتان الكبيرة” للإمبريالية العائدة والجديدة؟

أمام كل هذا الذي يجري في العالم، وأمام صراخ ترامب وتهديده اليومي بما سيوجع كل الدول التي قد ترفض ما يراه ويريده في نسخته الجديدة، كيف سيكون حال بقية دول العالم؟ فهدف ترامب الواضح نسبيا هو إعادة مجد الماما وسطوتها التجارية والاقتصادية والأهمّ بالنسبة لحفيد “العمّ” إعادة القدرة الشرائية لسكان الماما، والسبيل الوحيدة والأيسر لتحقيق ذلك هي الاستحواذ على كل الثروات الممكنة والمتاحة وأهمها خفض سعر البنزين لأحفاد العم سام محليا، وبالتالي أسعار النفط عالميا… ولن يكون ذلك دون تحفيز الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة وإغراق السوق العالمي كما أعلن ذلك أمام كل العالم في خطابه يوم تنصيبه متوجها لشباب بلاد الماما “احفر يا صغيري، احفر” ” Drill, baby, drill ” علما وأن الماما هي أكبر منتج في العالم… ولن يتوانى ترامب في نسخته الامبريالية الجديدة في الضغط على الدول المنتجة للنفط لكي تتخلى عن حصصها في الإنتاج، وقد يذهب إلى حدّ التهديد والوعيد لتحقيق ذلك… ويراهن ترامب كثيرا في مخططه هذا على من هم بصفّه من دول الخليج… فدول الخليج تعيش رعبا (أضمرته سياسات الماما) من عودة الفرس إلى اطماعهم ولن يغامروا برفض كل ما تطلبه النسخة الجديدة من ترامب… فهو الوحيد الذي قد يساعدهم ويدعمهم في مواجهة أطماع حكام طهران في توسيع النفوذ الفارسي وإعادة المجد لكسرى الثاني ابن هرمز…

والسؤال الأخطر هو هل تملك أوروبا وبقية دول العالم بعض الأوراق الرابحة لتقف في مواجهة أطماع “المستر ترامب”؟ وهل لها القدرة على الخروج بأخف الاضرار وهي التي أصبحت اليوم بين مطرقة العمّ سام وما يريده وأطماعه التي أعلن عنها في خطاب تنصيبه وقبله غربا، وسندان شي جين بينغ ومن معه وفلاديمير بوتين ومن يسانده شرقا؟ فبوتين يملك الغاز والكثير من الثروات الباطنية ليساوم بها من يريد كما يريد، والصين تمتلك على أراضيها وفي من يجاورها من الدول التي تدعمها وتناصرها في حربها الاقتصادية والتجارية، كل المعادن والثروات الضرورية والإمكانات التقنية والعلمية والرقمية لتحافظ على مكانتها الاقتصادية…

ماذا يريد ترامب حقّا بما صرخ به طويلا وأمام أنظار كل العالم؟؟ فهل يسعى دونالد للانقلاب على النظام الدولي الحالي الذي شكلته الماما ومن معها إثر نهاية الحرب العالمية الثانية وهيمنت عليه منذ 1945؟ وهل قررت بعض الدول الضامنة لهذا النظام العالمي والراعية له في مجلس الأمن الدولي اسقاط النظام الدولي الذي تحميه وترعاه؟ وهل يمكن اعتبار ما تضمره الماما لبعض من كان معها ولبقية دول العالم انقلابا على ما كانت أسسته وهيمنت عليه منذ حوالي القرن؟

الغريب في كل ما يعيشه العالم في السنوات الأخيرة أن من يريدون الانقلاب على النظام العالمي الذي أسسوه ليسوا حلفاء ولا أحد يضمر خيرا للآخر، جميعهم يريدون السيطرة على هذا العالم بشكل أو بآخر… وجميعهم أعلنوا الحرب اقتصاديا وتجاريا على بعضهم البعض… فـ”شي جين بينغ” اليوم ليس ذلك الذي عرفناه سابقا، والصين ليست صين ماو التي عرفناها، وفلاديمير بوتين ليس فلاديمير الذي الفناه سابقا، وروسيا اليوم ليست الاتحاد السوفياتي سابقا… وترامب في نسخته الجديدة مخالف تماما لنسخته القديمة… وجميعهم يريدون السيطرة على العالم، فالصين تريد غزو العالم تجاريا واقتصاديا وقد تستعمل كل أسلحتها التجارية والعلمية والتكنولوجية للتفوق على الجميع والاستحواذ على كل الأسواق الممكنة للسيطرة على العالم… وروسيا تريد أن تعيد مجد السوفيات سابقا من خلال استرجاع من كانوا يوالونها ومن كانوا تحت سيطرتها اقتصاديا وتجاريا وربما يصل الامر إلى الحلّ العسكري إن لزم الأمر… ففلاديمير مصاب بجنون من سبقه من زعماء الاتحاد السوفياتي، ألم يكن احد اعوانهم قبل أن يحطّم غورباتشوف جدار برلين بعد أن أغراه ريغن بمعسول الكلام؟ أما ترامب السعيد بعودته إلى البيت الأبيض فإنه يريد إعادة ما وقع سنة 1812 حين هاجم الأمريكيون البريطانيين في الشمال، محاولين طرد من ينعتونهم بالمستعمرين الأوروبيين من قارتهم فهم يعتبرون كل القارة لهم وباسمهم، كانوا يريدون ضمّ كند وتحويلها إلى ولاية من ولاياتها لكنهم فشلوا ونجحت كندا في أن تصبح دولة مستقلة إلى يومنا هذا… كما يريد دونالد المسكين الاستحواذ على قناة بنما للاستئثار بمداخيلها، وسال لعابه أيضا على ثروات غرينلاند مجاهرا بأنه يريدها ولا أحد سيمنعه منها…

هكذا تحوّل حماة ورعاة النظام الدولي إلى قراصنة يريدون اقتسام ثروات العالم وتمتيع شعوبهم بخيراتها دون غيرهم… هكذا عاد العالم إلى عقلية “قانون الأقوى”… ألم يقترح ترامب وكأنه الآمر الناهي، أقول ألم يقترح دون خجل من اقتراحه نقل أو تهجير مليوني فلسطيني من غزّة إلى دول عربية مجاورة… وقد ينجح في ذلك فلا غرابة أن يرفع بعض زعماء الدول العربية المجاورة اياديهم مرحبين مهللين راقصين مزغردين بمقترح مولاهم “دونالد”… فهل أصبح الربّان قرصانا في زمن ترامب وخلاّنه؟ وهل سيصرخ بعض العربان “جاكم القرصان يا ڤدعان”؟؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version