الريح تولول في الخارج…البرَد يقرع النوافذ، السقف مفلل،قطرات ماء تنزل متتالية فتشنج الأعصاب.يتلوى الأطفال جوعا وترتعد الفرائص بردا. تحاول الأم التي جلست القرفصاء النفخ بين عيدان الحطب المبتلة و قد استعصت عليها و رفضت الاشتعال كأنها ترفض العذاب تحت سياط ألسنة النار
-أمي أشعر بالبرد … أمي أنا جائع…هل من شيء نأكله؟
– لم يبق شيء لقد طبخت لكم ما تبقى من المؤونة التي احضرتها من السوق الأسبوعية
–لماذا لم يأت أبي من العاصمة
ـ ـ ربما لم يجد عملا ربما ينتظر خلاص أجرته من مشغله…
نم يا ولدي… يطول الليل و يتمطط …تعوي الريح في الخارج يلمع البرق فينفذ من فلل آجر ّ بناء لم يكتمل منذ سنوات فالاب قد نزح الى العاصمة و لا يأتي الا قليلا فيصرف ما جمعه من مال على الأسرة ويقتني بعض مواد البناء ليبني لهم بيتا يغمض الجميع أعينهم خوفا من قوة الضوء التي تغشي الأبصار –
– سبحوا يا أولاد حتى يحمينا الله من سقوط الصاعقة و يبعدها عنا …
يسبح الجميع ثم يعم الصمت و يدوي الرعد تتألم الأم في صمت ثم تطلق تنهدة .. متى يحل الفرج متى ينجزون ما وعدونا به متى يفكر أهل السياسة فينا متى ينجزون ما وعدوا به؟ لم نرهم منذ كانوا توافدون علينا في أيام الصحو كم وعدونا بحياة اجمل صرنا لا نراهم إلا و هم يتخاصمون في البرلمان و يتبادلون التهم …
أمي كيف سننام الهواء بارد جدا –
سأسد ذلك الثقب الذي في الجدار و أضع خرقة على تلك النافذة المكسرة
– و ثقب الباب يا أمي أشعر بالهواء يلسعني لسعا و كليتي تؤلمني
نم يا حبيبي اقترب من إخوتك فستدفئون بعضكم البعض
أمي هل سنذهب غدا إلى المدرسة ليس لي حذاء متين يقيني من برودةالثلج، لا أحب الثلج يا أمي لأنه يؤلمني و أشعر بالجوع … يهدأ الليل و يهجع الاطفال، تشعر الأم بالقهر و تفكر في ما عسى أن يحدث غدا … هدوء الطبيعة و صمتها في مثل هذه الحالات دليل على تواصل نزول الثلج … غدا تصبح القرية دفينة تحت الثلج السميك و تدفن معها آلام الناس …..بعد أيام سيتبادلون أخبار الثلج و ضحاياه … امرأة عجوز تعيش وحيدة في كوخ سقط عليها فوجدت ميتة … رجل سقطت عليه صاعقة فاحترق … كهل شرب قبيل نزول الثلج و في الطريق إلى بيته سقط في خندق و أخذه النعاس فنام و تهاطل عليه الثلج و عثر عليه في ما بعد جثة هامدة …
و للثلج قصص … يطلع النهار في القرية فلا حركة و لا تواصل سوى بعض الرجال يخرجون من بيوتهم قاصدين عطار القرية للتزود ببعض المؤونة و قد يجدون أو لا يجدون … هكذا تعزل قرى الشمال الغربي شتاء و لا أحد يشعر بمعاناة الناس في قسوة الشتاء … بعد فترة تنقشع السحب و تظهر الشمس خجولة ثم متلألئة و تأتي الجرافات لتنظف طرقات المدينة و يتوافد سكان المدن لأخذ صور جميلة يتباهون بها…
إنها السياحة التي لا ربح منها فالنزل خراب و المطاعم بلا مؤونة و يتعطل الزوار الراغبون في رؤية الثلج و لمسه فتؤويهم السلطات في مبيت المعهد، و لا يبخل السكان بالتكرم على زوار مدينتهم بما لديهم حتى و إن كان ذلك على حساب قوتهم … ستنشر التلفزات صورا رومانسية عن الثلج و سيتحدثون قليلا و ينتهي الأمر … من يشعر بمعاناة سكان الجبال الباردة، أهم أصحاب القصور أم راكبو السيارات الفخمة أم الجالسون على الأرائك الناعمة تحت المكيفات؟
في تلك الحالات و أمام تلك الكاميرات فقط يصبحون قلوبا رؤوفة و صدورا حنونة يقبلون رؤوس العجائز و يضمون أصحاب الإعاقات و يربتون على وجنات الأطفال و يعدون بالنعيم طرقات و قناطر ستشيد و مساكن ستبنى … يعدون بجنة على الأرض ستتحقق بمساعدة هؤلاء الغلابة لهم … و عندما يجلسون على الكراسي يصبح هؤلاء مجرد أرقام في الدرج يحاجّون بها بعضهم البعض …أما الأحلام فتتلاشى كالدخان.