في بداية هذا الأسبوع و تقريبا في يوم واحد انتشر خبران مخلفان حدّ التناقض خبر أوّل يدعو إلى الخجل و النرفزة و اليأس من واقع هذه البلاد – مهما برّر المبرّرون – و يقول بأنّ شاحنات إغاثة ليبيّة دخلت التراب التونسي، تحمل معونات غذائيّة للشّعب الذي يعاني من فقدان الكثير من الموادّ الأساسيّة و كأنّنا نعيش حربا أو كارثة طبيعيّة …
الخبر الثاني يدعو إلى الفخر و السعادة و الأمل في أبناء هده البلاد … خبر مفاده أنّ مواطنا من فرنانة ولاية جندوبة هو كريم عرفة، تمكّن من بناء جسر من ماله الخاص في ظرف وجيز ليسهّل تنقل التلاميذ الى المدرسة، مع العلم بأنّ هذا هو الجسر الثاني الذي ينشئه …
و كأنّ الخبرين في بلدين مختلفين فلماذا تعجز الدّولة في حين ينجح الفرد ؟ لماذا لا نرى إلا إخفاقات جماعيّة أمّا النّجاحات ففرديّة ؟ لماذا لا يبني حكّامنا كلّ حكامنا (في كلّ العهود و الأزمنة و العشريّات و الألوان) سياسات تعلي من شأن الفرد و إرادته و تساعده على تطوير البلاد ؟ لماذا لا يعتمدون على هذه الإرادة و الرّوح الشّبابية ؟
أحيانا أقرأ مقترحات أو أطلع على تصوّرات لمجموعة من الشباب و الفاعلين في المجتمع المدني تجعلني أتحسّر على وضع البلاد … كفاءات مهمّشة لا تجد من يبلغ صوتها و أفكارها و مقترحاتها و تصوّراتها لتونس أفضل، مقابل كمشة من الغوغائيين الذين يتصدّرون المشهد دون رؤى أو تصوّرات و أحيانا حتى دون قدرة على صياغة أفكار واضحة و جمل مترابطة حلول في الطاّقة، حلول في الفلاحة و الموارد المائيّة، تصوّرات في السّياحة، حلول في البنية التّحتيّة، في التشغيل … لكن لا من مستمع .. لا من منتبه .. لا من متفاعل و مثمّن …
إنّ من يرفض الاستماع إليهم هو من يريد إطالة الأزمة لأنّه مستفيد من حال العطالة التي نعيشها … هو من لا ثقة له في قدراته و كفاءته .. من لا يستطيع أن يفكّر مثلهم و يقترح حلولا من خارج الصّندوق … من يزعجه أن يتفوّق عليه الآخرون .. من يعرف أنّ مكانه و منصبه مهدّدان إن أفسح لهم المجال للبروز فيعمل على تقزيم كل فعل و كلّ فاعل و يعرقله و يعطل نجاحاته و يثبط حماسه و رغبته في التّغيير …حتى تنهار قدرة هؤلاء الشّبان على المقاومة و التغيير فيقررون الهجرة و الهروب من جحيم إنكار قيمتهم و كفاءتهم ..
نحن دولة لا يفكر أهلها و لا يتركون من يفكر و لا يسمحون له بالتفكير حتى صار الافراط في التفكير جريمة و الافراط في العمل رذيلة في هذا البلد … نحن دولة لا يتولّى فيها المناصب أصحاب الكفاءات بل يسبقهم إليها أصحاب الولاءات و الوشايات و لاعقو أحذية السلاطين حتّى و إن عجزوا عن حلّ أبسط المشاكل …
و نحن نتابع هذه الأيام أخبار تساقط الثلج في جندوبة و الكاف و غيرهما من مناطق شمالنا المنسي الذي لا نذكر أهله إلا في مناسبات كهذه، هل سألت الدّولة نفسها ماذا فعلت بهذه المناطق و ماذا فعلت لها … ماذا فعلت لأهلها و ماذا وفرت لهم … هل تساءل المسؤولون أنفسهم عن كمّ الإمكانيات الضائعة و الفرص المهدورة ؟؟
ففي الوقت الذي تنتعش فيه السياحة في مناطق و فترات كهذه في مختلف دول العالم، لا نجد في بلدنا إلا تحذيرات متتالية من التوجه نحو عين دراهم و ما جاورها و إلا أخبارا عن طرقات مقطوعة و مناطق معزولة على امتداد عقود طويلة … هل فكرت الدولة في استثمار المخزون البيئي و الطبيعي لهذه المناطق الاستثمار السياحي الملائم … هل شجعت على بناء الإقامات وىالنزل و مراكز التخييم و مرابع الترفيه ، فلولا بعض أبناء هذه الجهات ممن حفروا في الصخر، لما وجد الوافدون مكانا يقيمون فيه !
هل تعرف الدولة و مسؤولو الدولة أن التشجيع على الاستثمار في هذه الربوع يحسّن وضع السكان و ينمي الإقتصاد المحلي و الوطني و يخفض من نسب الفقر و الحاجة إلى المساعدات الظرفية و الموسمية… إنهم بالتأكيد يعلمون و لكنهم لا يريدون أن يفعلوا … فالفعل مرهق يحتاج طاقة و تفكيرا و إنجازا و نحن نكتفي في بلادنا بالجهد الأدنى … و لن يتحسن وضع البلاد إلا إذا ما تخلى المسؤولون عن أنانيتهم و تخلصوا من تكلّسهم و أفسحوا المجال أمام المبادرين للفعل و التطوير و التغيير