. في اواسط الستينات ظهر صوت فنان سوري … صوت جبلي بامتياز … انّه فهد بلان …وتلقّاه المستمع العربيّ بكلّ شغف ..فلا هو برومانسية عبدالحليم ولا هو بنقاوة وحنّية كارم محمود ولا هو بحزن فريد الاطرش …
هو صوت هادر … وحتّى عندما اكتشفنا صورة صاحب الصوت ..اصبحت لدينا قناعة انّ ذلك الصوت يليق ببنية صاحبه الجسديّة … وتماهينا مع تلك الطبخة الغنائية الجديدة في الفنّ السوري وفي الفنّ العربي عامّة وحفظنا عن ظهر قلب اغان من نوع: يا سالمة .. واشرح لها … وغيرهما من تقتوقات مطرب السويداء ..استحضر الان والاوضاع على ما هي عليه في تونس احدى اغانيه والتي تتماهى كلّيا مع ما عاشته تونس قبل 25 جويلية وبعده ..الاغنية تقول (جسّ الطبيب لي نبضي … فقلت له يا سيدي انّ التألّم في كبدي … فاترك يدي يا سيدي اترك يدي)
اوليست هذه هي تونس مع من تداول عليها من اطبّاء لمعالجتها ..وفي رواية اخرى اليس جلّ ان لم يكن كلّ اطبائها من قبيل (جاء يطبّها عماها) ؟؟… وما ينطبق على الاطباء ـ اي السياسين ـ ينطبق على شريحة هامة منّا جميعا ..اولسنا نحن في جلّنا ان لم نكن كلّنا كمتابعين للشان السياسي العام انخرطنا في عمائنا وغبائنا عند تشريحنا لواقعنا السياسي ؟؟ .. الغباء الذي اعنيه هو الذهاب الى فحص اليد والحال انّ المرض في الكبد ..
فمناصرو طرف ما لم يفلحوا يوما في تشخيص المرض بمناصرتهم لحدّ التقديس لطبيبهم الذي يرون فيه رازي زمانه ..والمعارضون لذاك الطرف وبلوبانة حقوق الانسان والديموقراطية الزائفة وحرّية التعبير يتحالفون عن وعي ودون وعي مع طرف ثان لم يؤمن يوما لا بحقوق الانسان ولا بالديموقراطية ولا بحرّية التعبير ..فهل من المنطق في شيء من هذه الفئة والتي تعتبر نفسها نخبة ان تضع يدها في ايادي الشياطين وهي تزعم انها تريد التخلّص من شيطان ما ؟؟ …اليس هؤلاء هم من يدافعون عن مبدأ (المبادئ لا تتجزّأ) ؟
في تقديري المتواضع انا احترم فقط من هو ثابت على تلك المواقف وعمليّة مقاومة الاطباء الفاشلين لا تتم الا بكنس جميعهم ..وسلّمولي على البراغماتية السياسية … حقوق الانسان هي جديرة فقط بمن يحترمها ..والديموقراطية هي عودة لينبوعها اليوناني او لا تكون لانّ ديموقراطية الغرب هي كذبة كبرى ولعلّ موقف هذا الغرب من العدوّ المغتصب لارض الحبيبة فلسطين وحده كاف لتعريتهم واظهار حقيقتهم ..امّا عن حرّية التعبير فعندما تصبح فوضى وشتيمة واجندات وبزنس تصبح اخطر من تكميم الافواه … لانّ سلاح الكلمة يصبح خطيرا للغاية ان اعطيته امّا لجاهل او انتهازي …
انّ ما حدث لتونس بعد جانفي 2011 اكّد ومازال يؤكّد اننا لم نستفق بعد الى انّ الاطباء الذين تداولوا على بلدنا المسكين ومن يساندهم هم اقرب الى المشعوذين منهم الى الاطباء ..ولذلك هم عجزوا عن تشخيص الداء …هم تماما كطبيب فهد بلان …جسّوا الايدي والحال انّ المرض مستفحل في الكبد … وكلّما ارجوه ان يرتقي وعينا بما نحن عليه حتى لا يصل ذلك المرض الى حالة الميتاستاز …
وتونس وعبر تاريخها قد تمرض ويطول مرضها ولكن ابدا لن تموت .. هي عصيّة حتى على الميتاستاز …