حتى لا يقول بعضنا غدا … غيّرنا الملوك…ولم نغيّر السلوك !!
نشرت
قبل 3 سنوات
في
هل بدأنا نجني ثمار الفوضى في هذا البلد الذي يقال عنه “بلد طيب”؟ وهل حقّا اصبحت سلطة الفوضى هي الحاكم بأمره اليوم في تونس؟ نحن اليوم نعيش ما أكدته القاعدة العلمية للإعلام والتي تؤكّد أن الترويج للظواهر السلبية والخارجة عن القانون يؤدي في أغلب الأحيان إلى تكريسها وتحولها التدريجي إلى أمر واقع…
والواضح أن جزءا كبيرا من إعلامنا الرسمي والموازي من خلال “الفيسبوك” وغيره من منصات التواصل انخرط ومنذ انتخابات 2019 في الترويج لظواهر غريبة لم نألفها، بل كنّا نستهزئ بها ومنها…فنحن روجنا للعنف منذ عشر سنوات واليوم أصبح العنف حياتنا وخبزنااليومي سواء في “الفايسبوك” أو في منابر القنوات التلفزية…وروجنا كثيرا لمقاومة الفساد فأصبحنا دولة الفساد…روجنا للإفلاس والجوع والخصاصة ونحن اليوم في آخر منعرج قبل دخول نادي الفقراء والمتسولين من دول العالم الثالث…
واليوم ماذا يريد البعض من ساستنا الترويج له وجرّنا إليه ليصبح غدا أمرا واقعا؟ يريد بعضهم اقناعنا أن الحكم الفردي هو الأصلح لهذه البلاد بعد ما كان الجميع رافضا له ويحاربه لمدّة فاقت النصف قرن…والأغرب من كل هذا أن أحزابا كحركة الشعب والتي تفاخر ببعض زعماء الدول العربية التي عرفت باكتشاف العديد من المقابر الجماعية تدعم اليوم هذا الخيار الذي يقع الترويج له من عديد الأطراف، فهل كانت ستدعم هذا الخيار لو كان الباجي قايد السبسي رحمه الله أو أية شخصية وطنية من المنظومة السابقة هو ساكن قرطاج اليوم؟ لا أظنّ، فحركة الشعب وغيرها من الحركات التي تفاخر بالمقابر الجماعية مصابة بداء لا دواء له اسمه “الحقد”…ومصابة بداء آخر هو “انفصام الشخصية”…
ما ينشر اليوم من أنصار قيس سعيد والداعمين له خطير وخطير جدا ويؤسس للاستبداد رغم رفض ساكن قرطاج الإشارة لهذه الكلمة، فالتهديد والوعيد والمحاكمات التي نراها اليوم في مواقع التواصل تثير الرعب والخوف ولا غرابة إن أصبحت غدا أمرا واقعا…فالترويج للاستبداد مدخل له في أغلب الحالات…وما على ساكن قرطاج إلا رفض كل ما ينشر من مسانديه وأتباعه ومؤيديه…وممارسة بعض الاستبداد معهم حتى لا يمارسه غدا على الشعب…
ما نستمع إليه اليوم عبر الخطب الرسمية والمداخلات “المناسباتية” من ساكن قرطاج يتضمّن خطابا مثيرا للعواطف والمشاعر السلبية، ويحمل المُتلقي على التوتر والاضطراب، وهو عبارة عن إثارة سلبية قد تثير لدى العديدين ممن يستمعون إليها الرغبة في التباغض والانتقام والثأر والتشفي عوض أن تحمل الإنسان إلى التحاب والتعايش…فهل هي الفوضى في أسوأ مظاهرها، أم هي بوادرها بدأت تلوح نتيجة فشل هذه المنظومة سياسيا واقتصاديا وعجزها عن إيجاد مخرج مما نحن فيه؟ فاللجوء إلى الفكر الفوضوي يعتبر عند البعض مخرجا من الباب الخلفي لمرحلة الفشل الذي أصبح الهروب منه وعنه مستحيلا…ويعتبر بعض المتابعين للشأن التونسي أن ما يحدث اليوم في تونس هو هروب جماعي للطبقة الحاكمة لهذه المنظومة من فشل فظيع نحو فوضى شاملة، يحاولون من خلالها التغطية والخروج بأخف الأضرار جماهيريا…فالاستباق بالفوضى يعتبر حلاّ من الحلول التي تمارسها بعض المنظومات الغارقة في أزمات اقتصادية وسياسية كبيرة وعميقة…ويعتبر حجّة لتبرير الفشل…
وهنا وجب العودة إلى السؤال المنطقي هل تعيش تونس اليوم فعلا ولادة “حركة فوضوية” كالتي سادت في العديد من البلدان في نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر؟ فما يروّج له من مخططات وبرامج وأفكار شبيه كثيرا بما كانت الحركات الفوضوية تتعامل به وتطالب به…فالحركات الفوضوية السائدة في أوروبا نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر أطاحت بالهياكل الاجتماعية السائدة دفعة واحدة ولم تتعامل مع الأمر بسياسة المراحل، فنتج عن ذلك ولادة حكم استبدادي فظيع، فهل ثمة ما يشير إلى هذا في تونس اليوم…فالواضح أن هناك نية تدفع نحو تفكيك العديد من الهياكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية على مراحل قبل الدخول في مراحل متقدّمة من الحركة الفوضوية…التي قد تتحوّل إلى استبداد مقنّع بعد مدّة من الزمن…
وهنا وجب أن نسأل هل ستُنهي هذه الحركة الفوضوية، التي يروّج لها البعض، ظاهرة التهميش السياسي والاجتماعي الذي رافق معظم الحكومات في تونس منذ عشر سنوات من اجل الحفاظ على المناصب…والكراسي…والامتيازات…لأحزابها…وبطانتها…وبعض المقربين والمتعاونين معها…أم سيغيّر أصحابها فقط؟ وهل سيحافظ ساستنا الجدد “المتشبعون” نسبيا بالفكر الفوضوي، على الحقوق المدنية والسياسية لجميع المواطنين أم سيتجاهلونها؟ فبعضهم لا يؤمن بغير الطاعة العمياء للحاكم ومن معه، وهذا ما نراه من خلال متابعة ما يكتبه أتباع ساكن قرطاج فهم يعبدون شخص “سيدهم” ويعتبرونه القدوة المعصوم من الخطأ، وقد يُسْمِعُونك ما لم تسمعه من سباب وشتائم إن غامرت بنقد “مولاهم”…فهم لا يقبلون أصلا بأية معارضة لهم ولأسيادهم وسرعان ما ينخرطون في سياسات تلفيق التهم الكيدية من أجل إقصاء كل نفس معارض لهم ولحكمهم…
قد يأخذنا الحراك الفوضوي أو الحركة الفوضوية التي غلبت على بعض العقول إلى مشكلة أعوص من مشكلة الحكم وتفاصيله…فقد يغيب التداول السلمي على السلطة لو نجحت “الحركة الفوضوية” في الاستحواذ على الحكم لسنوات، والغريب أن هؤلاء يعلمون جيدا أن هناك ارتباطا وثيقا بين انعدام مبدأ التداول السلمي على السلطة، والاستبداد…فهل نعيش حقّا تحولا عميقا في منظومة الحكم، أم هي فقط مخاوف من مستقبل أصبح مجهولا في نظر كل الشعب وساسته؟
بعد كل هذا الذي يروّج له البعض من أنصار وأتباع ساكن قرطاج، ماذا على هذا الأخير أن يفعل يا ترى لطمأنة الشعب، وبقية الأطياف السياسية، بعدم الانزلاق إلى ما يشتّت شمل هذه الأمة؟ أظنّ أن عليه ألا يستمع إلى الطفيليين…والنفعيين والانتهازيين الذين يحومون حوله وحول كل سلطة حاكمة…حتى ولو كانوا من أقرب الناس إليه…وهذا وحده ضمانة كافية تعيد الطمأنينة لجزء كبير من هذا الشعب…فمشهدنا السياسي اليوم يضمّ طيفا واسعا من الطفيليين الذي يتقنون التزلف والتملق…ويبدعون في فنون التودّد للحكام، هؤلاء يتقنون أيضا الإساءة لمن هم أكفأ منهم وأشرف منهم…ويجيدون حياكة المؤامرات والدسائس… هؤلاء الذين يأكلون على كل الموائد، ويعرضون بلا خجل قضايا البلاد للمزاد في سوق الدعارة السياسية، وفي مقرّات بعض السفراء…فعدم الاهتمام بهؤلاء وعدم الاستماع إلى ما يضمرونه، قد ينهي حالة الاستياء والتذمر والخوف الذي يساور طيفا واسعا من مشهدنا السياسي وأغلبية واسعة من هذا الشعب…فهذا الشعب لا يريد مجرّد تغيير الملوك….بل يريد أن يصاحب ذلك تغييرا في السلوك…