جور نار
حرابش السّلطة
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
عبير عميش Abir Amichخيّرت ليلة العيد – أعاده الله عليكم بالخير و اليمن و البركة – أن أترشّف آخر قهوة رمضانيّة صحبة بعض الأصدقاء قي أحد مقاهي المدينة .. و دون قصد مني استمعت إلى الحوار الدّائر بين الجالسين إلى الطاولة المحاذية فقد كانت أصواتهم طاغية و ضحكاتهم مجلجلة :
- و الله عيدنا السنة عيدين … تي راهو عمل اللي ما ينجّم حدّ يعملو و الغنوشي معيّد في الحبس السّنا …
- من الأول قلت لكم راهو ڨارح و يستنى في اللحظة المناسبة .. أوكا المنداف طربق على بوجلغة و ارتحنا منو و من وجهو ..
- حتى بن علي ما قدر كان على جماعتو أما قيسون رتّحنا منو و منهم .. ان شاء الله يكمّل يحلّ الحزب ويدكّهم الكل في الحبس
- العاقبة لعبير موسي …زعمة يعملها و يسكت لها حسها من تو و إلا يخليهالنا أضحيّة العيد الكبير ؟؟
- مازالت هي و الطبوبي … ان شاء الله نشوفو فيهم نهار .. باش ما عاد حدّ يحل فمّو و يقول قيس ما عندو وين يوصل و ما ينجّمش يشدّ الروس الكبيرة … تي الغنوشي و لطيّف شدّهم … باش يحير في الطبوبي و مولاة الكاسك ؟؟
- و هكاكا تو ترجع لنا فلوسنا و تتنفنف الأمور و تتوجد السلع اللي يخبيوا فيها …
- مسكين هو نظيف و هوما كلاب حاشاكم ما خلاوهش يخدم …
اغتنمت فرصة خلوّ طاولة في الجانب الآخر و سارعت بالانتقال إليها صحبة جليسيّ فلم أعد قادرة (و أنا التي أحاول أن أدرّب نفسي على التعامل بعقلانيّة و وزن الأمور بمنطق الحقّ و القانون و القيم الإنسانية ، بعيدا عن الأحقاد و الكراهية) على الاستماع إلى هذا النوع من التحليل و إلى هذا الكمّ من الشماتة و التشفي الذي انطلق منذ لحظة مداهمة بيت الغنوشي و إيقافه ومازال متواصلا إلى اليوم ..
إن فكّرنا في ما حدث بهدوء و تروّ، قد ندرك أن ما حدث ليس تطبيقا فعليا للقانون بقدر ما هو لعبة سياسية تقتضيها توازنات المرحلة … فالإيقاف أخذ طابعا استعراضيّا، خاصّة بعد أن فشل القضاء في توجيه اتهامات واضحة للغنّوشي في كل مرة يذهب فيها للبحث في ملفات كان الشعب التونسي يعتقد أنه مسؤول عنها (على الأقل من الناحية السياسية) والتّهمة جاءت على خلفيّة موقف أو تصريح برأي قاله في اجتماع علنيّ، و سمعنا في الفترة السّابقة كلاما أشدّ و أقوى و أخطر مما قاله الغنوشي من كلّ الأطراف دون استثناء فلماذا يحاكم البعض و لا يحاكم الآخرون و هم جميعا يدقّون أسافين الفتنة في جسد هذا الشّعب ؟
و بدل أن تقع محاسبة حقيقيّة نغرق في الشعبويّة و المحاسبات الشّعبية التي تزيد من تسميم الأجواء ومن توسيع الهوّة بين أبناء الشعب و تفقدنا الثقة تدريجيّا في تحقُّق العدالة، خاصّة مع الاستناد إلى قانون الطوارئ لتصفية الخصوم السياسيين و صمت النيابة العموميّة و رفض أجهزة الدّولة إعلامنا بأسباب الإيقافات التي طالت عددا من المعارضين السّياسيين منذ بداية منتصف شهر فيفري الماضي.
و لكن ينسى الشامتون أنّ ” الدنيا دوّارة ” و يغفلون عن أنّ الزّمن “يوم ليك و يوم عليك” و أننا نعيش على إيقاع الشماتة منذ 2011 .. أ لم نهلل حينها لإيقاف عائلة بن علي و أصهاره؟ أ لم نساهم في حملة الديڨاج وفي إفراغ الإدارات من كوادرها ؟ أ لم نصفّق لحلّ حزب التجمّع ؟ فماذا جنينا منذ 2011 إلى اليوم ؟ .. لماذا يرفض الكثيرون منّا أن يدركوا أنه ليس أسهل من تسرب الدكتاتورية إلى البلاد و أننا نخطو نحوها منذ فترة وأنهم بمواقفهم هذه يباركونها و يفتحون لها الأبواب مشرعة ؟ و قد سمعت تصريحا لأحدهم منذ أيام في واحدة من الإذاعات العريقة يقول فيه :”فلتذهب الديموقراطية و حقوق الإنسان إلى الجحيم إذا كان الثمن هو تونس” !! و كأن تونس لا يمكن إنقاذها باحترام القانون و بالحرية و التعددية … و سيكتشف المصفقون اليوم لإغلاق مقرات حزب النهضة و المطبلون لإلغاء نشاطات و اجتماعات بعض الأحزاب أنهم الهدف الموالي و أنهم سيكتوون بنار هذه القرارات يوم تطال أحزابهم و لن يجدوا من يدافع عنهم ..
فمن جمّد البرلمان قادر على تجميد الأحزاب أيضا بما فيها أحزاب المهللين المطبّلين الذين لم يتعظوا من تجربة التسعينات، و يعتقدون أنّ “هذا لا يحصل إلاّ للآخرين” و أنّ سعيّد سيكافئهم على ولائهم الأعمى بالسّماح لهم بالنشاط و يتجاهلون أنّ سعيّد يرفض فكرة الأحزاب و لا يؤمن بوجود الأجسام الوسيطة بين السّلطة و الشعب … و أنّ الأمر ليس استهدافا للنهضة و مكوّنات جبهة الخلاص فقط بل سيطال كلّ الأحزاب و الجمعيات و المنظمات (بما فيها اتحاد الشغل بعد تدجين اتحاد الأعراف و خلق الانقسام داخل اتحاد الفلاحين) و الإعلام الذي انطلقت عمليّة هرسلة أصحاب الأصوات الصّادعة فيه منذ مدّة.
بعد أن لعبت السّلطة ورقة الغنّوشي ، الصّيد الثمين أو الجوكير الذي بقيت محتفطة به طيلة سنة و نصف، لا نعلم أيّة أوراق لتهدئة الرّأي العام و إسكات الشارع مازال لديها و لا نعرف ماهي” الحربوشة ” الموالية (الاتحاد و قياداته أو عبير موسي و حزبها مثلا) لكنّها تبقى مجرّد مسكّنات أو مخدّرات تحقق حالة من الانتشاء لدى البعض لن تدوم إلا أياما قليلة ليصحو الشعب من جديد على واقعه المتردي …
قد يكون سعيّد واثقا من قدرته على السيطرة على الغاضبين و إخراس أصواتهم بفضل إحكام قبضته على مؤسّسات الدّولة و قواتها الصّلبة … وقد يكون منتشيا بعدد أنصاره اليوم الذين يلتفّون من حوله و يزيّنون له التّمادي في إقصاء المعارضين و عدم الاستماع إلى دعوات الحوار و التشارك في اتخاذ القرارات … و هو ينسى أنّ هؤلاء المطبلين عابرون لكلّ الأنظمة و العصور شعارهم ” الدّنيا مع الواقف” فبمجرّد سقوط بن علي انفضّوا من حوله و محَوْا كلّ علاقة لهم بنظامه و ساروا في ركاب غيره .. و بمجرّد إبعاد الغنوشي عن دواليب الحكم اختفَوْا من جواره و لم يعودوا يتهافتون على لقائه و تقبيل أياديه كدأبهم في السّابق .. و هاهم اليوم يبتلعون ألسنتهم و لا يعبّرون عن مساندتهم له في محنته حتّى من باب المبدئيّة و الدفاع عن إرساء دولة القانون التي تكفل للجميع محاكمة عادلة لا انتقامَ فيها … فهل مثل هؤلاء يمكن الاعتماد عليهم ؟؟
و قد يكون سعيد يعوّل على أنّ الشارع منهك كافر بالثورة و نتائجها بعد 10 سنوات من الجدال العقيم، و أنّه يفتقد حاليّا إلى قيادة تمثّل البديل و تقدر على توجيه البوصلة نحو حلّ المشاكل الحقيقية للبلاد … و لكنّه ينسى حقيقة الشعب الذي يصمت طويلا ثم يهدر صوته عاليا دون حاجة إلى قيادة أو تأطير و قد يتأخر الأمر وقد ننتظر سنوات لكن لا شيء يمكن أن يوقف حركة التاريخ.
(ملاحظة: لست مسؤولة عن عديد العبارات التي قيلت في المقهى و لا أتبنّاها فذاك ما قيل حرفيّا ليلتها)
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل يوم واحدفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 10 ساعات
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 14 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 18 ساعة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 22 ساعة
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 22 ساعة
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 22 ساعة
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 22 ساعة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 23 ساعة
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية