مع كل عهدة سياسية وبعد كل انتخابات تنطلق أقلامنا في الحديث عن الرئيس ودوائر الرئيس…كل رئيس…سواء ذلك الذي يقطن قرطاج أو الذي أسكنوه القصبة…مع بداية هذه العهدة كتبنا كثيرا عن الرئيس وعن خطابه المخيف…خطابه الغريب العجيب…وعن الأشباح التي يراها دون أن نراها…وعن الغرف المظلمة التي لم تتفطن شركة الكهرباء للخلل الذي حرم تلك الغرف من الإضاءة…
واليوم ونحن على مشارف خلط جديد للأوراق وجب أن نتحدّث أيضا عمن هم حول ساكن قرطاج …وحول من أسكنوه القصبة…لأن خلط الأوراق قد يغيّر شكل دوائر كل رئيس وقد يغيّر أحدهما في إطار صفقة…فبعضهم سينسحب خوفا من المجهول…والبعض سيهرب خوفا من الحساب…والبعض الآخر سيقترب أكثر…لكن جميعهم سيسبّبون صداعا لكل رئيس سواء من كانوا معه قبل الخلط الجديد للأوراق…أو من قفزوا من المركب للمسك بجلبابه…أو من يحاولون اليوم المسك بتلابيبه خوفا من الماسكين بجلبابه…هؤلاء سأكتب عنهم اليوم مرّة أخرى لأني على يقين أنهم هم سبب من سيقع للرئيس… ولمشاريع كل رئيس… وهم من سيسيئون للرئيس… ومستقبل كل رئيس…
من سأكتب عنهم ولن أذكرهم بالاسم، هم الانتهازيون، والوصوليون الذين سيقفزون قادم الايام إلى مركب الرئيس حفاظا على مواقعهم دون أن يهتموا يوما بمصلحة الوطن ولا بواقع الوطن المتأزم…هؤلاء الذين يتلوّنون بكل الألوان تأثروا بالحرباء وبرعوا في ما عُرفت به…هؤلاء هم من يريدون فرض وجودهم علينا في قادم الأيام والسنوات…هؤلاء هم من تعاقدوا مع كراسيهم، بعضهم تحت قبّة باردو وبقية القباب وبعضهم داخل قصور الحكم رُغما عن أنوفنا…وعن أصواتنا…نصفهم لم يكن شيئا يذكر قبل 14 جانفي…والنصف الآخر اخترع قصصا خيالية عن صولات كاذبة وبطولات وهمية ضدّ المنظومة السابقة…
عن هؤلاء سأتحدث اليوم…هؤلاء الذين يجيدون رياضة القفز بين الأحزاب والكراسي والمواقع يريدون مواصلة خنق أنفاسنا…هؤلاء يريدون مواصلة سياسة الفشل التي أذاقونا إياها وهم يسخرون ويتهامسون …هؤلاء الذين نجحوا في إيهام الجميع أنهم الأكفأ… والأقدر…والأصدق… والأوفى…هؤلاء من أعتبرهم شخصيا عناوين الفشل الذي صاحبنا وجالسنا منذ غزانا التتار والوندال يريدون ارتكاب نفس الإثم الذي ارتكبوه…ونفس الجرم الذي أتوه… ونفس الفشل الذي أنتجوه… فهؤلاء سيختارون وجوه فشل لتصاحبهم في رحلة الفشل…لأنهم لا يؤمنون بالأكفأ…هم يخافون الأكفأ…ويخافون من يفوقهم دراية وتجربة وخبرة….لذلك فلن يغامروا باختيار الأفضل بل سيغرقون المشهد بمن لا يفوقونهم كفاءة…ولا دراية….فقط للحفاظ على مواقعهم…ولا يهمهم إن سقط البناء…على رؤوسنا جميعا…
دافعنا سابقا عن بقاء بعض الحكومات …وكنا أول من انتقدها ومن قال “لا” لمن أثّث بهم رؤساء الحكومات أحواز مكاتبهم…لم نقل “لا” لشخصهم بل لما سيضيفونه للحكومات…ودفاعنا كان فقط درءا لسقوط سقف البيت على رؤوسنا جميعا…وكان أيضا من أجل إعطاء فرصة لجيل جديد ليكون غدا…الضامن والمؤتمن على مستقبل أجيالنا القادمة….فدون دربة ودون إحاطة لن نصنع مستقبلا أفضل لأبنائنا وأجيالنا القادمة…كما أن دفاعنا لم ولن يكون يوما بيعة وموالاة ولن نعط أحدا صكّا على بياض…فمعاركنا القادمة ستكون “أمهات المعارك” ودون اختيار سليم ومدروس لمن سيقودون المرحلة القادمة لن ننجح أبدا في إلحاق الهزيمة بالفساد والقهر والفقر والتمييز والظلم والتهميش والأشباح والغرف المظلمة ومسحوق الرسائل…فأنا ممن يؤمنون أن التضليل في الشأن السياسي هو بداية النهاية وهذا ما نراه اليوم في مشهد سياسي وحكومي أعرج أصبح أشدّ وطأة على الشعب من وباء كورونا…وما أراه وما ألاحظه وما أعرفه اليوم هو التضليل في أتعس مظاهره…أهكذا تريدون القطع مع الفشل والفاشلين؟؟ لذلك علينا اليوم ألا نعطي فرصة أخرى لمن فشلوا ولمن تحيلوا على الشعب للالتصاق بكراسيهم…فهؤلاء هم عنوان التخلّف السياسي…فهؤلاء والبعض الآخر هم صناع عهد يصدق فيه الكاذب… ويكذّب فيه الصادق… ويؤتمن فيه الخائن…
ختاما أقول…هل نحن فعلا في حاجة إلى نفس هؤلاء الوجوه…في مشهدنا القادم…ولأجيالنا القادمة…ألم يحن الوقت لجيل جديد من الوزراء والنواب والموظفين يعملون للشعب فقط …يحاسبون إن أخطأوا…ويُشكرون إن أحسنوا فعلا…لا أحد يوفّر لهم الحماية غير ما يقدّمونه من مجهود وأداء في خدمة الوطن والمواطن…فالمواطن يجب أن يكون فوق كل سلطة…فلا تتمسكوا بهؤلاء…فهؤلاء ليسوا عناوين نجاح…بل عناوين فشل…وسيفشلون…ومن تمسّك بقشّة…تغرقه…فحكومتنا العرجاء في حاجة إلى عكّاز قبل أن تصاب بالشلل التام…فهل نجد العكّاز تحت ركام ما تركه الزعيم في قصره ….