وهْجُ نار

حين يحكم “المتقاعدون” شعب العاطلين …

نشرت

في

أخطر سؤال يمكن أن يسأله اليوم كل مواطن عربي هو لماذا يتصوّر كل الحكام العرب منذ قرون أنهم يمتلكون الأرض ومن عليها…ولماذا يتكاثر الذباب والبعوض حولهم…؟؟ فكل حكام الدول العربية وإلى يومنا هذا ولا استثني أحدا منهم لم يصلوا إلى تلك الدرجة من الجبروت والطغيان صدفة، أو خطأ، ولم يكن جبروتهم واستبدادهم بفعل العدوى، فلا أظنّ أن الدكتاتورية معدية إلى هذا الحدّ…فهي ليست وباء لنتخلّص منه بالتلاقيح وبالعزل وبارتداء الكِمَامة…

<strong>محمد الأطرش<strong>

دكتاتورية حكام العرب هي مِن صُنْع شُعوبهم…فهذه الأخيرة هي التي جعلت منهم آلة استبداد وطغيان بتزلفها وتقرّبها، وتصفيقها وصراخها، وهتافها باسمها ليلا نهارا…وهذا ما تشهده أغلب الشعوب العربية اليوم…ولا استثني بلدا عربيا واحدا…فالشعوب هي التي تختار جلادها وتصنع له صنما وتنصبه حاكما عليها طوعا…وقد كشف لنا “الربيع العربي” المزعوم في تونس عن الأزمة الأخلاقية والوجودية للنخب السياسية…وغير السياسية…

فقد ثبت لدينا جميعا ضعف هذه النخب وهشاشتها الفكرية والثقافية…وتبيّن لنا بعد مدّة قصيرة عن انطلاق فعاليات عهد الخيانة العربية تحت شعار الربيع العربي، أن هذه النخب عاجزة عن صناعة وصياغة شيء يذكر ويُكتب في كتب التاريخ…فهؤلاء وبمجرّد تخلصهم من حكام دولهم كشفوا عن عدم قدرتهم على طرح أي بديل استراتيجي في جميع المجالات فعاشوا اليُتم …وكانوا هم اقرب الى التسمية التي كانوا يطلقونها على من كانوا مع بن علي وبورقيبة رحمها الله “ايتام بن علي وبورقيبة”…والأخطر من كل هذا هو أنهم كشفوا زيفهم وانتهازيتهم وازدواجيتهم…فأغلب من كانوا ينادون بالديمقراطية والحريات كشفوا عن تعطشهم المفرط للاستبداد والتسلط…

ففي تونس مثلا كشفت نُخب المعارضة وأغلب من كانوا يصفقون سرا لمنظومة البناء من الجامعيين، عن جهلها الكامل بشؤون الدولة فلم تنجح في طرح أي بديل يُخرج البلاد من أزمتها التي بدأت بخروج بن علي رحمه الله من السلطة…لذلك لا تجوز أبدا المقارنة بين من مسكوا بدواليب الحكم قبل 14 جانفي ومن مسكوا بها بعد ذلك التاريخ…دون استثناء طبعا…فمنذ خروج محمد الغنوشي آخر رجال الدولة، ورغم الخطأ الفظيع الذي أتاه بإصداره للعفو التشريعي العام خوفا من رد فعل الشارع المجهول…سقطت الدولة…فتونس اليوم تعيش على بقايا دولة سقطت دعائم بنائها…وقد تحتاج الى أكثر من ثلاثة عقود لتصلح ما أفسدته هذه النخب التي تفاخر بعضها بأنه وراء خروج بن علي رحمه الله…

والحقيقة هي أنهم وراء كل العرج والإعاقة التي أصابت الدولة…ويوم تغيب هذه الأسماء سيصلح حال البلاد…فدولة يحكمها المتقاعدون لن تنجح في خدمة من عن مواطن الشغل يبحثون وورائها يلهثون…فتونس اليوم في حاجة إلى جيل جديد من الساسة من غير كل من أنجبتهم المنظومات التي حكمت البلاد بعد يوم الخديعة…و دولة تعوّل على من فاقت أعمارهم سنّ الإحالة على التقاعد، لن تخدم شعبا أغلب سكانه من الشباب الذي لم توفر له الحكومات السابقة فرصة العمل يوما واحدا، ولن تنجح في إنقاذ من يهربون من جحيم البطالة إلى الموت غرقا في المتوسط…

والغريب أن بعض هؤلاء يُنَظّرُونَ لنظرية جان جاك روسو بأن الشعوب في حاجة إلى “ثورة على الثورة” بعد كل ثورة لكي تعيد فرض النظام، وتعيد الأشياء الى نصابها الصحيح، فحسب هؤلاء يكثر في مرحلة الثورة الأولى السراق والانتهازيين والحالمين بالكراسي والسلطة والجاه…ونسوا أن المنقلب على المنقلب يصبح أقرب إلى المستبد والدكتاتور…و نسوا أن الثورة التي سينقلبون عليها من أجل تصحيح مسارها لم تكن أبدا ثورة بل كانت انقلابا مقنّعا، فهم إذن انقلبوا على انقلاب جاء بطبقة سياسية فاشلة كانوا هم جزءا منها…

والأغرب من كل هذا هو تعنّت كل من حكموا البلاد بعد بن علي رحمه الله، فهؤلاء وكأنهم تناولوا حبوب منع الاستيعاب والفهم والإدراك، يتحدّثون في ما لا يعلمونه، ويتمسكون بآراء غير سديدة لم نكسب من ورائها غير الويلات، والنكبات الواحدة تلو الأخرى، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا…

وأظنهم لم يدركوا حقيقة ما تعانيه البلاد، ولا حقيقة ما يجب فعله من أجل انقاذ ما يمكن إنقاذه… وكأني بهم لا يأبهون لما يعانيه هذا الشعب …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version