جور نار

خالتي الشعلاء وسيارة عمّ الكوني… وغياب المواد الأساسية

نشرت

في

Coloriage gratuit à imprimer : Voiture

كنت مارا أمام مقهى من المقاهي الشعبية حين حوّل وجهتي أحد صعاليك الزمن الجميل إلى طاولة فقد نصف خشبها لونه من فرط الاتكاء عليه احباطا ويأسا من العاطلين والمعطلين عن العمل...

<strong>محمد الأطرش<strong>

جلست قبالة صعلوك الزمن المتهم بأبشع التهم حتى اشعار آخر، صعلوك لم يجد صعوبة في الكشف عن نواياه من تحويل وجهتي…فقال “ماذا ستكتب هذا الأسبوع يا هذا؟” قلت أفكّر في الكتابة عن المواد الأساسية والضرورية المفقودة من السوق ومعاناة الشعب واكتفاء الدولة بتحويل وجهته إلى أمور لا أرى ضرورة للحديث عنها أصلا من غير أهل الاختصاص…نظر إلي الصعلوك الوطني وقال: “ما تحمدوش ربّي…ما عمركم حمدتوا ربّي…تي احمدوا ربّي نهار في حياتكم” … قلت: “وما دخل الله في المواد المفقودة؟ كنت حقّا أريد الكتابة عن هذا الأمر لكن الآن خذلني قلمي بعد سماعك وخذلتني أنت وأمثالك بما قلت ويقولون…ولأول مرّة صراحة يخذلني قلمي في الكتابة عن الشأن العام …بعد أن مُنع قلمي وحوصر عديد المرّات ليس من الدولة فالدولة (يرحم والديها ووالدين والديها وهذي بوسة من عندي اممممممواه!) وأمد الله في أنفاسها وأنفاس أهلها وناسها وما لها وما عليها…

وواصلت: “بل من رئيس التحرير خوفا من تبعات ما أكتب في زمن طأطأت اغلب الأقلام رؤوسها وجلست القرفصاء تصفّق وتسعد بما تجود به علينا منابر الحقد التلفزي ونشرات الأنباء، من أخبار لا تهمّ المواطن في شيء غير رفع نسبة الحقد والكراهية والاكتئاب…ولأني أخاف غضب صديقي الصعلوك الديمقراطي جدّا والحقوقي جدا والإنساني جدا فإني سأحمد الله دائما وابدا أخذا بخاطره…سأحمد الله إن لم اجد خبزا فكم من رغيف أكلت منذ ولادتي مما “يشبّع عرش”…وسأحمده إن لم اجد حليبا فكم من علبة حليب من أيام العلبة التي كانت على هيئة أهرام أم الدنيا مصر…وسأحمده إن لم أجد زيتا فالزيت كان لا يفارقني فأمي رحمها الله كانت “تمرّخني” وتغرقني زيتا حين تداهمني نوبة من السعال الديكي أو الديك الرومي، علما بأني لم أذق طعم لحم الديك الرومي إلا بعد ان تزوجت ولم أكن افرّق بينه وبين لحم الخنزير وكنت أحمد الربّ أني لم اذق طعمه خوفا من حرامه، وحين علمت أنه “حلال” اصابتني نوبة من البكاء صاحبتني كلما رأيت فخذ ديك رومي معلقا بمحل لبيع الدواجن واصهارها أندم على ما فاتني…

“وسأحمده إن لم أجد سكّرا فالسكر مضر أولا بالصحة واظنّ أيضا ان حلاوة الدنيا ليست فقط في “حلاوة” السكر، بل في حلاوة قرارات الحكومة…والقائمين على شؤون الحكومة…فلا حلاوة تضاهي خطابات دولتنا ألم يحفظ أغلبنا هذه الخطب وما تعنيه؟…دامت حلاوة دولتنا والقائمين عليها فحلاوة السكر لا تضاهي ابدا حلاوة قول دولتنا، حفظ الله لسانها من كل سوء…وسأحمده إن لم أجد غدا وقودا لسيارتي التي أفكّر في شرائها إن نجحت في جمع ثمنها من الأموال التي كانت مرصودة للمواد الضرورية والاساسية المفقودة…ففقدان هذه المواد سيكون حافزا لي على ادخار ثمن سيارة تليق بمقامي…وسأحمد الله غدا إن لم أجد لحما فثمنه سيزيد من حجم ادخاري…وسأحمد الله إن لم أجد غازا فثمن القارورة سيكون دعما لمخزوني…وسأحمد الله إن لم أجد اسمنتا لإنهاء اشغال بناء منزلي فكل ذلك سيكون في صالح مدخراتي…وسأحمد الربّ إن ألغيت زيارتي إلى العاصمة بسبب عطب بالحافلة وغياب قطع الغيار لانخفاض مخزون العملة الصعبة المخصّص لتوريد هذه القطع، وقد استفيد مما خصصته من مال للزيارة لدعم ما ادخرته ثمنا لسيارتي القادمة…

“وسأحمد الربّ إن نجح الاسكافي في إصلاح حذائي الذي أصبح لا يليق بطرقاتنا المعبّدة بالخرسانة الاسفلتية ذات المخالب الحجرية، فسيوفر لي بذلك ثمن حذاء جديد بمخالب حديدية كتلك التي نجدها أسفل احذية لاعبي كرة القدم أو الرقبي أضيفه إلى مدخرات سيارتي…وسأحمد الربّ إن ألغى أحد المهرجانات عروضه فبثمن تذاكر دخوله سأنفخ في حجم مدخراتي…وسأحمد الربّ على غياب العديد من المواد الاستهلاكية الضرورية والاساسية فبثمنها سأنجح في توفير ثمن سيارتي الفاخرة الفاقع لونها والمنتفخة أوداجها كالرانج روفر التي عند عمّ الكوني…وسأحمد الربّ إن نجح خليفة ابن عمّي في الفوز بمقعد في الانتخابات المحليّة فحينها سيعينني في الحصول على قرض دون ضمان كامل من بنك يطالبني اليوم حتى بمعلوم مجرّد السؤال عن الملاليم التي بحسابي البنكي… ابن عمّي هذا له علاقة “شكبّة ونوفي” مع مدير الفرع البنكي كيف لا وهو رفيقه في مقهى الحي القريب من المصبّ المحلّي للفضلات المنزلية…

“وسأحمد الربّ إن تواصل هذا الاستقرار والديمقراطية والانفتاح السياسي في البلاد فمن دونه قد يقع توفير كل المواد المفقودة وقد لا تسمح لي كل تلك المصاريف بادخار ثمن سيارة احلامي…وسأحمد الربّ إن تواصل وضع عمّ الكوني بذلك السوء فهو لن يبيعني سيارته إن تحسن وضعه المادي ودفع ما عليه من ديون لزوجته السابقة “عمّتي الشعلاء”…وسأحمد الربّ إن فقدت العديد من الأدوية من الصيدليات فبثمنها سأزيد من فرص شراء سيارة عمّي الكوني وسأكتفي بالمداواة بالنباتات الطبية، وقد يكلفني الأمر صعودا إلى بعض الجبال لجلب الشيح والزعتر والاكليل والتڨوفت وغيرها من الأعشاب التي ستغنيني عن الادوية المفقودة بالصيدليات”…

هكذا قلت لصديقي الصعلوك فضحك…وقال “بارك الله فيك كنت على يقين انك وطني حتى الموت جوعا وبلا أدوية”…قلت “لابأس لابأس…لن نموت جوعا في هذا البلد ولن نموت دون جرعة دواء…” فجأة ودون سابق إعلام رنّ جرس هاتفي الاعرج وكان عمّ الكوني على الخطّ فصرخ في وجهي وقال: (ابشر يا ولد أختي لقد وافق البنك على القرض ولن أبيع سيارتي لخلاص ديون خالتك “الشعلاء”..) سقط الهاتف من يدي…فقال الصعلوك ما الأمر؟ قلت: عليّ أن ابحث عن الحليب والخبز وبعض المواد الأخرى فقد نفد مخزون البيت من كل الأساسيات الغذائية…نظر إلي وصرخ “ألم تكن تحمد الربّ على فقدانها يا هذا…قلت في خاطري “اللي يشوفك ويشوف أمثالك ينسى يحمد ربّي…”

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version