جور نار
خليفة ولد عمّي والانتخابات المحليّة… وحمار سعد زغلول! (1)
نشرت
قبل 11 شهرفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashكنت قد أتممت لتوي ابتلاع آخر لقمة حلال من عشاء الأمس حين دقّ باب المنزل مدفع غير معلوم الهوية، قفزت مسرعا لا شعوريا فزعا من شدّة وقوة صوت الباب الخارجي، وكأني كريستيانو رونالدو حين ينتظر كرة أرض جو من مودريتش ليسكنها شباك أحد خصوم الريال…فتحت الباب وأنا في حالة رعب مما قد أجد خلفه، فلا شيء يُطمئن في عالمنا اليوم وأيامنا هذه…لم أجد أحدا خلف الباب نظرت يمنة لا شيء أيضا نظرت يسرة كذلك، قلت ما الحكاية هل ضربوا الباب فقط لإزعاجي…
فجأة ظهر من بعيد ومن خلف شجرة كبيرة اتخذت من زاوية النهج المحاذي لمنزلي مقرا لجذورها … أقول فجأة ظهر شبح شخص أعرفه جيدا من مشيته العرجاء وصرخت “هو انت خليفة وشبيك فجعتني تحب تكسر الباب والا اشنوة…كي عادتك جلف” ضحك واقترب منّي قائلا “هكّة ترحّب بولد عمّ مرت خالك يا عشيري؟؟” احتضنني خليفة وكأنه لم يرني منذ سنوات…وأعاد الاحتضان حتى خلت انه فقد أحد أفراد عائلته …واحسست بوجع في اضلعي…سألته ما الذي أتى به في هذه الساعة فقال “الانتخابات يا صاحبي الانتخابات” سألته وما دخلك أنت في الانتخابات المحليّة يا أحمق؟؟؟ قال ضاحكا “أنا من رشحوني لأكون خصما للكوني والشعلاء بنت خالة نسيبك الهادي ولد الأزرق…هما يِسَّمُوا براينية على العرش والعيلة” قلت متمتما “اتخذت”…خليفة مترشح محلي يا دين….( كلمة ممنوعة من النشر)…
نظرت إليه قائلا ” وما الذي كنت تفعله خلف الكلتوسة يا بهيم؟؟” قال ضاحكا…” كنت نربط في عشيري وخوي الغالي في الشجرة” نظرت إليه مستغربا مزبهلا “البهيم…جبت البهيم يا بهيم…؟؟” قال: “أي جيت على البهيم هذاكه هو مستشاري وسندي في الانتخابات يا بهيم” رفعت يدي كنت أريد ضربه فقال “عشيري راك عشيري راني نفدلك…”..سألته “وينها الباشية (نسبة الى المغفور لها الــ404 بيجو التي كان يمتلكها) اللي عندك…ووينها الموبيلات الحمراء…شبيك جيت على البهيم في ها الصڨع؟؟” ضحك وقال :” الباشية غفر الله لها بعتها كي عرست للطفل …والموبيلات بعتها باش نكمل نخلّص ديون عرس الطفل…قعدلي البهيم سخفني ما بعتاش هاني نسركل بيه ونخمم نشريله كرّيطة عائلية على الأقل خير من فلوس التاكسيات والنقل الريفي…” نظرت إليه وقلت:” ربي يطول عشرتكم حتى البهيم بصراحة راجل وسيد الرجال هاك لقيته وقت الحاجة…”
اقترب منّي وقال “هاك دخّل هالقضيات بحذا الحاجة الداخل خير ما يشوفونا الناس يقولوش جايبله رشوة انتخابات؟؟؟” استغربت قوله فقلت: “شنوة القضيات وانا اش ناقصني يا خليفة …تي هاك كي البهيم اللي عندك مسطّك تخمم كان في خرابها لوكان يهدّوا علينا يقولولنا فساد مالي وانتخابي”…ضحك ودخل خلفي إلى المنزل وهو يصيح “وينك يا بنت عمّي هاني طلّيت تمشيش تقولي كبر وولى مسهول معادش يطل…؟؟” خرجت الحاجة (زوجتي طبعا) وهي في الحقيقة لم تزر بيت الله حجّا بل زارته عمرة فقط لكن خليفة وكأني به حفظ عن ظهر قلب مصطلحات الترشح للانتخابات والكذب على ذقون الناخبين وهرسلتهم بالخداع والكلام المعسول…
أقول خرجت الحاجة وأطلقت على خليفة وابلا من الدعاء في شكل قصف عشوائي ورشقات كتلك التي يرسلها الغزاويون إلى بعض مدن الشمال الفلسطيني…”برّة ان شاء الله تولي نائب محلي…برّة ان شاء الله تدڨدڨ الكوني …وتفتفت الشعلاء…برّه انشاء الله تولي رئيس…” هنا قاطعها خليفة بأعلى صوته “لا لا يا حاجة اسحبيها ترصيليش في بوفردة الليلة…لا اوخيتي لا رئيس لا وزير…حدني حدّ الحومة…بربي اسحبيها…” نظرت اليه مستغربة ورفعت صوتها الى السماء وقالت ” يا الله اسحب الدعاء السابق لا تأخذه بعين الاعتبار يا جبّار…ما تقيداش في كتابك يا الله…واعتذر عن الاطالة…اللهم يا رب السماء ابعد عن خليفة الكوني والشعلاء…وخليه نائب محلي على بهيم…ويا ربي اسعد خليفة وبهيم خليفة واعطيهم صحة من حديد لا تتقطع لا تبيد”.
وكأني بالحمار أو البهيم كما نسميه نحن في الجنوب استمع إلى الحاجة واستمتع بوابلها وقصفها العشوائي من الدعاء الناسف، فنهق نهقتين مفاخرا براكبه وعشيره خليفة…التفتت الحاجة إلى القفّة وسألت خليفة :”اش جبت يا خلفون…التحفون…” نظرت اليها ضاحكا مستغربا مما قالته… وتمتمت “التحفون…هههه تحفون الكازي…مغبون يمكن اما خلفون وتحفون يا ذنوبي..” وكأني بخليفة استمع إلى ما تمتمته فقال” اش تقول يا شعب…” قلت: ” شعب ماذا تقصد؟؟” قال : “نعم أنت الشعب الذي سيجعل منّي أول نائب محلّي في دشرة أولاد المحتحت …ما خيرلك أنا والا الكوني والا الشعلاء البايرة ؟؟” نظرت إليه وقلت” “جاوب الحاجة سألاتك على شنوة في الزنبيل اللي جبته…تحكيلي على شعب تي هي العمادة الكل فيها 254 ناخب؟؟” فقال ملتفتا إلى الحاجة” جبتلك من كل زوجين اثنين…ايه شدّ عندك يا حجحوجة…”
قاطعتهم وقلت “اشنوة ولت تربيج يا بهيم…” ضحك وقال” إكراهات الانتخابات يا صاحبي…” قلت: “اوكي …أوكي…” نظرت إليه الحاجة وقالت: “اش تقصد من كل زوجين اثنين يا صاحب الحمار…” ضحك وقال لها: “صاحب الحمار؟…اشنوة يا حاجة بديت بالأسلحة المحرمة عائليا…يا للة جبتلك زوز كيلو سكر…وزوز ايترات زيت زيتونة…وزوز ايترات زيت الحكومة…وزوز كيلو روز….وزوز كيلو فارينة…وزوز باكوات قهوة…وستيكة حليب…” قفزت الحاجة وكأنها بنت العشرين أو نادية كومانتشي في زمانها وقالت “جو باش نقسم مع اختى عندها عام ما ذاقتش زيت الحكومة وستة شهور ما راتش عينها باكو فارينة وشهرين تلوج على باكو قهوة ومن قبل ما يستالد فتحي وهي تستنى في ستيكة حليب من عمّ الصادق الحوانتي…” قلت في خاطري “اش قعد من وديدة خليفة سيدي النائب المحلّي..”…
أخذت الحاجة ما جاد به ظهر حمار خليفة وزنبيله وعادت لتستمع إلى ما سيقوله “خلفون” في أمر الانتخابات وماذا يريد منّا نحن بالذات…بدأ خليفة في تعداد الناخبين حسب قائمة خرج مسرعا إلى البهيم وأخرجها من تحت بردعته المزركشة باللون الانتخابي لخليفة…وبدأ في الحديث: “يا صاحبي نحبك تتلهالي بالرجال والشباب في العمادة هاهي القائمة نقصوا منها 75 حرقوا في الصيف اللي فات…و12 غرقوا في البحر …وانت يا حاجة نحبك تعملي حملة انتخابية في النساء ما تنسيسش النساء اللي حرقت واللي ماتت واللي كبرت معادش تنجم تقوم… ونحبك تقوم بفضّ النزاع بيني وبين أولاد عمّك الصحبي على هاك الزيتونة اللي قيدتها في ملكي هاك العام”
نظرت الى خليفة نائب المستقبل وقلت بعد قراءة القائمة أظنّ ان عدد الناخبين المسجلين لن يتجاوز المائة ناخب …أمورك فسفس لا باس ما تطلع كان انت تهنى…الشعلاء مستحيل …والكوني صعيب متعارك مع انسابه، وانسابه أغلبية في العمادة ويحبوك انت…ونظن اللي انت هزيتلهم زنبيل باهي كيف اللي جبته لي انا والحاجة” نظر إلي خليفة وقال مبتسما: “طمنتني يطمنك ربي…ونوعدكم هاهو بحذا الحاجة وليلة سبت اللي انا باش ناقف في وجه الفساد…والاحتكار …ومعادش نقبل الحكم مدى الحياة…باش نفرض التداول على السلطة…ونرسخ أسس الديمقراطية…وتولي الفارينة موجودة…والسكر في كل دار…والقهوة في كل كوجينة…والزيت عشرة ايترات كل مواطن في العمادة…ونوعدكم باش نساند القضية الفلسطينية وباش نعمّل عليك في بيان للراي العام ولشعبنا في العمادة ..وموش ناسي يلزم ندعموا كل برنامج اممي للحدّ من انبعاث الغازات حفاظا على طبقة الأوزون …وزادة الحدّ من أسلحة الدُمَّار الشامل…”
قلت ضاحكا: “الدَمَار الشامل الدال بالفتحة يا حمار…بيان شنهو اللي تحكي عليه؟؟؟” قال:” بيان استنكار واستهجان واحتجاج وتنديد” ضحكت وقلت “زيد قلي تحرك حاملات الطائرات متاعك…يا بهيم…عندك كان ضراطك وضراط البهيم متاعك مع احترامي للبهيم…” نظر إلي وقال: “حرام عليك الاحترام كان للبهيم…” هنا وصل الى مسمعي نهيق الحمار وكأنه سمع ما قلته عنه فنهق مفاخرا بما سمعه…هنا تدخلت الحاجة وسألت خليفة عن سرّ حملته الانتخابية على ظهر البهيم وتقصد الحمار …نظر إليها خليفة وقال: “الا تعلمين يا حاجة…وسأكلمك بالعربية التي يتميّز بها صاحبي زوجك هذا ويقصدني أنا طبعا…ألا تعلمين ان سعد زغلول رحمه الله الزعيم المصري ورئيس وزراء مصر في بداية القرن الماضي، كان يركب الحمار حين يعود إلى مزرعته في قرية مسجد وصيف…ألا تعلمين يا حاجة…وأضيف ألا تعلمين بالأبيات التي نظمها الشاعر أحمد أبو النجاة يصف فيها الحمار الذي ركبه سعد زغلول:
حمارُ الزعيم زعيمُ الحميرْ .. على عَرْش مُلْكِ الحميرِ أميرْ
لِـجَـامٌ مـن الـعِـزّ في فَـكِّـهِ .. إِكَـافٌ على ظهره مـن حـريرْ
تَـخِـرُّ الــبِـغَـالُ له سُـجَّـدًا .. وتحـسُـدُه الـخَـيْـلُ عند الـمَسيرْ
وقفت مذهولا في حالة ازبهلال قصوى مما سمعته من خليفة…وقلت له مفاخرا: “أنا اليوم مطمئن على هذا الحي وهذه العمادة …فأنا أمام نائب سيكتب اسمه في تاريخ البلاد وسيخدم العباد كل العباد…وخرجت مسرعا إلى الحمار واحتضنته أريد تهنئته بفوز راكبه “خلفون” بالانتخابات المحلية الأولى …فهنيئا لنا بخليفة…وحمار خليفة…وطلبت من الحاجة “زغروطة يا حاجة…” فأجابت: “للبهيم والا لخليفة؟…” قلت: “للزوز…للزوز…” فقد وعد خليفة أن ظهر حماره على ذمة كل سكان العمادة إن لم يجدوا وسيلة نقل… عاش خليفة ولد عمي…وعاش بهيم خليفة ولد عمّي…ونظرت إلى سيدي النائب وسألته: “بالله عليك كيف علمت بحكاية سعد زغلول وحماره…؟؟” نظر إلي وقال: “في مجلة اللطائف وبالذات في عددها الصادر يوم 21 أفريل عام 1954 التي أخذتها منك منذ شهر لأقرأ بعض ما جاء فيها تطفلا…” فقلت “نعم التطفّل…يا صاحب البهيم..”…
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل ساعتين
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل ساعتين
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 12 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل 23 ساعة
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟