تابعنا على

جور نار

خليفة ولد عمّي والانتخابات المحليّة… وحمار سعد زغلول! (1)

نشرت

في

Coloriage âne avec charge - Coloriages Gratuits à Imprimer ...

كنت قد أتممت لتوي ابتلاع آخر لقمة حلال من عشاء الأمس حين دقّ باب المنزل مدفع غير معلوم الهوية، قفزت مسرعا لا شعوريا فزعا من شدّة وقوة صوت الباب الخارجي، وكأني كريستيانو رونالدو حين ينتظر كرة أرض جو من مودريتش ليسكنها شباك أحد خصوم الريال…فتحت الباب وأنا في حالة رعب مما قد أجد خلفه، فلا شيء يُطمئن في عالمنا اليوم وأيامنا هذه…لم أجد أحدا خلف الباب نظرت يمنة لا شيء أيضا نظرت يسرة كذلك، قلت ما الحكاية هل ضربوا الباب فقط لإزعاجي…

محمد الأطرش
<strong>محمد الأطرش<strong>

فجأة ظهر من بعيد ومن خلف شجرة كبيرة اتخذت من زاوية النهج المحاذي لمنزلي مقرا لجذورها … أقول فجأة ظهر شبح شخص أعرفه جيدا من مشيته العرجاء وصرخت “هو انت خليفة وشبيك فجعتني تحب تكسر الباب والا اشنوة…كي عادتك جلف” ضحك واقترب منّي قائلا “هكّة ترحّب بولد عمّ مرت خالك يا عشيري؟؟” احتضنني خليفة وكأنه لم يرني منذ سنوات…وأعاد الاحتضان حتى خلت انه فقد أحد أفراد عائلته …واحسست بوجع في اضلعي…سألته ما الذي أتى به في هذه الساعة فقال “الانتخابات يا صاحبي الانتخابات” سألته وما دخلك أنت في الانتخابات المحليّة يا أحمق؟؟؟ قال ضاحكا “أنا من رشحوني لأكون خصما للكوني والشعلاء بنت خالة نسيبك الهادي ولد الأزرق…هما يِسَّمُوا براينية على العرش والعيلة” قلت متمتما “اتخذت”…خليفة مترشح محلي يا دين….( كلمة ممنوعة من النشر)…

 نظرت إليه قائلا ” وما الذي كنت تفعله خلف الكلتوسة يا بهيم؟؟” قال ضاحكا…” كنت نربط في عشيري وخوي الغالي في الشجرة” نظرت إليه مستغربا مزبهلا “البهيم…جبت البهيم يا بهيم…؟؟” قال: “أي جيت على البهيم هذاكه هو مستشاري وسندي في الانتخابات يا بهيم” رفعت يدي كنت أريد ضربه فقال “عشيري راك عشيري راني نفدلك…”..سألته “وينها الباشية (نسبة الى المغفور لها الــ404 بيجو التي كان يمتلكها) اللي عندك…ووينها الموبيلات الحمراء…شبيك جيت على البهيم في ها الصڨع؟؟” ضحك وقال :” الباشية غفر الله لها بعتها كي عرست للطفل …والموبيلات بعتها باش نكمل نخلّص ديون عرس الطفل…قعدلي البهيم سخفني ما بعتاش هاني نسركل بيه ونخمم نشريله كرّيطة عائلية على الأقل خير من فلوس التاكسيات والنقل الريفي…” نظرت إليه وقلت:” ربي يطول عشرتكم حتى البهيم بصراحة راجل وسيد الرجال هاك لقيته وقت الحاجة…”

اقترب منّي وقال “هاك دخّل هالقضيات بحذا الحاجة الداخل خير ما يشوفونا الناس يقولوش جايبله رشوة انتخابات؟؟؟” استغربت قوله فقلت: “شنوة القضيات وانا اش ناقصني يا خليفة …تي هاك كي البهيم اللي عندك مسطّك تخمم كان في خرابها لوكان يهدّوا علينا يقولولنا فساد مالي وانتخابي”…ضحك ودخل خلفي إلى المنزل وهو يصيح “وينك يا بنت عمّي هاني طلّيت تمشيش تقولي كبر وولى مسهول معادش يطل…؟؟” خرجت الحاجة (زوجتي طبعا) وهي في الحقيقة لم تزر بيت الله حجّا بل زارته عمرة فقط لكن خليفة وكأني به حفظ عن ظهر قلب مصطلحات الترشح للانتخابات والكذب على ذقون الناخبين وهرسلتهم بالخداع والكلام المعسول…

أقول خرجت الحاجة وأطلقت على خليفة وابلا من الدعاء في شكل قصف عشوائي ورشقات كتلك التي يرسلها الغزاويون إلى بعض مدن الشمال الفلسطيني…”برّة ان شاء الله تولي نائب محلي…برّة ان شاء الله تدڨدڨ الكوني …وتفتفت الشعلاء…برّه انشاء الله تولي رئيس…” هنا قاطعها خليفة بأعلى صوته “لا لا يا حاجة اسحبيها ترصيليش في بوفردة الليلة…لا اوخيتي لا رئيس لا وزير…حدني حدّ الحومة…بربي اسحبيها…” نظرت اليه مستغربة ورفعت صوتها الى السماء وقالت ” يا الله اسحب الدعاء السابق لا تأخذه بعين الاعتبار يا جبّار…ما تقيداش في كتابك يا الله…واعتذر عن الاطالة…اللهم يا رب السماء ابعد عن خليفة الكوني والشعلاء…وخليه نائب محلي على بهيم…ويا ربي اسعد خليفة وبهيم خليفة واعطيهم صحة من حديد لا تتقطع لا تبيد”.

وكأني بالحمار أو البهيم كما نسميه نحن في الجنوب استمع إلى الحاجة واستمتع بوابلها وقصفها العشوائي من الدعاء الناسف، فنهق نهقتين مفاخرا براكبه وعشيره خليفة…التفتت الحاجة إلى القفّة وسألت خليفة :”اش جبت يا خلفون…التحفون…” نظرت اليها ضاحكا مستغربا مما قالته… وتمتمت “التحفون…هههه تحفون الكازي…مغبون يمكن اما خلفون وتحفون يا ذنوبي..” وكأني بخليفة استمع إلى ما تمتمته فقال” اش تقول يا شعب…” قلت: ” شعب ماذا تقصد؟؟” قال : “نعم أنت الشعب الذي سيجعل منّي أول نائب محلّي في دشرة أولاد المحتحت …ما خيرلك أنا والا الكوني والا الشعلاء البايرة ؟؟” نظرت إليه وقلت” “جاوب الحاجة سألاتك على شنوة في الزنبيل اللي جبته…تحكيلي على شعب تي هي العمادة الكل فيها 254 ناخب؟؟” فقال ملتفتا إلى الحاجة” جبتلك من كل زوجين اثنين…ايه شدّ عندك يا حجحوجة…”

قاطعتهم وقلت “اشنوة ولت تربيج يا بهيم…” ضحك وقال” إكراهات الانتخابات يا صاحبي…” قلت: “اوكي …أوكي…” نظرت إليه الحاجة وقالت: “اش تقصد من كل زوجين اثنين يا صاحب الحمار…” ضحك وقال لها: “صاحب الحمار؟…اشنوة يا حاجة بديت بالأسلحة المحرمة عائليا…يا للة جبتلك زوز كيلو سكر…وزوز ايترات زيت زيتونة…وزوز ايترات زيت الحكومة…وزوز كيلو روز….وزوز كيلو فارينة…وزوز باكوات قهوة…وستيكة حليب…” قفزت الحاجة وكأنها بنت العشرين أو نادية كومانتشي في زمانها وقالت “جو باش نقسم مع اختى عندها عام ما ذاقتش زيت الحكومة وستة شهور ما راتش عينها باكو فارينة وشهرين تلوج على باكو قهوة ومن قبل ما يستالد فتحي وهي تستنى في ستيكة حليب من عمّ الصادق الحوانتي…” قلت في خاطري “اش قعد من وديدة خليفة سيدي النائب المحلّي..”…

أخذت الحاجة ما جاد به ظهر حمار خليفة وزنبيله وعادت لتستمع إلى ما سيقوله “خلفون” في أمر الانتخابات وماذا يريد منّا نحن بالذات…بدأ خليفة في تعداد الناخبين حسب قائمة خرج مسرعا إلى البهيم وأخرجها من تحت بردعته المزركشة باللون الانتخابي لخليفة…وبدأ في الحديث: “يا صاحبي نحبك تتلهالي بالرجال والشباب في العمادة هاهي القائمة نقصوا منها 75 حرقوا في الصيف اللي فات…و12 غرقوا في البحر …وانت يا حاجة نحبك تعملي حملة انتخابية في النساء ما تنسيسش النساء اللي حرقت واللي ماتت واللي كبرت معادش تنجم تقوم… ونحبك تقوم بفضّ النزاع بيني وبين أولاد عمّك الصحبي على هاك الزيتونة اللي قيدتها في ملكي هاك العام”

 نظرت الى خليفة نائب المستقبل وقلت بعد قراءة القائمة أظنّ ان عدد الناخبين المسجلين لن يتجاوز المائة ناخب …أمورك فسفس لا باس ما تطلع كان انت تهنى…الشعلاء مستحيل …والكوني صعيب متعارك مع انسابه، وانسابه أغلبية في العمادة ويحبوك انت…ونظن اللي انت هزيتلهم زنبيل باهي كيف اللي جبته لي انا والحاجة” نظر إلي خليفة وقال مبتسما: “طمنتني يطمنك ربي…ونوعدكم هاهو بحذا الحاجة وليلة سبت اللي انا باش ناقف في وجه الفساد…والاحتكار …ومعادش نقبل الحكم مدى الحياة…باش نفرض التداول على السلطة…ونرسخ أسس الديمقراطية…وتولي الفارينة موجودة…والسكر في كل دار…والقهوة في كل كوجينة…والزيت عشرة ايترات كل مواطن في العمادة…ونوعدكم باش نساند القضية الفلسطينية وباش نعمّل عليك في بيان للراي العام ولشعبنا في العمادة ..وموش ناسي يلزم ندعموا كل برنامج اممي للحدّ من انبعاث الغازات حفاظا على طبقة الأوزون …وزادة الحدّ من أسلحة الدُمَّار الشامل…”

قلت ضاحكا: “الدَمَار الشامل الدال بالفتحة يا حمار…بيان شنهو اللي تحكي عليه؟؟؟” قال:” بيان استنكار واستهجان واحتجاج وتنديد” ضحكت وقلت “زيد قلي تحرك حاملات الطائرات متاعك…يا بهيم…عندك كان ضراطك وضراط البهيم متاعك مع احترامي للبهيم…” نظر إلي وقال: “حرام عليك الاحترام كان للبهيم…” هنا وصل الى مسمعي نهيق الحمار وكأنه سمع ما قلته عنه فنهق مفاخرا بما سمعه…هنا تدخلت الحاجة وسألت خليفة عن سرّ حملته الانتخابية على ظهر البهيم وتقصد الحمار …نظر إليها خليفة وقال: “الا تعلمين يا حاجة…وسأكلمك بالعربية التي يتميّز بها صاحبي زوجك هذا ويقصدني أنا طبعا…ألا تعلمين ان سعد زغلول رحمه الله الزعيم المصري ورئيس وزراء مصر في بداية القرن الماضي، كان يركب الحمار حين يعود إلى مزرعته في قرية مسجد وصيف…ألا تعلمين يا حاجة…وأضيف ألا تعلمين بالأبيات التي نظمها الشاعر أحمد أبو النجاة يصف فيها الحمار الذي ركبه سعد زغلول:  

حمارُ الزعيم زعيمُ الحميرْ .. على عَرْش مُلْكِ الحميرِ أميرْ
لِـجَـامٌ مـن الـعِـزّ في فَـكِّـهِ .. إِكَـافٌ على ظهره مـن حـريرْ
تَ
ـخِـرُّ الــبِـغَـالُ له سُـجَّـدًا .. وتحـسُـدُه الـخَـيْـلُ عند الـمَسيرْ

وقفت مذهولا في حالة ازبهلال قصوى مما سمعته من خليفة…وقلت له مفاخرا: “أنا اليوم مطمئن على هذا الحي وهذه العمادة …فأنا أمام نائب سيكتب اسمه في تاريخ البلاد وسيخدم العباد كل العباد…وخرجت مسرعا إلى الحمار واحتضنته أريد تهنئته بفوز راكبه “خلفون” بالانتخابات المحلية الأولى …فهنيئا لنا بخليفة…وحمار خليفة…وطلبت من الحاجة “زغروطة يا حاجة…” فأجابت: “للبهيم والا لخليفة؟…” قلت: “للزوز…للزوز…” فقد وعد خليفة أن ظهر حماره على ذمة كل سكان العمادة إن لم يجدوا وسيلة نقل… عاش خليفة ولد عمي…وعاش بهيم خليفة ولد عمّي…ونظرت إلى سيدي النائب وسألته: “بالله عليك كيف علمت بحكاية سعد زغلول وحماره…؟؟” نظر إلي وقال: “في مجلة اللطائف وبالذات في عددها الصادر يوم 21 أفريل عام 1954 التي أخذتها منك منذ شهر لأقرأ بعض ما جاء فيها تطفلا…” فقلت “نعم التطفّل…يا صاحب البهيم..”…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 115

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في الفترة ما بين 2004 و 2010 لم تكن الاحداث التي عشتها كمّيا كثيرة وها انا امرّ على ابرزها لاخلص بعدها لقهرة الربيع العبري…

عبد الكريم قطاطة

عودة لسنة 2004… في اواسط تلك السنة بدأت رحلة تعاقدي مع جامعة صفاقس كخبير مدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا… صاحب المقترح هو مدير معهد الملتيميديا انذاك الزميل والصديق “عبدالحميد بن حمادو” الذي أعرفه منذ درسنا معا في تعليمنا الثانوي بمعهد الحيّ… سي عبدالمجيد فكّر في انشاء مادّة للعلوم السمعية البصرية ببرامج بعض شعب المعهد…تحادث في الموضوع مع زميلي الكاميرامان انذك مفيد الزواغي فأشار عليه بالاتصال بي وكان ذلك… وانطلقت مسيرتي كمدرّس لهذه المادة لمدة عشر سنوات بعد ان طلبت ترخيصا في الامر من رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة وتحصلت عليه، شرط ان لا يؤثّر ذلك على واجباتي المهنية… ومنين يا حسرة ؟

في وحدة الانتاج التلفزي كنا نعيش البطالة الدائمة ونتقاضى على ذلك رواتبنا ومنح الانتاج ايضا… وكان كلّما عُيّن مسؤول جهوي أو وطني جديد، قام بزيارة اذاعة صفاقس للتعرّف على احوالها وطبيعيّ جدا ان يزوروا وحدة الانتاج التلفزي… وكنت مطالبا كرئيس مصلحة الانتاج ان استقبلهم وان اقدّم لهم بسطة عن الوحدة وعن انتاجها… وكنت دائما اردّد نفس الاسطوانة التي كم اقلقت المديرين الذين تعاقبوا على رأس اذاعة صفاقس… كنت اقول لضيوفنا الاعزاء (اعني المسهولين): وحدة الانتاج التلفزي فيها كلّ شيء الا الانتاج، وبقية التفاصيل تأتيكم من مديري!…

مقابل ذلك كانت علاقاتي مع منظوريّ في مصلحة الانتاج التلفزي على غاية من الودّ والاحترام … بل ذهب بي الامر الى إعلامهم انه بامكان ايّ منهم ان يتغيّب لكن عليه يكتب لي مطلبا مُسبقا لرخصة غياب دون ذكر التاريخ، احتفظ به عندي حتى يكون وثيقة استظهر بها اداريّا كلّما اقتضى الامر وذلك لحمايتهم وحماية نفسي… وفلسفتي في ذلك تتمثّل في الآتي: مالفائدة في حضور موظفين لا شغل لهم ؟ خاصة انّ بعضهم يقطن عشرات الكيلومترات بعيدا عن صفاقس المدينة… ثمّ اليس واردا للموظّف الذي لا شغل له أن يصبح شغله الشاغل احداث المشاكل مع زملائه ؟ اذن مخزن مغلوق ولا كرية مشومة… لكن في المقابل واذا اقتضت مصلحة الوحدة ان يعملوا 16 و 18 ساعة ما يقولوش (احّيت)…

تلك العلاقة التي وضعت اسسها بيننا كرئيس ومرؤوسين رأيت عمقها يوم مغادرة الوحدة للتقاعد… يومها أحاط بي زملائي ورفضوا رفضا قاطعا ان اكون انا من يحمل بنفسه وثائقه وكلّ ماهو ملكه الخاص الى منزله… وحملوها عني جميعا وبكلّ سعادة مخضّبة بدموع العشرة… والله يشهد اني وطيلة حياتي كمسؤول سواء اذاعيا او تلفزيا لم اقم يوما باستجواب كتابي لايّ كان… ولم اخصم لايّ كان من اعدادهم في منحة الانتاج وفي الاعداد المهنيّة…

اذن وعودة الى علاقتي بجامعة صفاقس كمدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا ثم بعده بسنتين بمدرسة الفنون والحرف، حاولت ان اعطي دون كلل لطلبتي… كنت قاسيا معهم نعم… ولكن كان ذلك بحبّ لا يوصف… وبادلوني نفس الحب ان لم تكن دوزته اكبر … كنت الاستاذ والاب والاخ والصديق و كنت ايضا صدرا اتّسع حتى لاسرارهم الخاصة… رغم اني كنت ايضا بوليسا في امور الانضباط وتقديس العلم… وطلبتي الذين هم في جلّهم اصبحوا اصدقاء بفضل الفيسبوك شاهدون عليّ… ولعلّ من الاوسمة التي افتخر بها ما حصل في نهاية السنة الجامعية سنة 2012…

إذ ككلّ نهاية سنة جامعية يقع توزيع شهائد وجوائز للطلبة المتفوقين في جميع السنوات… وفي اخر القائمة سمعت من منشط الحفل يذقول: (الان الجائزة الاخيرة في هذا الحفل وادعو الاستاذ عبدالكريم قطاطة لتسلّمها)… فوجئت حقا بالاعلان… وكانت لوحة رُسمت عليها زيتونة وكُتب فيها (شهادة تكريم للاستاذ عبدالكريم قطاطة نظرا إلى عطائه الغزير لطلبة المعهد)… واعذروني على اعادة جملة تُريحني كلما ذكرتها وهي… “وبعد يجي واحد مقربع ويقلك شكونو هو عبدالكريم اش يحسايب روحو ؟؟” … بل تصوروا انّ زميلة من اذاعة صفاقس بعد حادثة ذلك الفيديو المنحوس حول من هم اعلام العار في نظري سنة 2012 (رغم انّي صححت فيما بعد ماجاء فيه ووضحت انّي لم اعمم وختمت بالاعتذار .. لكن وقت البعض يبدا يستناك في الدورة مهما وضحت وكتبت واعتذرت يكون موقفه”قاتلك قاتلك”)… تلك الزميلة ذهبت الى ادارة مدرسة الفنون الجميلة وطلبت منها فسخ عقدي معهم لاني لا اشرّفهم… وضحكوا منها وقالوا لها فيما قالوا: هاكة موش فقط استاذ الطلبة، سي عبدالكريم استاذنا وشرف لنا ان نكون تلاميذه… ورجعت المسكينة الى منزلها خائبة مذهولة مهمومة وغبينتها غبينة، المغبونة… وانا مسامحها…

قضيت 10 سنوات بمعهديْ الملتيميديا ومدرسة الفنون الجميلة وحتما ساعود الى اشياء عديدة حدثت فيها خاصة بعد قهرة جانفي 2011…

الحدث الاخير سنة 2004 كان دون جدال كُرويّا… تتذكّرو نوفمبر 2004 ..؟؟ وبالتحديد يوم 20 منه ؟؟ تتذكّروا هاكي التشكليطة السافيّة ؟ تتذكّرو زوبا وهو يمشكي في ملاعبية المكشّخة واحد بعد واحد ؟ تتذكّروا كيفاش علّق تيزييه في سقف الملعب ؟؟ انّه نهائي الكأس الشهير… وانه يوم سقوط امبراطورية فرعون الكرة ولد شيبيوب… وانا نعرف انو بعض المكشخّين ماشين عاد يسرسطو ماجاء من سور في كتابهم .. عن بطولاتهم .. عن القابهم وتونس بكلّها تعرف عن محصولهم في الشمبيونزليغ وطبعا ماشين يذكروني بهدف بوتريكة ويختمو بـ (ما تكلموناش احنا ماشين لكاس العالم في امريكا).. لاصدقائي المكشّخين الباهين فيهم وهم قلّة لانّ اغلبهم لا يورّيك ولا يفاجيك .. فقط لاصدقائي نحب نسألكم سؤال وحيد ..توة هدف زبير السافي في هاكي الفينال موش سميّح موش شيء يعمل 5555 كيف؟

موش تقول الواحد صيفا يبدا في يدو مشموم ياسمين وطاولة معبّية بالبطيخ والدلاع والهندي وما ننساوش الفقوس .. وهي تصير كورة من غير فقوس ؟…ويعاود يتفرّج عليه ويعشق العزف متاع زوبا ورقصتو كيف انتوني كوين في زوربا اليوناني ؟ وفي الشتاء يبدا قاعد تحت كوسالة وكاس تاي منعنع ويعاود يتفرّج على زوبا وهو يعزف اشي الحبّ كلّو واشي انت عمري .. واشي انساك ده كلام ويختمها ب ميا موري … نعرف اصدقائي المكشخين الباهيين يعرفوني بليد وماسط وخايب وقت نحكي على مكشختهم ..اما يدبّرو روسهم قلتلهم حبّوني؟… واذا حبوك ارتاح والله… دعوني الان اسرّ لكم بما لا يعرفه اغلب محبّي الفريقين حول ذلك النهائي… واصدقائي ومهما كانت الوان فرقهم يعرفون جيّدا انّي صادق في ما اقول والله شاهد على صدقي…

قبل خوض النهائي كان لنا لاعب معاقب (وسام العابدي)… ولد شيبوب كلّم هاتفيا انذاك احد مسؤولي النادي وقللو نقترح عليك اقتراح لفائدة الزوز جمعيات… قللو نسمع فيك هات… قللو تهبّط وسام يلعب الطرح وانا نقول للملاعبية يسيّبوا الطرح… تربح انت وتعمل شيخة انت وجمهورك وانا نعمل احتراز عليكم وناخذ الكاس… طبعا المسؤول رفض وبشدّة… ولد شيبوب قللو راك ماشي تهبط من غير قلب دفاعك وسام… تعرف اش معناها ؟ معناها ماشي انييييييييييي………… بزوز .. المسؤول ظهر حتى هو قبيّح وقللو .. انا منيش مهبّط وسام واحنا اللي ماشي انننننننننني ……… بزوز … وكلمة عليها ملك وكلمة عليها شيطان ..ولكم ان تعمّروا الفراغ وتربطوا بسهم … لكم حرية التعليق مهما كانت الوان فرقكم لكن مع ضوابط الاحترام …السبّ والشتم والكلام البذيء لا مكان لها في صفحتي! …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!

نشرت

في

محمد الأطرش:

كنتُ بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مقالي الأسبوعي في جلنار، حين بلغ مسامعي صراخ وألم ووجع عائلات من قضَوْا تحت أكوام حجارة سور معهد المزونة، رحمهم الله.

تمرّد القلم بين أصابعي، ورفض إتمام ما بدأه والانصياع لأوامري، وما أكتب، معلنًا الحداد على من ماتوا، ووُئدت أحلامهم تحت حجارة سور جريح ينزف دم سنوات الإهمال والتخلي.

سور أصابته لعنة “باركينسون” تشريعاتنا المهترئة، فارتعش وجعًا. سور لم يرأف بحاله أحد من القائمين على شؤون ترميمه، وترميم ما يحيط به. سور سال دم جراحه، وأسال دم من مرّوا بجانبه وأمّنوه على أرواحهم. سور توجّع وتألم طويلًا، وبكى… ولم يسمع بكاءه أحد، حتى أبكى أمهات بعض من اعتادوا المرور بجانبه… سور تآكل، وبانت عورته، فغضب وانهار على من كانوا يمرّون بجانبه، يتكئون عليه، ويستظلون به من غضب الشمس وثورة الأحوال الجوية، وهم في طريقهم لطلب العلم.

الغريب ما قرأته بعد الفاجعة، وما سمعته من صراخ من خرجوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. أغلب من خرجوا علينا يولولون، يطالبون بمحاسبة من تسبب في الفاجعة، ويطالبون بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه أو غفل عنه.

هكذا نقفز على كل وجع ومأساة، لنواصل الدعوة إلى الانتقام من كل ما سبق، ومن كل من سبقونا في تحمّل مسؤولية خدمة هذا الشعب… هل يجب أن ننتقم ونثأر بعد كل فاجعة أو فشل ممن سبقونا في تسيير شؤون مؤسسات البلاد؟ هل يجب أن نشيْطن كل من سبقونا في خدمة الوطن بعد كل وجع يشعر به جسد هذه الأمة؟ ألا يجدر بنا أن نعتبر مما حدث، ونبدأ بإصلاح حالنا وأحوالنا؟

أتساءل: ألا يتساءل أحدكم لماذا كل هذا العزوف عن تحمّل المسؤولية؟ أليس للفصل السادس والتسعين من المجلة الجزائية دور كبير في هذا العزوف، الذي أفرغ مؤسساتنا من كفاءات كنّا نفاخر بها، ونطمئن بوجودها على حالنا وحال مؤسساتنا وحال البلاد؟ ثم، أليس للفصل الرابع والعشرين من المرسوم عدد 54 نصيب مما نحن فيه، ومما عشناه ونعيشه؟ فمن كان يرى في السور عيبًا وخطرًا، لن يكتب عن الأمر، ولن يُنبّه لخطورته، خوفًا من أن يُتهم بنشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة…

ألم نغرق اليوم في وحل الفصل السادس والتسعين، ورعب المرسوم الرابع والخمسين؟ لماذا تنشر تشريعاتنا وبعض قوانيننا الخوف والرعب في نفوس كفاءاتنا، ومن يملكون القدرة على تحسين أوضاعنا؟ أيمكن للأمم أن ترتقي وهي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب من قوانينها؟ كيف نطلب من بعضنا خدمة الوطن وهم يعيشون رعب القانون، ورعب الحقد، ودعوات الإقصاء والثأر والانتقام من كل قديم، وكل مخالف في الرأي، وكل من لا يعلن لنا البيعة، ولا يقف صارخًا “مزغردًا”، مصفقًا لأخطائنا، ملمّعًا لفشلنا، داعيًا لنا بطول العمر وجزيل الثواب؟

يا من تستمتعون بوجع خصومكم، ومن لا تتفقون معهم، ومن تركوا أثرًا طيبًا وانتصروا عليكم بما حققوه وأنجزوه…الوطن أمانة بين أيادينا جميعًا، فجنّبوه الفتنة، وجنّبوه الأحقاد، وحافظوا على سور الوطن…ولا تخربوا سقفه، فإن انهار سقف الوطن، فنحن، نحن الشعب، من سيدفع الثمن… نعم… نحن الشعب من سيدفع الثمن.

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 114

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

عبد الكريم قطاطة

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…

بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…

هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…

السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…

انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…

ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…

تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…

وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…

في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…

دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…

الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…

رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار