لمْسُ نار
خليني نحلم
نشرت
قبل 4 سنواتفي
من قبل
عبير عميش Abir Amichحلمت ليلة العيد _ خير اللهم اجعله خير _ أن رئيس الحكومة التونسية و رئيس الجمهورية قد وقفا يخطبان في الشعب جنبا إلى جنب.. و قد صرّحا بعد تبادل العناق و القبل مهنئين بعضهما و الشعبَ التونسي بعيد الفطر المبارك، أن لا مجال للخلاف و الشقاق بعد اليوم و أن تونس أمانة في رقبة كل من تولى السلطة، و أعلنا عن مجموعة من المبادرات و الإصلاحات التي يلتزمان بتنفيذها. و من أهم ما صرّحا به أن تونس قررت عدم اللجوء إلى الإقتراض من صندوق النقد الدولي و أنها ستعتمد على مواردها الذاتية و على إرادة أبنائها من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة و أنّها سـ …
و لكن صوت الوالدة توقظني حرمني من مواصلة الحلم اللذيذ لأنهمك في ما بعد في ما هو ألذّ،. و هل ألذّ من الشرمولة و الحوت المالح في صباحات أعياد صفاقس… غير أنّ هذا الحلم اللذيذ رافقني طيلة اليوم و رافقتني معه الأسئلة الدافعة إلى البحث و التفكير ، و من غير ” العم غوغل” ينجدني في مثل هذه الظروف ! ـ و بالمناسبة أشكر الكفّار الذين صنعوه و وضعوه بين أيدينا و أتاحوا لنا البحث بأيسر السبل ـ بحثت عن بلدان عاشت تجارب مماثلة و قمت ببعض المقارنات البسيطة فوجدت أنّ التاريخ قد حدثنا عن حكام استطاعوا التخلص من هيمنة صندوق النقد الدولي و شروطه المجحفة و حكومات نهضت بشعوبها و بلدانها و مكنتهم من العيش الكريم بالاعتماد على ذاتها و طورت قدراتها للتخلص من التبعية النقدية و المالية و الوصاية التامة لهذه المؤسسات “المانحة”.
ولن أطيل في تعداد الأمثلة بل سأقتصر على ذكر تجربتيْ البرازيل و ماليزيا فحسب… ماليزيا مهاتير محمد التي لم تقبل مساعدات الصندوق حينما مرت ماليزيا بأزمة النمور الآسيوية في أواخر التسعينات ، ومع أن الدول الاسيوية المتضررة من الازمة قد استجابت لتوصيات الصندوق، إلا أن مهاتير محمد رفض هذه التوصيات، وطبق سياسة مالية معاكسة لها، وقد استطاعت ماليزيا تخطي أزمتها المالية ونجحت في تعزيز عملتها (الرينجت)، بل إنها خرجت بأقل الخسائر مقارنة بدول أخرى مثل الفيلبين وكوريا الجنوبية واندونيسيا..
و يبرر مهاتير محمد رفضه للّجوء إلى الصناديق الدولية بقوله : “عندما نقترض المال منهم، فإن الشرط الذي غالبًا ما يفرضونه، هو أن يكون لهم يد في إدارة اقتصاد البلاد، ومواردها المالية.” لقد نجح مهاتير في إدارة أزمة الاقتصاد الماليزي بعيداً عن صندوق النقد، كما نجح في تحويل ماليزيا إلى عملاق اقتصادي بعد أن كانت دولة ذات اقتصاد بسيط يعتمد على الزراعة وحقول المطاط، و كل ذلك بفضل مراهنته على طاقات البلاد و الرأسمال الوطني و الاستثمار في المشاريع الكبرى و توفير مناخ اقتصادي يفتح أبواب المنافسة و يحث على الاستثمار و إعطاء الأولوية للتعليم و الصحة و بناء رؤية استشرافية لماليزيا على امتداد 30 سنة و هو ما جعل الاقتصاد الماليزي اليوم رابع أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا ورقم 38 في العالم.
أما التجربة البرازيلية فلا تختلف كثيرا ففي الثمانينات مرت البرازيل بأزمة اقتصادية طاحنة… فذهبت للإقتراض من صندوق النقد الدولي معتقدة أنه الحل لأزمتها الاقتصادية.. ورغم استجابة حكومة البرازيل لكل الشروط فقد تفاقمت الأزمة أكثر وأكثر وأصبح 1% فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي.. و أصبح ملايين المواطنين يعيشون تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع بقادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى معتقدين أنه الطريق للخروج من الأزمة… فتدهورت الأمور حتى هدد الصندوق بإعلان إفلاس البلاد إذا لم تسدد فوائد القروض، و رفض إقراضها أي مبلغ في نهاية 2002… وانهارت العملة…
حتى جاء عام 2003… وانتخب البرازيليون رئيسهم لولا دا سيلفا الذي قال كلمته الشهيرة “التقشف ليس أن أُفَقِّرَ الجميع بل هو أن تستغني الدولة عن كثير من الرفاهيات من أجل دعم الفقراء.. مؤكدا أنّ صندوق النقد لم ينجح إلا في تدمير البلدان .. اعتمد داسيلفا على أهل بلده فرفع الضرائب على رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب… و منحهم في المقابل تسهيلات كبيرة في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم ومنح الأراضي مجانا و سهّل التراخيص و أعطت الدولة قروض بفوائد صغيرة لمساعدتهم في فتح أسواق جديدة و بذلك لم يشعروا أنها جباية… بل يدفعون ضرائب مقابل تسهيلات عادت عليهم بمرابيح بأضعاف قيمة الضرائب..
و بعد ثلاث سنوات فقط عاد مليونا مهاجر برازيلي وجاء معهم أكثر من مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل… و في ظرف أربع سنوات سدد كل مديونية صندوق النقد… بل إن الصندوق _الذي كان يريد أن يشهر إفلاس البرازيل في 2002 ورفض إقراضها لتسدد فوائد القروض _ اقترض منها 14 مليار دولار أثناء الأزمة العالمية في 2008. و بفضل تركيز دا سيلفا و حكومته على أربعة مجالات هي الصناعة، التعدين والزراعة وطبعا التعليم صارت البرازيل سادس أغنى دولة في العالم في آخر عام لحكمه…
نعود الآن إلى تونس.. أليس من حقنا أن نحلم ببلد قادر على التخلص من التبعية إلى الصناديق الدولية و من التسول و الاستجداء إلى درجة اننا بلغنا مرحلة الإقتراض لخلاص الديون السابقة و قد بلغت مديونية تونس 100 ألف مليار ! ؟ لن أتساءل اليوم أين ذهبت كل تلك الأموال و فيم أنفقت و الحال أن المواطن زاد فقرا و قدرته الشرائية ازدادت ضعفا و لكن سأقول ألا يكفي تداينا؟ أ ليس لدينا من الإمكانيات ما يسمح بالتخلّي عن سياسة الاستجداء و التسوّل و تقليص حجم الديون لو قمنا بمراجعة نظامنا الاقتصادي و فَعّلنا الحكومة الرشيدة؟
إن لتونس إمكانيات و طاقات كبيرة تجعلها قادرة على التخلص من براثن الديون، طاقات بشرية و موارد طبيعية و خاصيات و مميزات حضاريّة و جغرافية تنتظر فقط من يحسن استغلالها و ذلك ممكن إذا ما تقلّص الصراع السياسي و حرص الفرقاء على إقامة حوار جدّي أو حتى اتفقوا على هدنة سياسية من أجل إنقاذ الاقتصاد.. و إذا ما عملت الحكومة على إنفاذ القوانين بصرامة حقيقية فمنعت التهريب و فعلت القوانين التي تدمج “الكناترية ” في الاقتصاد الرسمي،و حاربت التهرب الضريبي و استخلصت القروض التي حصل عليها الكثيرون دون وجه حق …
و أيضا إذا منعت الحكومة الاعتصامات العشوائية و أمّنت الإنتاج في الفوسفات و البترول و عقدت اتفاقا مع اتحاد الشغل من أجل إيقاف الإضرابات و التوقف عن المطالب القطاعية و قامت بإصلاح المؤسسات العمومية و ألغت الامتيازات الوظيفية التي تثقل كاهل الدولة و خلقت مناخا سليما للاستثمار بالقضاء على الكارتيلات الاحتكارية و إدخال المنافسة بإلغاء الرخص و تعويضها بكراس شروط و أنهت هيمنة بعض المؤسسات على عديد القطاعات و تخلّصت من البيروقراطية و يسرت طرق إنشاء المؤسسات و تنفيذ المشاريع للباعثين الشبان و ركزت على الاعتناء بمجالات الفلاحة و التعليم و الصحة…
هذه بعض مقترحات تجعل من النهوض من التخلف و تطوير الاقتصاد أمرا غير مستحيل . إنها إرادة وإدارة قادرة في سنوات معدودة على تغيير وجه البلاد و وضع المواطنين إذا ما اتفق الجميع على التضحية و العمل بجدّ و تحسين الإنتاج و الإنتاجية و نبذ التواكل و الجلوس على الربوة و الإكتفاء باللوم و الانتقاد… سنوات معدودة قادرة على تحويل مطالب جانفي 2011 إلى حقيقة ” شغل، حرية، كرامة وطنية…
لا شغل و كرامة و لا حرية مع سياسة التداين و الرضوخ للاملاءات الخارجية… فهلاّ وضعنا هذه النماذج و الإمكانيات أمامنا و حلمنا سويّا!! و هل مازال في العمر و الوطن متّسع للحلم !!؟؟
تصفح أيضا
تمّ منذ يومين تسريب وثيقة سرّية تتضمّن أسماء 25 شخصيّة بين سياسيين و أمنيين و مسؤولين سابقين و حاليين و إعلاميين و فنّانين و شخصيّات عامّة بتهم التآمر على أمن الدّولة و تكوين و فاق إجرامي و ربط اتصالات مع أجانب للإضرار بالبلاد و التّدليس و مسك مدلّس …
هذه تهم ـ إن صحّت ـ كفيلة بأن ترسل مقترفيها وراء الشّمس. لكنّ التهمة التي شدّت انتباهي أكثر من غيرها هي “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدّولة” (و هي تهمة قديمة لم يستحدثها نظام 25 جويلية لكنّه كثيرا ما لجأ إليها في الفترة الأخيرة لمحاكمة خصومه رغم ادّعائه القطع مع الماضي و ابتكار مقاربات جديدة) و لكنّي كلّما قرأت هذه التهمة أخذت أتساءل عن شكل الأمر الموحش ضدّ رئيس الدّولة ؟ و ما الفرق بين رئيس الدّولة و باقي المواطنين فما هو إلا موظّف يسيّر دواليب الدّولة لخدمتهم ؟ و أخذت أتساءل أكثر عن معنى الأمر الموحش ؟
أ ليس تكبيل الأجيال القادمة بالديون و الاتفاق مع صندوق النّقد الدّولي على ترفيع الأسعار و رفع الدّعم دون تعديل في الأجور أمرا موحشا ضدّ فئات كبيرة من الشّعب التّونسي و استهدافا لقدراتهم الشّرائيّة ؟
أ ليس قتل الأمل في نفوس أجيال من الشّباب و دفعهم إلى الهجرة بكلّ الوسائل المشروعة و غير المشروعة أمرا موحشا ضدّ الشّعب و ضدّ مستقبل البلد ؟
أ ليس غياب المواد الأساسية و الاضطرار إلى ملاحقتها و اللهث وراءها أمرا موحشا في حق الشعب و ضد؟ كرامته و إنسانية؟
أ ليس وضع مستشفياتنا العموميّة و تدهور الخدمات الصّحّية أمرا موحشا في حق المرضى و استهزاء بحقهم في الصحة و الحياة ؟
أ ليس فقدان الأدوية الحياتية و طول فترات انتظار المرضى للحصول على أدويتهم الحياتية أمرا موحشا في حق الشعب و استنزافا لجهده و صحته ؟
أ ليست صفقات اللوالب الفاسدة و البنج المنتهي الصلوحية و أطفال الكرذونة و غياب لقاحات الكوفيد في ذروة الأزمة أمرا موحشا في حق هذا الشعب و تدميرا لكل جميل في الوطن ؟
أ ليست حالة طرقاتنا الكارثية و اهتراء وسائل نقلنا العمومي و اضطراب توقيت سفرات الحافلات و المتروات و القطارات و حتى البواخر و الطائرات أمرا موحشا في حق الشعب و حق ضيوف البلد؟
أ ليس تأخر ترتيب جامعاتنا و ضعف تصنيف بلادنا و تدهور منظومتنا التربوية أمرا موحشا في حق الشعب و مستقبل أبناء الشعب ؟
أ ليس قطع المياه لأيام طويلة في عزّ الصيف عن جهات بعينها أمرا موحشا في حق الشعب ؟
أ ليس انتشار القمامة و غياب الحلول الجذرية للنفايات في صفاقس و برج شاكير و غيرها أمرا موحشا في حق الشعب و تهديدا لصحّته و سلامته و سلامة بيئته ؟
أ ليس أمرا موحشا أن لا يعرف أهالي الحرّاقة مصير أبنائهم و لا مكان دفن جثثهم و أن تقابل احتجاجاتهم بالغازات المسيلة للدّموع و بالرّدع الأمني العنيف ؟
أ ليس التلاعب بقائمة لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم و التكمبين و تغليب مصلحة بعض السماسرة و الجمعيات و الجهات و فساد الجامعة و ضعف المدرّب أمرا موحشا في حق هذا الشعب و حرمانا له من لحظة فرحة و اعتزاز طال انتظارها ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن يقوده إعلاميون مأجورون و كرونيكورات تافهون و أن تؤثث لياليه و صباحاته ببلاتوهات الدّجل و الشعوذة و البحث عن الإثارة و البوز؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ هذا الشعب ترشّح البعض لعضوية مجلس النواب الجديد ؟ أ ليس أمرا موجعا الاستماع إلى بعضهم و التفكير في ما “يبشّرون” به من تشليك للبرلمان القادم ؟
أ ليست بعض الخطابات و ما فيها من تحقير لفئات من الشعب أو من اتهامات و تخوين و توعّد و تهديد فعلا موحشا ضدّ هذا الشعب و أمرا موتّرا للأوضاع و مسمّما لأجواء الوطن ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب، جزء كبير من الشعب أن تتلاعب البنوك بموارده فيثري أصحابها على حسابه ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن تتحكم المافيات و بعض العائلات النافذة بقوته و بمصيره و أن تفرض عليه قوانينها و تستغله لمزيد الإثراء و نفخ حساباتها
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن يرى أبناء المسؤولين يصولون و يجولون فيحطمون سيارات الدّولة أو يتنقلون بين بلدان العالم و يستمتعون بأموال الشعب دون حسيب أو رقيب ؟
أ ليس أمرا موحشا أن يرى الشّعب أنّ من ساهموا في تدميره أحرارا طلقاء يطلعون عليه عبر بلاتوهات الإعلام مواصلين السخرية منه ؟ أو يجولون بين عواصم العالم و يتمتّعون بخيراته فيما يبقى هو هنا يعاني الويلات ؟
أ ليس تعيين مسؤولين من أصحاب الولاء و ولاة ضعفاء و وزراء غير أكفاء أمرا موحشا ضدّ الشعب و استسهالا للحكم و تقزيما للنّخب ؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ الشّعب أن تُسلَب منه أحلامه وطموحاته و أن يفقد في 12 سنة ثقته في ما حصل و أمله في التغيير الإيجابيّ ؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ الشّعب أن يجد أغلب الشعب نفسه وحيدا في مواجهة منظومة تفرمه فرما و نظام يسحقه سحقا ؟
و كم من أمر موحش تمّ و يتمّ ضدّ هذا الشعب فإلى من يشتكي و إلى من يلجأ؟
فلا محكمة دستورية لتنصفه و لا محكمة إدارية قادرة على إنفاذ قراراتها و لا مجتمع مدنيّ قادر على تمثيله و لا صاحب عصمة آبِه له و لهمومه ؟
يقول الخبر : “رئيس الجمهورية يصادق على قرض جديد من البنك الأوروبي بقيمة 150 مليون يورو لدعم الصمود الغذائي”
قرض الصمود الغذائي .. يا لها من شقشقة لغوية و عبارة تتواءم مع الشعارات الرنانة و الكلمات الفخمة و الفذلكات اللغوية التي مافتئت تتواتر في خطابات الرئيس و بياناته و التي تذكرنا خاصّة بفترة الستينات وبشعارات القومية و الوحدة العربية و الأفكار الطوباوية و الخطابات النّاريّة التي لم تصحبها قدرات فعلية و لم ترافقها استعدادات واقعية، فلم تعد على أصحابها و بلدانهم و سائر الأمة العربية إلا بالوبال و الهزائم و الخيبات والانتكاسات ..
ألم يؤكد الرئيس مرارا أنّ الأزمة داخلية و ذاتية و مردها الاحتكار و سوء التحكم في مسالك التوزيع و “وضع العصا في العجلة” و العمل على تعطيل الحكومة من أطراف يعلمها الجميع على حدّ تعبيره؟
ألم يؤكّد في عديد المناسبات أنّ خزائن الدولة تفيض بالأموال و لكن انعدام العدل و سوء توزيعها هو العائق؟
فلماذا الالتجاء إلى القرض الخارجي لتمويل استيراد الحبوب أساسا ؟ أليس هذا اعترافا ضمنيّا بخطأ تفسيرات الرئيس و اتهاماته؟ أليس اعترافا ضمنيّا بعدم توفّر السيولة الكافية من العملة الصعبة لتأمين حاجياتنا من الأسواق العالميّة؟
كم قرض (داخليّ و خارجيّ) أمضى الرئيس على مراسيم الحصول عليه منذ انفراده بالسلطة ؟
و هل يأتي يوم نحصل فيه على قرض الصمود الطاقي حتى لا تتعطل مصانعنا و مؤسساتنا وعرباتنا ومولّدات الطاقة لدينا؟
و هل يأتي يوم نحصل فيه على قرض الصمود الدوائي بعد أن صار عدد كبير من الأدوية الحياتية مفقودا من الصيدليات ،و عجز المواطنون عن توفير أدوية لأمراض خطيرة و أمراض مزمنة و علاجات للمسنين الذين خدموا الدولة طيلة عقود، و ساهموا في صناديق الحيطة الاجتماعية على أمل الحصول على تقاعد مريح، فوجدوا أنفسهم يتمنون الموت مائة مرة في اليوم و يعيشون تقاعدا كريها قاتلا يستنزف كل ما بقي لديهم من جهد و طاقة، في طوابير الانتظار أمام مراكز البريد و مقرات ” الكنام ” و مستشفيات الضمان الاجتماعي …
مسؤولون من الحكومة و من البنك المركزي سيتوجهون بعد حوالي أسبوع إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لمواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد أقترح على الرئيس أن يطلق عليه تسمية ” قرض الصمود الحكومي ” أو ” قرض الإنقاذ الإخشيدي ” فهو الأمل الذي مازالت تعيش به هذه الحكومة و الرئيس من ورائها ، قبل أن يثور الشعب من جديد و هو يرى كل يوم مواد رئيسية تختفي من الأسواق و يرى قدرته تنهار و أحلامه تتلاشى …
و لكن لا أحد فكّر في أن يُطلِع هذا الشعب – الذي يريد و يعرف ما يريد – على فحوى المفاوضات و بنود الاتفاق و خاصة مدى تأثيره – إن حصل – على حياتنا و معيشتنا و قدرتنا الشرائية مثلما لم يطلعنا أحد على بنود اتفاق قرض الصمود الغذائي و شروطه و نسبة الفوائد فيه و مدّة سداده ..
أين الشفافية و الوضوح ؟؟ لماذا تواصل هذه الحكومة (كالحكومات التي سبقتها) معاملتنا كرعايا لا كمواطنين ؟
و لماذا نتحدث عن قرض للصمود الغذائي بدل أن نتحدّث عن العمل لتحقيق الصمود الغذائي، و بدل أن نتحدّث عن زرع المساحات المهجورة لتحقيق الصمود الغذائي، و بدل أن نبادر إلى تغيير نوع الزراعات و إلى حسن الّتصرّف في الموارد المائية لتحقيق الصمود الغذائي
لماذا لا يبادر الرئيس إلى إصدار قوانين جديدة و هو يحكمنا بالمراسيم منذ أكثر من سنة تضمن النماء والتطوّر الاقتصاديين؟ لماذا لا يستعين بلجنة تضمّ خبراء من الشبان ذوي النّظرة المجدّدة و التفكير البديل ورجالا ممن خدموا الدّولة في سابق الفترات و حققوا إنجازات مازلنا نعتمد بعضها كمرجعيات إلى اليوم، بدل الترويج لحلول شعبويّة ليس لها من فائدة غير إثارة حقد السكّان على بعضهم البعض و لا يمكن أن تمثل حلولا حقيقية لوضعنا الاقتصادي فما نسبة العطور و مواد التجميل و أطعمة الحيوانات المستوردة التي يقترح التوقف عن استيرادها من مجموع وارداتنا ؟ إنها لا تبلغ نسبة 1% من إجمالي الواردات …
و إن كنّا لا ننكر أهميّة الحلّ الحمائي في كلّ المجالات للحفاظ على العملة الصعبة و مراعاة ظروف البلاد وحماية المؤسسات التونسية، فإنّ حلولا أخرى ممكنة هي أكثر جدوى و فاعليّة و لكنّها تحتاج شجاعة القرار والتنفيذ و كان بوسع الرئيس تطبيقها بما لديه من سلطات مطلقة تحت ظلّ حالة الاستثناء التي نعيشها، فبدل البحث عن الأموال المنهوبة في الخارج و هو ملف شائك يتطلب حله سنوات طويلة .. و بدل التركيز على الصلح الجزائي و هو ملف استهلكته الحكومات السابقة و لم يعد تلك الدّجاجة التي تبيض ذهبا، لماذا لا يبحث الرئيس عن تغيير نمط الاقتصاد و فتح الأبواب في كلّ المجالات أمام المستثمرين الجدد؟ لماذا تبقى مجالات بعينها حكرا على عائلات و شركات دون سواها و لا يمكن لأي مستثمر جديد أن يفكّر مجرّد تفكير في اقتحامها أو الاقتراب منها ؟ لماذا تبقى الرّخص حكرا على أسماء بعينها و كراسات الشروط لا تتواءم بنودها إلا مع أسماء بعينها؟
إنّ أي تطوّر أو إصلاح للاقتصاد التوّنسي لا يمكن أن يتمّ دون محاربة هذه “الكارتيلات” التي تسيطر على مجالات بعينها ودون تغيير للقوانين التي وضعت على مقاسها لتجعلها دوما المتحكّم الوحيد في الأسواق
فهل يفعلها الرئيس و يغيّر قواعد اللعبة الاقتصادية بجرّة قلم أو بجرّة مرسوم مثلما فعل مع قوانين اللعبة السياسية و الانتخابية ؟؟
” – يا محمّد ، يا محمّد قال لك الشّيخ إيجا صحح لي على التّزكية و جيب أولاد عمّك معاك راني معمّل عليكم و تفاهمت مع رئيس البلديّة باش غدوة يخصص لنا عون على ذمّتنا.
– و الله سبقك الحاج عندو نهارين حكى معاي و مادام قصدني ما انّجمش نقلو لا ، ماك تعرف مزاياه مغرّقتنا عايلة كاملة
– كيفاش عاد !، باش تنكر في عرشك و ماشي مع الحاج ؟ دبّر راسك مع الشيخ تعرف قدّاش غشو صعيب ! … باهي يا صالح شوف لنا جماعتك خلي يجيوا يصححولنا ها الورقة باش نبداو الحملة متاعنا ، ماعادش عندنا وقت ..
– جماعتي !! تحكي بجدّك ؟؟ ماهو في بالك ، أولادنا أكثرهم حرقوا ياخي شكون بقى فيه الدّوار ؟ و كانك على النّساء نهار خدمة عندهم ، شكون اللي باش تسلّم في جورنيها و تجي معانا للبلديّة ؟ “
هذا الحوار الذي قد يبدو لنا اليوم خياليّا أو حتى سرياليّا ، إلاّ أنّه بعد أسبوعين أو ثلاثة سيصير أصل الأحاديث و منتهاها و سيصبح الحوار الطّاغي في جلساتنا و مقاهينا و نوادينا و محلاتنا و أسواقنا اليومية و الأسبوعية ، بعد نشر قانون الانتخابات و فتح باب الترشّح للمجلس النيابي الذي سيتقلّص عدد قاطنيه من 217 نائبا إلى 161 نائبا فقط و بذلك تنخفض نسبة التمثيل النيابي نظريا من نائب لكل ّ 60 ألف ساكن تقريبا إلى نائب لكلّ أكثر من 75 ألف ساكن بعد أن تمّ تخفيض عدد الدوائر الانتخابية و دمج بعض المعتمديات مع بعضها البعض دون مراعاة لخصوصيات كل منطقة و نسبة حضور الجانب القبلي و العشائري فيها و حتى عدد سكانها …أمّا واقعيا فالأمر غير ذلك تماما فبعمليّة مقارنة بسيطة نجد نائبا عن دائرة تونس المدينة و باب سويقة التي تعدّ 45 ألف ساكن في حينّ أنّ منطقة الحرايرية التي تعدّ 119 ألف ساكن ستكون ممثلة بمقعد واحد أيضا و نفس الشيء بالنسبة لدائرة بوعرادة و ڨعفورو الكريب و بورويس و العروسة من ولاية سليانة التي تعدّ 80 ألف ساكن أو كذلك قرطاج و المرسى بـ 125 ألف ساكن ..
و لا يقتصر الأمر على التفاوت غير المنطقي في نسبة التمثيلية بين الدّوائر إذ يطرح هذا القانون الانتخابي الجديد الذي أتى به سعيّد مسقطا كالعادة دون أي تشاور مع الأحزاب أو المنظمات و دون اعتبار لمواقف مسانديه قبل معارضيه ، إشكاليّات عديدة و من أبرزها موضوع التزكيات و ما فيه من تكريس للبيروقراطية المقيتة ففي الوقت الذي يطالب فيه المواطنون بتفعيل المنظومات الالكترونية و الاستغناء عن الأوراق و الصفوف الطويلة في الإدارات يأتي هذا القانون ليعطّل شؤون المواطنين العاديين في انتظار انتهاء أصحاب التزكيات من وضع إمضاءاتهم …و لنتصوّر مثلا منطقة سيترشح عنها 5 أو 6 متنافسين فقط ألا يعني ذلك الحاجة إلى 2000 أو 2400 تعريف بالإمضاء في كلّ دائرة ؟ هذا في أفضل الأحوال … ثمّ أ لا يعني ذلك تعطّل أعمال الممضين أيضا بسبب طوابير الانتظار ؟ أ لا يكون ذلك مطيّة لشراء التزكيات بتعويض صاحب التزكية عن غيابه عن عمله ؟ و من أدرانا أيضا أنّ البعض و لتعطيل ترشّح بعض المتنافسين لا يمضي في تزكيتين لشخصين مختلفين ليتسبب بذلك في إسقاط ترشّح المنافس …
إنّ نظاما انتخابيّا كهذا لن يستطيع الفوز فيه إلا أصحاب الأموال الطائلة أو وجهاء العروش الكبيرة (خاصّة بعد التنصيص على الاعتماد كلّيا على التّمويل الذّاتي و التمويل الخاص و حذف التمويل العمومي) أو المنتمون إلى أحزاب قويّة و منظمة و مهيكلة و ممتدّة في العمق التونسي و في الوقت الحالي و بعد اهتراء الأحزاب و حتى تآكل بعضها من الدّاخل ، فإنّ أقدر حزبين على تجميع التزكيات أوّلا و على الفوز بمقاعد برلمانيّة ثانيا هما حزب حركة النهضة و الحزب الدّستوري الحرّ (إن تراجعا في موقفهما من مقاطعة الانتخابات) نظرا إلى عدم توقفهما عن النّشاط و مواصلتهما العمل الميداني و الاحتكاك بالنّاس.
و لعلّ من أخطر الإشكاليات التي يطرحها هذا القانون الجديد هو تنمية روح العروشية و الولاء القبلي و العائلي و تغذية النّعرات الجهوية التي ما فتئ المجتمع التونسي يحاول التّخلّص منها منذ عقود، وكذلك منع أصحاب الجنسيات المزدوجة من الترشح في دوائر الداخل و السّماح بذلك في دوائر الخارج …وهو إجراء ينسف مبدأ المساواة و يحرم مواطنين تونسيين من حقوقهم السياسية والمدنية، إضافة طبعا إلى ما فيه من إقصاء للنّساء و الشباب من بلوغ المجلس النيابي و هو ما يتعارض مع فصول الدّستور و خاصّة الفصل 51 من الدستور الجديد الذي يؤكد على التناصف …فليس للمرأة في قانون 15 سبتمبر من قيمة إلا في مرحلة التّزكيات في حين تمّ إلغاء كلّ الضمانات القانونيّة التي تحقق لها تمثيلية محترمة داخل مجلس النّواب و تمّ تجريدها من كلّ الآليات التي تشجعها على المشاركة في الانتخابات و في الحياة السياسية عموما…
و في صورة غياب الأحزاب فإنّ الانتخاب على الأفراد سيعطينا مجلسا منقسما غير متجانس لا هويّة له و يصعب فيه التنظم في كتل برلمانية واضحة و سيفقد دوره و وظيفته التشريعية الوطنيّة، إذ سيحرص كلّ مترشّح على تقديم برامج محلية جهوية دون رؤية شاملة …فكل نائب سيحاول إرضاء ناخبيه من سكان ناحيته حتى لا تسحب منه الوكالة… هذا الإجراء الذي يمكن أن يجعلنا في حالة انتخاب دائم و سيكون سيفا مسلطا على رقاب النواب ويقصر محاسبتهم على ناخبيهم فقط (في حدود دائرتهم الانتخابية) دون أن يكون لباقي الشّعب حق محاسبتهم… سيكون مجلسا صوريّا ، مجلسا ضعيفا متشظّيا دون رؤية استشرافيّة، مجلسا خاضعا للسلطة التنفيذية لا دور له إلا المصادقة على مشاريع الرّئيس و مراسيمه دون قدرة على الحشد و التجميع من أجل التّصويت على مشاريع مغايرة أو قوانين مختلفة… و سيكرّس المجلس بهذه الصورة – قبل أن ينضاف إليه مجلس الجهات و الأقاليم الذي سيزيد من تقزيم دوره – فكرة الزعامة المطلقة لرئيس الجمهورية الذي يبقى دوما خارج مجال المساءلة و المحاسبة.
صن نار
- ثقافياقبل 6 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 6 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 17 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟