جور نار
خمسة انحرافات كُبرى دكّت أركان مدرستنا التونسية (الجزء الثاني)
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri
تحدّثنا في بداية الأسبوع الماضي عن تخلي منظومة التربية في بلادنا عن المسارات التدريبية والمهنية وبعث شبكة المؤسسات النموذجية كانحرافين تاريخيين ساهما حسب رأيي في تراجع أداء مدرستنا والقضاء (خاصة بالنسبة إلى القرار الأول) على أجيال بكاملها زُجَّ بها في مسارات تعليمية طويلة لم تكن مؤهّلة لمواصلة دراستها فيها.

وتهتمّ ورقة هذا الأسبوع بثلاثة قرارات أخرى لا تقلّ فداحة هي : تحرير عملية التوجيه المدرسي وقرار بعث الباكالوريا إعلامية وإسقاط منظومة المواد الاختيارية.
ثالثا : تحرير التوجيه المدرسي في ظل غياب أية سياسة وطنية في المجال
المقصود بتحرير التوجيه المدرسي، هو تخلّي الدولة عن دورها التعديلي في ضمان التوازن بين المسالك والشعب المدرسية على ضوء سياستها التشغيلية الوطنية، الخاضعة بدورها إلى تقييم توجهات سوق الشغل الوطنية والعالمية وتحليلها، وبالنظر إلى رؤيتها في رسم الأولويّات وضبط الحاجيات من الكفاءات والإطارات في مختلف القطاعات.
كان التوجيه المدرسي إلى غاية بداية الألفية الجديدة محكوما بنسب وطنية صارمة لا يجب تجاوزها أو النزول دونها في إطار معادلة صعبة تتمثل في إعطاء الأولوية للرغبة التي يعبر عنها التلميذ وأولياؤه، شريطة أن لا يتسبّب ذلك في تضخّم شُعب واندثار أخرى… قبل أن يتمّ التخلي عن هذه النسب الوطنية وترك مسالك التوجيه “تشحن حمولتها” بشكل تلقائي دون رقيب أو حسيب حسب أهواء التلاميذ وعائلاتهم والأعداد التي يوزّعها الأساتذة في المواد المركزية، وهي عادة ما تكون مغشوشة لأنها صُنعت في أغلبها داخل مستودعات موازية مُعدّة للدروس الخصوصية.
تبدو النيّة سليمة والمقاربة متماهية مع مُنتجات المدارس “الإنسانية” المؤكّدة على ضرورة إعلاء رغبة التلميذ ومشروعه قبل إشهار أولويات المجتمع، وتلبية طموح التلميذ قبل تلبية حاجيات الاقتصاد وضرورة مراعاة واقع استنفاد طاقة استيعاب المتخرجين في قطاعات بعينها.
ولكن بعد مرور بضع سنوات حدث ما كان متوقّعا، فاختلّ التوازن تماما بين الشُعب وسقطت المنظومة في “الاختيار بالإكراه” والتوجيه حسب “الأمر الواقع” وإفراز مشهد هجين تنقسم فيه السبل المُمكنة إلى مسالك منطقية بالنسبة إلى من ثبت تميّزه في مجالات محدّدة، ومسالك أخرى هي عبارة عن “ملاذات” أمام تلاميذ بمهارات متوسطة وملامح فردية غائمة كل ما يسعى إليه أصحابها هو الاستمرار في الدراسة إلى غاية الباكالوريا، ومحاولة الحصول عليها باعتبارها عنوانا مازال مثمّنا اجتماعيا ويُتيح اجتياز مناظرات “الحاكم” بالنسبة إلى عدد كبير منهم.
ومن الأسباب التي ساهمت بشكل حاسم في تشكيل هذا المشهد غير السويّ في التعليم الثانوي، نذكر خاصة نسبة الــ 72 % من التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و 14 سنة الذين لا يتمتعون بالمستوى الأدني في مادة الحساب، والــ 34 % من نفس الشريحة العمريّة الذين لا يُحسنون القراءة والكتابة حسب تقرير اليونيسيف لسنة 2020… بما يعني أن هيمنة الرياضيات كمادّة مميزة مُعتمَدة كمقياس اساسي في كل الشعب تقريبا باستثناء شعبة الآداب (الرياضيات والعلوم التجريبية والعلوم التقنية وعلوم الإعلامية وبدرجة أقل شعبة الاقتصاد والتصرف)، شكّلت منذ الانطلاق عامل إقصاء مباشر لعدد كبير جدا من تلاميذنا غير المتصالحين مع هذا الحاجز المريع، لأسباب متعلقة خاصة بمنهجية تدريس هذه المادة- الغول وتقنيات التدريب عليها منذ الصغر.
وقد أعطت هذه السياسة “الليبيرالية” التي رفعت جميع القيود عن التوازن الحيوي بين المسالك الدراسية الانحرافات التالية :
– قلة قليلة من التلاميذ المتميّزين ممّن لا يُعيقهم شبح الرياضيات يختارون ولوج شعبة الرياضيات (حيث لا تتجاوز النسبة الوطنية 8% بينما كانت لا تقلّ عن 20 % في مطلع القرن مع تسجيل تدنّيها إلى مستويات الصفر في الكثير من المعاهد والجهات)، وتُفتح أمامهم كل الآفاق الجامعية دون استثناء بعد الباكالوريا.
– نسبة هامة من التلاميذ المتميزين (بأغلبية دالّة لفائدة الفتيات) يختارون شعبة العلوم التجريبية لأنه بالإضافة إلى مستواهم المقنع في الرياضيات، يتوفرون على عُدّة لا بأس بها في الفيزياء وعلوم الحياة والأرض وكذلك قدرة فائقة على تخزين المعارف وحفظها … بنيّة الالتحاق بعد الباكالوريا بالشعب الطبية وشبه الطبية، ولكن نسبة من تنتدبهم هذه العروض الجامعية في التعليم العالي لا تتجاوز 5 % منهم. أي أن 95% من الملتحقين بشعبة العلوم التجريبية يجدون أنفسهم أمام “اختيارات جامعية” لم يفكّروا بها اصلا في الثانية ثانوي.
– عدد آخر من التلاميذ المتميزين والمَهَرة في المجالات ذات العلاقة بالإعلامية وما جاورها يختار شعبة علوم الإعلامية ويُحرز الباكالوريا فيها، لكن يُفاجأ بأن جامعتنا التونسية لديها احترازات جدية تجاه هذه الفئة من الوافدين عليها من التعليم الثانوي.
– شريحة هامة جدا من التلاميذ يُقبلون على شعبة الاقتصاد والتصرف لكونها شعبة “تونسية جدا” تتميّز بالوسطية والاعتدال ولا تتطلب سوى مستوى متوسط في كل شيء… لذلك أصبح هذا المسلك يعاني من تورّم غير طبيعي حيث تصل نسبة الملتحقين به في بعض الجهات إلى 30 % و40%… تنتظرهم آفاق جامعية تعُجّ سنويا بالآلاف من المتخرجين.

– عدد آخر ممّن ضاقت بهم السّبل يمضي إلى شعبة الآداب في غير اقتناع حقيقي، نظرا إلى أن المستوى في اللغات والإنسانيات بصورة عامة تدنّى كثيرا خلال العقود الأخيرة، ولأن الآفاق المفتوحة أمام حاملي هذه الباكالوريا في جزء كبير منها هي في حقيقة الأمر ممرّات موصدة وحادّة.
رابعا : بعث شعبة الإعلامية، قرار تاريخي مبني للمجهول
الباكالوريا إعلامية بِدعة تونسية صرفة هي الأخرى لكونها تمثّل في كثير من بلدان العالم المتقدّم اختصاصا تقنيا ومهاريا خاصا يقع في دائرة “الفروع الخصوصية الممكنة” لباكالوريا أشمل هي الباكالوريا العلمية العامة. واقع الحال اليوم أن التلاميذ الذين يأنسون في أنفسهم قدرات استثنائية في كل ما يتصل بالعالم الرقمي والإعلامية وتطبيقاتها، يُخيّرون الالتحاق بشعبة الرياضيات لأنهم يُدركون جيدا أن “الاختصاصات الإعلامية والرقمية الصّلبة والواعدة” شبه موصَدة تماما أمام حاملي باكالوريا إعلامية في التعليم العالي.
مهندسو الإصلاح السّابقين لم يُدركوا أن الإعلاميّة إعلاميّتان : واحدة مُوجّهة للبرمجة وتطوير التطبيقات والخبرة في الأمن السيبرني وتصميم الويب والارتقاء بمقروئية البوابات الالكترونية وهندسة البرمجيات وتوظيف الإعلامية المحمولة… وأخرى موجّهة إلى تركيب الأجهزة الإعلامية وصيانتها وتحيين البرمجيات ومساعدة المستعملين في ضمان التوظيف الأقصى للأجهزة الإعلامية التي بحوزتهم والمكوّنات الفرعية المرتبطة بها.
ففي المنظومة التعليمية التونسية، لا فُزنا بتلاميذ في باكالوريا إعلامية يُمكّنون من حقهم الطبيعي في الالتحاق باختصاصات الصنف الأول (المراحل التحضيرية للدراسات الهندسية التقليدية منها والمندمجة والمعاهد العليا للإعلامية…) ولا وفّرنا نوعا من الباكالوريا التكنولوجية التي تُعفي تلاميذنا من العبء النظري الكبير للباكالوريا التقليدية القائمة اليوم وتجعلهم يمضون مباشرة وبأعداد كبيرة إلى الاختصاصات التكنولوجية المتوسّطة المطلوبة وطنيا وعالميا، مع فتح آفاق ومعابر حقيقية أمام المُتفوّقين من التقنيين المتخرّجين لمواصلة دراساتهم بمدارس الهندسة وشهائد الماجستير والدكتوراه.
خامسا : إسقاط منظومة المواد الاختيارية أنهى المرونة وأغلق المنافذ بإحكام
لعبت المواد الاختيارية تاريخيا في منظومتنا التربوية دور تهوئة البرامج التعليمية وإتاحة تنافذها بما يسمح لتلميذ الشعب العلمية بدراسة مواد إبداعية مثل الرسم والموسيقى واللغات الأجنبية الثالثة، وتلميذ الشعب الأدبية والإنسانية بدراسة بعض المواد العلمية. كما تسمح المواد الاختيارية بتنويع الاختيارات المفتوحة أمام حامل الباكالوريا وإضفاء مرونة أكبر على عملية التوجيه الجامعي.
لكن مع مرور السنوات، تآكلت تدريجيا هذه المنظومة وشهدنا :
– انحسارا ملحوظا جدا في ما يُفتح من آفاق “مختلفة” أمام بعض الباكالوريات، حيث لا يتوفر على سبيل المثال أمام حامل الباكالوريا آداب أكثر من 55 مقعدا فقط تخصصها منظومة التوجيه الجامعي لحاملي باكالوريا آداب في المسالك “غير الأدبية”.
– غياب أي تنسيق أو عمل مشترك بين التعليم العالي و التربية، في علاقة بربط منظومة المواد الاختيارية في التعليم الثانوي بعروض التكوين في التعليم العالي التي تتنوّع وتتعدّد كثيرا أمام محدودية لافتة لمسالك التعليم الثانوي وشعبه، بما يفرض تنويعا أكبر في ملامح المتخرجين من الثانوي حتى تتلاءم أو تنسجم ولو بصورة نسبية مع ما يُعرض من مئات الشعب والاختصاصات في الجامعة.
تصفح أيضا
جور نار
لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!
نشرت
قبل 5 ساعاتفي
15 أبريل 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
كنتُ بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مقالي الأسبوعي في جلنار، حين بلغ مسامعي صراخ وألم ووجع عائلات من قضَوْا تحت أكوام حجارة سور معهد المزونة، رحمهم الله.

تمرّد القلم بين أصابعي، ورفض إتمام ما بدأه والانصياع لأوامري، وما أكتب، معلنًا الحداد على من ماتوا، ووُئدت أحلامهم تحت حجارة سور جريح ينزف دم سنوات الإهمال والتخلي.
سور أصابته لعنة “باركينسون” تشريعاتنا المهترئة، فارتعش وجعًا. سور لم يرأف بحاله أحد من القائمين على شؤون ترميمه، وترميم ما يحيط به. سور سال دم جراحه، وأسال دم من مرّوا بجانبه وأمّنوه على أرواحهم. سور توجّع وتألم طويلًا، وبكى… ولم يسمع بكاءه أحد، حتى أبكى أمهات بعض من اعتادوا المرور بجانبه… سور تآكل، وبانت عورته، فغضب وانهار على من كانوا يمرّون بجانبه، يتكئون عليه، ويستظلون به من غضب الشمس وثورة الأحوال الجوية، وهم في طريقهم لطلب العلم.
الغريب ما قرأته بعد الفاجعة، وما سمعته من صراخ من خرجوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. أغلب من خرجوا علينا يولولون، يطالبون بمحاسبة من تسبب في الفاجعة، ويطالبون بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه أو غفل عنه.
هكذا نقفز على كل وجع ومأساة، لنواصل الدعوة إلى الانتقام من كل ما سبق، ومن كل من سبقونا في تحمّل مسؤولية خدمة هذا الشعب… هل يجب أن ننتقم ونثأر بعد كل فاجعة أو فشل ممن سبقونا في تسيير شؤون مؤسسات البلاد؟ هل يجب أن نشيْطن كل من سبقونا في خدمة الوطن بعد كل وجع يشعر به جسد هذه الأمة؟ ألا يجدر بنا أن نعتبر مما حدث، ونبدأ بإصلاح حالنا وأحوالنا؟
أتساءل: ألا يتساءل أحدكم لماذا كل هذا العزوف عن تحمّل المسؤولية؟ أليس للفصل السادس والتسعين من المجلة الجزائية دور كبير في هذا العزوف، الذي أفرغ مؤسساتنا من كفاءات كنّا نفاخر بها، ونطمئن بوجودها على حالنا وحال مؤسساتنا وحال البلاد؟ ثم، أليس للفصل الرابع والعشرين من المرسوم عدد 54 نصيب مما نحن فيه، ومما عشناه ونعيشه؟ فمن كان يرى في السور عيبًا وخطرًا، لن يكتب عن الأمر، ولن يُنبّه لخطورته، خوفًا من أن يُتهم بنشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة…
ألم نغرق اليوم في وحل الفصل السادس والتسعين، ورعب المرسوم الرابع والخمسين؟ لماذا تنشر تشريعاتنا وبعض قوانيننا الخوف والرعب في نفوس كفاءاتنا، ومن يملكون القدرة على تحسين أوضاعنا؟ أيمكن للأمم أن ترتقي وهي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب من قوانينها؟ كيف نطلب من بعضنا خدمة الوطن وهم يعيشون رعب القانون، ورعب الحقد، ودعوات الإقصاء والثأر والانتقام من كل قديم، وكل مخالف في الرأي، وكل من لا يعلن لنا البيعة، ولا يقف صارخًا “مزغردًا”، مصفقًا لأخطائنا، ملمّعًا لفشلنا، داعيًا لنا بطول العمر وجزيل الثواب؟
يا من تستمتعون بوجع خصومكم، ومن لا تتفقون معهم، ومن تركوا أثرًا طيبًا وانتصروا عليكم بما حققوه وأنجزوه…الوطن أمانة بين أيادينا جميعًا، فجنّبوه الفتنة، وجنّبوه الأحقاد، وحافظوا على سور الوطن…ولا تخربوا سقفه، فإن انهار سقف الوطن، فنحن، نحن الشعب، من سيدفع الثمن… نعم… نحن الشعب من سيدفع الثمن.


عبد الكريم قطاطة:
في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…
بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…
هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…
السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…
انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…
ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…
تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…
وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…
في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…
دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…
الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…
رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …
ـ يتبع ـ

جور نار
حرب عالمية… تجارية، دون ذخيرة حيّة… على الأبواب!
نشرت
قبل أسبوع واحدفي
8 أبريل 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
يتساءل الجميع اليوم عن حجم ردود الفعل العالمية المنتظرة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن هيكل تعريفي جديد للولايات المتحدة في “يوم التحرير الثاني”… وهي التسمية التي أطلقها ترامب على يوم الثاني من أفريل من هذه السنة، ترامب يعتبر ذلك اليوم ثاني أهمّ يوم في تاريخ الماما بعد اعلان استقلالها يوم 4 جويلية من سنة 1776 …

يرى ساكن البيت الأبيض أن الإجراءات التي أعلن عنها يومها ستعيد الحياة للعصر الذهبي لأمريكا، وستجدد من استقلالها حسب رأيه… ولسان حاله يقول انه لم يجد حلاّ لمشاكل الماما الاقتصادية غير فرض ضرائب على دول الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية والبرازيل والهند والصين واليابان وكندا والمكسيك والعديد من الدول الأخرى، رغم أنه يدرك جيّدا ان أغلب هذه الدول ستعامله بالمثل وقد لا تخرج الماما من الازمة الاقتصادية بالسهولة التي يتصورها… فدول الاتحاد الأوروبي تسعى لتكوين جبهة موحدة في الأيام المقبلة لتقف في وجه ما قرره ترامب… ومن المحتمل أن يتم الاتفاق حول مجموعة أولى من الإجراءات المضادة تستهدف واردات أمريكية تصل قيمتها إلى 28 مليار دولار…
هذا التحرك المنتظر يعني بالتأكيد انضمام الاتحاد الأوروبي إلى الصين وكندا في فرض تعريفات ردعية انتقامية على الولايات المتحدة في تصعيد مبكّر لما يخشى البعض أن يتحول إلى حرب تجارية اقتصادية عالمية… والخوف كل الخوف أن ترتفع تكلفة الآلاف من السلع لأغلب سكان المعمورة مما قد يدفع أغلب الاقتصادات حول العالم إلى الركود.
وتهدف الجبهة التي يسعى الاتحاد الأوروبي لتكوينها إلى الخروج برسالة موحدة تعبر عن النيّة والرغبة في التفاوض جدّيا مع ساكن واشنطن لإزالة التعريفات… مع التلويح بالاستعداد الدائم للمعاملة بالمثل والرد بإجراءات جمركية ثأرية مضادة، إن فشلت هذه المفاوضات في إزالة التعريفات الجديدة التي يريد ترامب فرضها على الجميع أو في التخفيض منها… ومن بين المنتجات التي حظيت باهتمام الجبهة الأوروبية الموحدة وأثارت قلق الرئيس ترامب، فرض رسوم جمركية جديدة على “البوربون” الأمريكي (الويسكي) بنسبة قد تصل إلى 50%… وهو الأمر الذي جعل ترامب يهدّد برسوم نسبتها 200% على النبيذ والشمبانيا وغيرهما من المنتجات الكحولية من فرنسا وإيطاليا وغيرهما من دول الاتحاد الأوروبي.
تغطي التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب على الاتحاد الأوروبي حوالي 70% من صادراته نحو الولايات المتحدة… وقد بلغت قيمتها الإجمالية 532 مليار يورو (585 مليار دولار) العام الماضي، مع احتمال فرض رسوم أخرى على العديد من الصادرات الاخرى في المستقبل إن تعنتت الجبهة الأوروبية وردّت بالمثل… وتفيد بعض المصادر ان المفوضية التي تنسق السياسات التجارية للاتحاد الأوروبي قد تكون اقترحت على أعضائها قائمة بالمنتجات الأمريكية التي يجب ان تخضع لرسوم جمركية إضافية، ردّا على ما فرضه ترامب من تعريفات جديدة على الصلب والألومنيوم بدلاً من الرسوم المتبادلة… ومن المتوقع أن تشمل هذه المنتجات اللحوم الأمريكية، والحبوب، وغيرها من المنتجات التي قد تثير قلق ترامب…
وبالعودة إلى تاريخ الصراعات التجارية التي شهدها العالم، يذكر جميعنا انهيار سوق الأسهم سنة 1929 والإجراءات الحمائية التي تبعته وما وقع في السنوات التي تلته… فقد تمّ القضاء على ثلثي التجارة العالمية إلى أن أعلن الرئيس الأمريكي فرانكلين د. روزفلت عن تخفيض الولايات المتحدة لجميع التعريفات الجمركية على أي شريك تجاري سيقوم بالمثل… لذلك لا يمكن تجاهل حدوث انخفاض حاد في التجارة العالمية لو تعنّتت جميع الأطراف وواصلت سياسات الردّ بالمثل وعدم العودة إلى رسومات جمركية يقبل بها الجميع …
لكن في هذه الحرب التجارية الطاحنة، لكن هل فكّر ترامب وخصومه في “كيف سيكون حال الدول الفقيرة وشعوبها؟؟” فأغلب الشعوب التي قد تتضرر مما اقدم عليه الرئيس ترامب عانت من أزمة 2008 ولم تخرج من اسقاطاتها وتبعاتها إلى يومنا هذا… وبعضها انهارت اقتصاديا بعد سنوات الكوفيد ولم تخرج إلى يومنا هذا من وجعها ومعاناتها… لذلك علينا ان لا ننسى أن أكبر الخاسرين هم أغلب دول إفريقيا وجنوب شرقي آسيا وبعض دول الشرق الأوسط التي لا تعيش على ما يجود لهم به باطن الأرض… فما يفعله اليوم ترامب وخصومه بالشعوب الفقيرة يعتبر جريمة وطوفانا مدمرا لاقتصاداتها فأغلب هذه الدول تعيش على التسوّل وقروض صندوق النقد الدولي ومساعدات البنك الدولي…
ترامب لم يفكّر في مصير شعوب الدول الفقيرة بل فكّر فقط في إصلاح اختلال ميزان الماما التجاري… ونسي اختلال الميزان التجاري لدول لا يفوق اقتصادها اقتصاد مدينة من مدن أفقر ولاية من ولايات الماما… فهل يزحف الركود التجاري والاقتصادي إلى اغلب دول العالم بما اتاه ترامب بشطحاته الغريبة؟؟ وهل يعود الجميع إلى العقل، أم أن حلقة تصعيد إضافية ستفتح؟؟… ويصل بنا الأمر إلى حرب عالمية تجارية قد تكون …تبعاتها أخطر من كل الحروب التي عرفها العالم؟؟


لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!

أكودة: بعد إحداث مركز امتحان لأول مرة… “الباك سبور” محور جلسة عمل

المغرب: احتجاجات شعبية على فتح موانئ البلاد… لنقل الأسلحة لجيش إسرائيل

نائب الرئيس الأمريكي يدعو أوروبا… للاستقلال عن أمريكا!

حادث سور معهد المزونة… تشييع جنازة أحد التلاميذ الضحايا، وسط احتجاجات شعبية
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 5 ساعات
لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!
- اجتماعياقبل 7 ساعات
أكودة: بعد إحداث مركز امتحان لأول مرة… “الباك سبور” محور جلسة عمل
- صن نارقبل 9 ساعات
المغرب: احتجاجات شعبية على فتح موانئ البلاد… لنقل الأسلحة لجيش إسرائيل
- صن نارقبل 9 ساعات
نائب الرئيس الأمريكي يدعو أوروبا… للاستقلال عن أمريكا!
- اجتماعياقبل يوم واحد
حادث سور معهد المزونة… تشييع جنازة أحد التلاميذ الضحايا، وسط احتجاجات شعبية
- صن نارقبل يومين
رئيس أركان جيش الاحتلال… حكومة نتنياهو لا تريد بديلا لحماس!
- صن نارقبل يومين
فرنسا توقف 3 جزائريين… الجزائر تطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا… وتصعيد جديد منتظر
- صن نارقبل يومين
أوكرانيا: هجوم روسي مدمّر على “سومي”… واحتجاج دولي وأمريكي
تعليق واحد