عرفنا في الحلقة الماضية ان عميلي الموساد ليفي و ايلي يختبئان لدى اليهودي التونسي كاكوب الذي لا يعرف صفتهما أو سبب زيارتهما لتونس لكن يستشعر بحدسه أنهما عميلا موساد و يواصل عدم الافصاح لهما عن ذلك … بدأ كاكوب يقص مراحل حياته بتونس الى ان طرح عليه ليفي مده بتفاصيل عن الماساة المريعة التي كانت ضحيتها حسناء يهودية تونسية عشقت شاباً تونسيا
يجيبه كاكوب :
—“عزيزي ليفي هذه قصة محزنة حقا و تنم عن عنصرية عميقة لدى البعض منا نحن اليهود ..لقد هامت هذه الفتاة الجميلة بحب شاب تونسي لطيف ووسيم و هام بها ايضا بجنون ..و يبدو أنهما تعاشرا لمدة سنتين كاملتين بصورة سرية بعد أن اكترت له من الكوميتا اليهودية شقة غير بعيدة عن شارع مدريد حيث تقطن مع والدها ..لكن قبل هجرة الأسرة الى اسرائيل لم يعد للفتاة العاشقة إلا الاختيار بين عصيان والديها وخالها كبير اليهود حينها للهرب مع حبيبها المسلم، أو الاستسلام لمشيئة الاسرة والسفر معها تاركة حبيبها …
“وقد حاول حبر الكنيس جهده لارجاعها للجادة فاختارت الانتحار بتلك الطريقة المحزنة قبل ايام من السفر …العمارة التي رمت منها نفسها تقع وسط العاصمة تونس بنهج مدريد على ما اذكر و جثة الفتاة سقطت من الطابق الثالث امام حانوت الساعاتي” هارون ” ..(يمسك كاكوب وجهه بيده و يستطرد بكل حزن ..لقد كانت فتاة رائعة الجمال وتدعى “نسيمة” …”الشوق يا صديقي و العشق يعمل العجب.
الضابطة ايلي: يا لها من قصة مثيرة ومحزنة …حب ممنوع انتهى بماساة …ألا تظن ان هناك من دفعها من الطابق الثالث؟ ثم ماذا جرى لعشيقها التونسي؟
كاكوب: لقد انهار يوم دفنها بالمقبرة لما سمح له بالحضور لكنه غاب عن الانظار وحتى اصدقاؤه بالمقهى التي يرتادها افتقدوه
ليفي (وهو يرمق ايلي بخبث): عزيزتي . اياك ان تقعي في حب تونسي … تعرفين مصيرك المزعج !!
ايلي : كفى مزاحا ثقيلا أيها البدين .. تعرف جيدا انه لا مكان عندنا للحب …لا شيء يجب ان يتجاوز حدود المتعة أو صيد الفريسة .. هكذا يردد علينا رئيسنا “الياهو”.
ليفي: حسنا يا جميلتي ..اذن عليك لنهاية شنيعة كماساة الجاسوسة “ماتا هاري” الوقت و المكان مناسبان تماما في ظل انتفاضة التونسيين !!
(تستشيط ايلي غضبا وتصيح ) :
ليفي. I hate you bad boy ( يتدخل كاكوب ضاحكا لتهدئتها ) : ما رايكما لو ننهي السهرة بجلسة رائقة بقاعة الشاي شيشخان القريبة؟ ..لا عليك ايلي انه يمزح ..ألم يعلمكما رئيسكما التماسك و عدم الغضب؟
(تلتفت ايلي نحو ليفي في حنق كأنها تشير له ان كاكوب قد اكتشف امرهما) ايلي: فكرة ممتازة يا عمو الوسيم أريد استنشاق الهواء الطلق هربا من رائحة هذا البدين التي تعبق كروث البهائم !!
(قاعة الشاي “شيشخان” يجلس الثلاثي في ركن مقابل لمدخل المقهى ..يتقدم النادل بسرعة للاجابة على طلباتهم في حين يواصل كاكوب حديثه عن تونس ).
كاكوب: تونس عروس كل المتوسط بحق حيث كان أفراد الجالية إليهودية يقضون احلى ايام حياتهم … كنا نتقابل في مقر الكوميتا أو احيانا في منزل أحد الأصدقاء وحتى في الكنيس نتبادل الأخبار عن اسرائيل ونقوم بطقوسنا الدينية بكل حرية أما بالمقهى القريب بلافيات فنستمع الى أغاني راوول جورنو و ام كلثوم و الهادي الجويني وصليحة و علي الرياحي والشيخ العفريت ونرتاد دور السينما مثل البرناس و استوديو 38 وننعم بالفرجة على عديد الأفلام ونعشق بعض الممثلين مثل. “تيلي سافالاس”و “كيرك دوغلاس” و “جينا لولو بريجيدا” و صوفيا لورين و والفاتنة جان مورو ومعبود الفتيات انذاك “الان ديلون” كما نتحمس لافلام الكاوبوي ونصفق بحرارة للبطل …
(يترشف كاكوب جرعة قهوة ثم يرسل تنهيدة طويلة قبل ان يستطرد )لا يمكنني ان اصف لكما متعتنا خلال كل صيف بـ”حلق الوادي” حيث نجتمع فوق رمال الشاطيء البديع وفي منازلنا القريبة كنا تفتح الابواب و النوافذ على الانهج و الشوارع ليلا نهارا. في امن و امان ونقبل بعض ضيوفنا من الأقارب كما نربط علاقات وصداقات مع جيراننا التوانسة و نتبادل الماكولات اللذيذة ..
وكانت الأسواق تعج بكل أنواع الأسماك واللحوم و الخضروات والغلال باسعار بخسة ..سيارات التاكسي الحمراء الكوكسينال تجوب شارع روزفلت و الانهج الملاصقة والمصطافون يهزجون بالغناء والرقص واصوات نغمات الدربوكة لا تصمت ألا بعد العاشرة ليلا ‘”احترام الجار ” وحين تكل الحسناوات من الرقص فوق الرمال …
الضابطة ايلي: ما احلى هذه الحكايات يا عمو . انك تتحدث وكاننا نشاركك متعة الذكريات و النوستالجيا اللذيذة
كاكوب: ولا يمكن ان انسى ان احدثكما عن متعة احتساء الخمر التونسي اللذيذ و البيرة في حانات ذلك العصر الذهبي فالموسيقى الممتعة تتفوق دوما على ضجيج أصوات رواد الحانة والنادل يضع امامك عديد صحون سمك التريليا و حبات البطاطس الصغيرة و الزيتون و الفول لدى كل طلب ..وحوالي منتصف الليل كنت ترى الاسر يتنزهون بشارع بورقيبة و بور دى فرانس أو يتبضعون من اسواق القصبة والجميلات يتفسحن فرادى و جماعات فتزدان بهن الشوارع وتزيدهن انسا و بهاء …
كانت اياما جميلة بحق ويمكنني التاكيد أنني لن أختار أي بلد لتعويض بلدي الجميل تونس رغم تداخل عديد المتغيرات المؤسفة احيانا … ثم لا يمكن ان ننسى ان يهود تونس تتم معاملتهم سلبا أو ايجابا. مثلهم مثل غيرهم من التوانسة. ولي ابن عم هو المهندس المعماري كليمون كاكوب قد عمل وزيرا لقطاع هام وهو الأشغال العامة (وزارة التجهيز) و هو مصمم قصر قرطاج الرئاسي … كما لنا شباب من اليهود اليساريين تم اعتقالهم ببرج الرومي تماما كرفاقهم من اليساريين المنادين بمزيد الديمقراطية و الحرية و كما يقولون’. دكتاتورية البروليتاريا” .
ليفي: قصة رائعة لكن كيف ترى مستقبل هذا البلد الجميل ونحن اليوم في قلب انتفاضة ضد نظام بن علي؟
كاكوب: اسمع يا بني ..لا احد يمكنه فهم الشعب التونسي تجارب عدة مثل انتفاضة 78 و انتفاضة 3 جانفي 83. والانتفاضة التي تعيشها تونس خلال هذه الايام تكشف عن قوة خارقة للشعب التونسي الذي قد يقلب في وقت غير محدد كل الموازين وفي اوقات قياسية. الشعب التونسي. C est comme un étang .. لا يظهر مايدور فيه …
ليفي: لكن سيدي كاكوب لم تجيني عن سؤالي المحدد؟ ..قبل ذلك علينا للانصراف لنواصل الحديث لدى عودتنا للبيت (يلتفت الي الضابطة ايلي و يهمس ) : نحن الآن ملاحقون، فالرجل الوسيم الجالس على يمين القاعة سبق لي ان لاحظته يحوم حول منزل كاكوب منذ قدومنا .. ..انهم يعرفون كل شيء. رغم تردي الجو العام بالبلاد . نحن نعرفهم انهم حرفيون جدا ..لكن مشكلتهم الآن هي ارتباك القرار و ضياع ربان السفينة …
ـ يتبع ـ
(الحلقة القادمة : دببة الـ K.G.B على الخط وسقوط العميل التركي)