عصا التسيار

نظرة على “أوغندا” … منبع الحياة المجهول

نشرت

في

في غمار معركة الوجود التي يخوضها أكثر من شعب ـ و أولهم شعب مصر الشقيق ـ حول مياه النيل شريان الحياة و ملعب السياسة و المؤامرات … في هذه اللجّة المتلاطمة، قد يُطرح سؤال حول هذا النهر الذي خلّدته أغنيات و أناشيد و أشعار … و خلّده خاصة تدفقه المسترسل من آخر الدنيا فوُلدت منه و فوقه و حواليه حضارات لا بداية لها و لا منتهى … السؤال عن موْلد هذا المارد الجميل، و عن أولى جداوله و سواقيه و بحيراته التي يتشكّل في رحمها قبل أن ينطلق في رحلة بآلاف الأميال … و الجواب يكون في معظمه هنا، في أوغندا، البلد الأسمر الوديع الذي إلى اليوم على الأقلّ، لم يتورّط في دسيسة قطع أرزاق … و لا في استحواذ أنانيّ على ثروة لا يمكن أن تنحبس داخل جغرافيا السياسة، أو الأملاك العقارية المزعومة لشعب دون شعوب أخرى تقاسمه الشرعية و المصير و المسار في آن واحد …

آوغندا.. حيث المشاهد الطبيعية التي لا تعد ولا تحصى , والتي يمكن أن تأخذ أنفاسك بعيداً …الغوريلا الجبلية .. الحدائق الوطنية .. جبال القمر .. وأكبر بحيرة إستوائية في العالم .. كلها أشياء ستثير إعجابك حقاً .أُطلق عليها إسم “لؤلؤة أفريقيا” بسبب جمالها , وألوانها , و وفرة الحياة الرائعة بها .تقع أوغندا في قلب قارة أفريقيا على حوض النيل , ولها شاطيء طويل على بحيرة فيكتوريا , وتقدم للزائرين كل شيء من المدينة العصرية النابضة بالحياة , إلى أجمل المناظر الطبيعية الموجودة في جميع أنحاء أفريقيا .مطار أوغندا الأهمّ على مقربة من مدينة كامبالا, وهي أكبر مدينة وعاصمة للبلاد …

وتقع كمبالا على مدخل الركن الشمالي الغربي لبحيرة فيكتوريا , و هي مقامة على سبعة تلال – مثل روما – , على الرغم من أنها صممت لتشمل أكثر من ذلك بكثير .- وتشمل كل من التلال السبعة مواقع مهمة في كمبالا , فعلى سبيل المثال يوجد “تل كاسوبي” … وهو موقع الدفن المقدس لملوك أوغندا , كما أنه أحد مواقع التراث العالمي المسجلة بمنظمة اليونسكو منذ عام 2001 , ووصف بأنه ” أحد أكثر المباني شهرة بإستخدام مواد نباتية طبيعية في إفريقيا جنوبي الصحراء ” …

استقلال يلامس السماء !

من التلال الأخرى الأكثر شهرة في كمبالا , تلال تتميز بوجود الكثير من المعالم الدينية , بما في ذلك كاتدرائية روباغا الرومانية الكاثوليكية الضخمة , وكاتدرائية ناميريمب الأنغليكانية , ومسجد كيبولي .كما أن نصب الإستقلال الذي يقع في قلب كمبالا , هو واحد من أشهر معالم المدينة , و هو يصور رجلا يرتدي ملابس طفل ويلمس السماء , و يرمز ذلك إلى بلد جديد وُلد من الماضي الإستعماري…

ouganda monument independance
نصب الاستقلال ـ كامبالا

 وبالعودة إلى الماضي في أوغندا , يضم المتحف الوطني الأوغندي في تل كولولو، أدوات حجرية تعود إلى ما قبل مليون سنة , فضلاً عن اقسام مخصصة للعلوم والتكنولوجيا والإتصالات وعلم الحفريات والموسيقى التقليدية . وربما إن أردت الحصول على تجربة أوغندية أكثر حيوية ومعاصرة , فهناك “مركز ندير” : ذو الخمسة هكتارات من الممرات الخضراء المظللة تحت الأشجار الإستوائية المزروعة , كما يمكنك التمتع بالعروض المحلية الرائعة من الفرق الموسيقية , والإحتفالات الثقافية , والرقص والمرح من قبل 56 قبيلة محلية مختلفة …

النساء و المرور:

قانون الطرقات تحت أقدام الأوغنديات

تتميز كامبالا أيضا ـ مثلها مثل باقي المدن الأوغندية ـ باختناق مروري لا يطاق … و يرجع ذلك إلى عدم وجود بنية أساسية للطرقات فلا جسور هنا و لا أنفاق … علاوة على ضيق عرض الشوارع التي لا تتجاوز الأربعة امتار على أحسن تقدير ولكن الفضل الوحيد لهذا الزحام حسب رأي المواطنين هو انعدام الحوادث أو قلة نسبتها. والطريف أن البعض يرجع أسباب هذا الاختناق المروري إلى سيطرة العنصر النسائي على تنظيم السير و عجز الشرطيات ـ من وجهة نظرهم ـ على ردع المخالفين من الرجال.

للفرار من غابة مرور السيارات الوقوع في دغل الدراجات النارية

هذه الأزمة المرورية أوجدت سوقا رائجة “للموتور /التاكسي” الذي باتت له أماكن تجمّع ثابتة بسبب اظهاره مرونة كبيرة في التعامل مع زحام الشوارع أما أجرته فضعف أجرة التاكسي و حافلات النقل الجماعية.

هنا أوغندا

تبلغ مساحة أوغندا 243 ألف كم مربع، وتغطي المياه العذبة حوالي خمسة عشر بالمائة من مساحتها، وتعتبر أرضها من أجمل بقاع شرق و وسط أفريقيا بسبب وفرة الكساء الأخضر من حشائش السافانا البستانية.

يبلغ عدد السكان حوالي 30 مليون نسمة يمثل المسيحيون أغلبية بنسبة 52% والمسلمون 40% والنسبة الباقية ديانات وعقائد مختلفة بعضها سماوي والبعض الآخر وثني … ويتكون سكان أوغندا من عدة قبائل تزيد على عشرين قبيلة وينتمون إلى زنوج البانتو والنيليين الحاميين وهناك بعض الأقزام في مناطق العزلة بالغابات و بعض قبائل سيرياتل.

ويعاني هذا البلد من التضخم إذ تبلغ قيمة الدولار الأمريكي ما يساوي 1680 شيلينغ وهي العملة المحلية هناك، فأصبح التعامل بالآلاف والملايين شيئاً عادياً، فمثلاً لو قمت بتغيير مبلغ 20 $ فقط فستأخذ ما يساويها بالعملة المحلية 33 ألف و 600 شلن!

مسجد في عمق الأدغال

يوجد في أوغندا ثاني أكبر مسجد في إفريقيا بعد مسجد الملك الحسن الثاني في المغرب، وهو مسجد العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، ولهذا المسجد قصة … فقد استغرقت رحلة بنائه حوالي 30 سنة؛ حيث كان أول من بدأ في إنشائه الرئيس الأوغندي الأسبق عيدي أمين في أواخر السبعينات من القرن الماضي، ولكن توقف البناء بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح به ونشوب الحرب الأهلية هناك بين القوات الحكومية والمتمردين من جيش الرب في الشمال بقيادة جوزيف كوني والتي استمرت حوالي العشرين عاما حتى عام 2005.. حينها أراد القذافي استكمال بناء هذا المسجد وأطلق اسمه عليه.

جامع العقيد الفقيد رحمه الله

وصل الإسلام هذا البلد عن طريق التجار العرب، والشعب الأوغندي والمسلمون على وجه الخصوص قلوبهم رقيقة جداً ولذلك فدخولهم الإسلام سهل جداً ولكن ينقصهم معرفة الدين؛ حيث تسيطر عليهم وخاصة في المزارع بعض المعتقدات القبلية الموغلة في القِدم … فعلى سبيل المثال يصعب عليهم عبور نهر أو بحيرة لخوفهم من المجهول هناك على حد تعبيرهم وخاصة من الجزر التي في قلب البحيرات.

النور و الظلام

يختلف شكل هذا البلد نهاراً عنه في الليل فمع وضح النهار تستطيع أن تستمتع بمناظره الطبيعية الخلابة والبيوت المنتشرة على تلاله المكسوة بالخضرة، أما في الليل ونظراً لأن الطرقات غير مزودة بإضاءة ليلية فإن الزائر لن يستطيع الاستمتاع بتلك المناظر الخلابة ,.. إلى درجة أنني لما أعلن قائد الطائرة التي أقلتنا إلى مطار عنتيبي هناك أننا دخلنا أجواء هذه المدينة، نظرت من نافذة الطائرة و لم ألاحظ سوى أضواء تجمعات صغيرة جداً .

منظر خلاّب من ضفاف بحيرة فيكتوريا أمّ نهر النيل الخالد

الغريب في هذا البلد أن الشعب الأوغندي بالرغم من وجود أكبر منبع للنيل عندهم وعدد من روافده فإنهم لا يستفيدون منه سياحيا على الإطلاق فلا يوجد كورنيش أو منتزهات أو أندية ترفيهية أو حتى دور سينما، فقط دار ثقافة ….حتى الغابات المفتوحة المنتشرة في غرب البلاد فالرحلات إليها مرتفعة التكلفة وتتجاوز 300 دولار للساعة الواحدة، لكنها رحلة تستحق المغامرة وما تنفقه فيها من أموال حينما تتجول في سيارات الأقفاص الحديدية وسط الحيوانات في الغابات المنتشرة هناك على الحدود الكينية، لتكون هذه المناظر الطبيعية الخلابة والغابات الاستوائية المفتوحة هي أبرز المعالم السياحية التي يقصدها المهووسون بالحياة البرية من كل حدب وصوب.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version